تناولت في مقال سابق رسالة من رسائل الملك عبدالعزيز - رحمه الله - التي بين فيها منهج هذه البلاد وأنها قامت على عقيدة السلف الصالح التي جاءت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم. ونفيه - رحمه الله - أن تكون دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب مذهباً خاصاً جاء به محمد بن عبدالوهاب مخالفاً به المذاهب الإسلامية المعتبرة مالك والشافعي وأحمد وأبي حنيفة.
واليوم أجد من المناسب أن أستعرض معكم رسالة من رسائل الملك عبدالعزيز التي وجهها إلى شعبه وأمته، وكان ذلك عام 1354هـ يبين فيها أهمية التمسك بهذا الدين العظيم.. دين السماحة واليسر، ويحثهم على التدبر وأن يتبعوا القول بالعمل، في جدوى القول إذا لم يكن متبوعاً بعمل؟!.
ومحمد صلى الله عليه وسلم بعث من أشرف قبيلة، ومن أشرف أمة، وهو أفضل الخلق على الإطلاق، وأفضل من كل شيء بعدالله، ولقد جاء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم بالهدى والبينات، جاء بأفضل الأديان، ألا وهو دين الإسلام إن الإسلام شريعة سمحة لا غلو فيه، اختاره الله للمسلمين من بين الشرائع وفضله على جميع الملل. دين الإسلام دين الإنسانية والسماحة، ولقد أرسل الله رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم بأشرف الكتب لخير الأمم وهو كتاب الله، فكتاب الله لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، ولقد أعز الله الإسلام بالسنة المحمدية فما في الكتاب تؤيده السنة، وما في السنة يؤيده الكتاب.
إن الإشراك في عبادة الله كفر وليس بعد الكفر ذنب.
إن دين الله ظاهر كالشمس لا لبس فيه ولا تعقيد، دين الله مكتوب في الكتاب والسنة، فكل عمل اتفق مع الكتاب والسنة فهو الحق، وكل عمل خالف الكتاب والسنة فهو الباطل.
إن سورة الفاتحة يرددها المسلم في صلاته، وهي جامعة للحكم والبينات في قوله تعالى: {الًحّمًدٍ لٌلَّهٌ} إخبار بأن الذي يستحق الحمد هو الله، {رّبٌَ العّالّمٌينّ} أي أنك ملك العالمين وربهم، فهو رب الكافر والمسلم، رب الإنس والجن، رب كل شيء في الوجود من حيوان وجماد ونبات {پرَّحًمّنٌ پرَّحٌيمٌ} ومعنى الرحمن رحمان الدنيا والرحيم رحيم الآخرة.
{مّالٌكٌ يّوًمٌ الدٌَينٌ } إقرار بأن الذي يملك يوم الدين هو الله وحده رغم أنوف الجاهلين والجاحدين {إيَّاكّ نّعًبٍدٍ} أي نوحدك ونطيعك خاضعين {وّإيَّاكّ نّسًتّعٌينٍ} أي نطلب منك المعونة على عبادتك، {اهًدٌنّا الصٌَرّاطّ المٍسًتّقٌيمّ} أي دلنا وأرشدنا وثبتنا على طريق السنة والجماعة {صٌرّاطّ الذٌينّ أّّنًعّمًتّ عّلّيًهٌمً} أي مننت عليهم بالهداية {غّيًرٌ المّغًضٍوبٌ عّلّيًهٌمً وّلا الضَّالٌَينّ} أي الذين غضب الله عليهم لمخالفتهم أوامره، وضلهم عن طريق الحق. إن في سورة الفاتحة التي يرددها المسلم في صلواته ما لو تدبره المسلم، لما كان المسلم يقول شيئاً ويعتقد خلافه، يجب على المسلم أن يتبع قوله بالعمل، وقراءة الكتاب والسنة بالاعتقاد الصحيح، أما الأقوال بغير الأعمال، فهذه من صناعة اليهود والنصارى.
ويجب على المسلمين أن يقلعوا عما هم فيه، فإذا فعلوا فيستغفر الله لهم، لقد غفر الله عن أعمال عمر في الجاهلية حتى غدا الفاروق في الإسلام، وغفر عن أعمال خالد بن الوليد حتى أصبح سيف الله في أرضه، إن العبرة بالنية الصادقة، فإذا صدق المسلمون في نيتهم فبشرهم برحمة من الله وفضل.
وهذا الكلام صحيح، ولكن ألم يأتهم نبأ قوله تعالى: {إنَّ پلَّهّ شّدٌيدٍ پًعٌقّابٌ} *المائدة: 2* ، إن الله غفور رحيم لمن تاب وآمن وعمل صالحاً، أما من يستمر في طغيانه ويصر على كفره فسيناله عقاب ربه، إنني أرجو من المسلمين أن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسول الله، وهذا هو ديننا، وهذا هو معتقدنا نقاتل من أراد أن ينال ديننا أو وطننا بأذى.
يقول كثير من المسلمين: يجب أن نتقدم في معمار المدنية والحضارة، وإن تأخرنا ناشئ عن عدم سيرنا في هذا الطريق، وهذا إدعاء باطل؛ فالإسلام قد أمرنا بأخذ ما يفيدنا ويقوينا على شرط ألا يفسد علينا عقائدنا وشيمنا، فإذا أردنا التقدم يجب أن نتبع الإسلام، وإلا كان الشر كل الشر في اتباع غيره.
إن الفرقة أول التدهور والانخذال، بل هي العدو الأكبر للنفوس والغاوية للبشر.
الاتحاد والتضامن أساس كل شيء فيجب على المسلمين أن يحذروا الفرقة وأن يصلحوا ذات بينهم، ويبذلوا النصيحة لأنفسهم، قال عليه الصلاة والسلام: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».
ويقول: {وّنّحًنٍ أّقًرّبٍ إلّيًهٌ مٌنً حّبًلٌ الوّرٌيدٌ} *ق: 16* .
وقد فرض الله سبحانه الفرائض الخمس على كل مسلم ومسلمة، وهي تطهر القلوب والأموال والأنفس من الدنس والشرور، ومن هذه الفرائض الحج، حج بيت الله الحرام مع الاستطاعة.
والحقيقة أن حج بيت الله الحرام والاجتماع فيه من أكبر النعم التي أولانا إياها الحق جل وعلا، إذ إن الخير كله في الاجتماع، والشر كله في التفرقة، فالاجتماع والتضامن أساس كل عمل، ومحور كل نهوض.
نسأل الله أن يعز دينه ويعلي كلمته ويؤيد المسلمين بروح منه. إن رسالة الملك عبدالعزيز التي كتبت منذ سبعين سنة تحكي واقع أمة كانت تعاني من بدع وخرافات في العبادات وظلم في المعاملات، وكان الملك - رحمه الله - يحاول الإصلاح بين الفينة والأخرى بتوجيه الخطب والرسائل إلى عامة شعبه وخاصته.
واليوم أجد هذه الرسالة مناسبة للأمة جمعاً، وإن كان الانحراف اليوم انحرافاً مضاعفاً.. انحرافاً في المعتقد.. وانحرافاً في التفكير.
فلم تعد المسألة مقتصرة على الشخص ذاته وإنما تعدى خطرها وضررها المجتمع بأسره.
إن الطاعة الكبرى والخطيئة العظمى يوم يتعدى ضررك إلى الآخرين بل يوم يكون الأقربون أولى بخطرك، والمحسنون إليك هم هدفك في الإضرار لا في الإحسان. كمن من جاهل ظنه البعض عالماً قبل أن تتكشف الأمور ويرفع حجاب هذا وذاك.. حجاب كان يخفي وجهاً قبيحاً ويستر جهلاً مقيتاً.. ذلك قبحه متعدياً، وهذا جهله مدمراً.
إن أخطر ما يحدق بالأمة تعالم الجهال، وتطاول مدعي الثقافة أو المجاوزون لحدودهم المعرفية، فتكون النتيجة إيقاظ فتنة نائمة قال عنها رسول الهدى عليه السلام: «الفتنة نائمة لعن الله موقفها».
إن رجوع الأمة إلى ثقافتها السليمة وفكرها الصحيح كفيل بإذن الله بسلامتها، وما هذه الرسائل والخطب الملكية التي جمعت بين فكر القائد وفكر العالم الرباني الصادق إلا نموذج لما يجب أن يعلمه أبناء هذا الجيل. خطب هي في حقيقة أمرها نهج حياة.
فاكس: 4080796
|