شهد العالم العديد من المتغيرات الاقتصادية التي طرأت على الساحة الدولية والتي طالت جميع المجالات سواء الاقتصادية أو الاجتماعية أو السياسية أو الثقافية وتعاظم دور المؤسسات المالية بشكل كبير في تصميم برامج التطور الاقتصادي، كما ظهر عصر التكتلات الاقتصادية الذي أصبح له تأثيراته على الساحة الدولية بصفة عامة وعلى الاقتصاد العربي بصفة خاصة لانتماء الدول العربية إلى دول العالم النامي، لذا فمن الضروري أن تستعد الدول العربية لكي تتعامل مع هذه المتغيرات وتنسق فيما بينها لتستطيع الصمود أمام التكتلات الاقتصادية الكثيرة التي انتشرت في الآونة الأخيرة بشكل كبير في ظل متغيرات اقتصادية عديدة طالت مجالات كثيرة خاصة المجالات والأنشطة الاقتصادية.
ان اقتصاديات الدول العربية تواجه في ظل هذه التغيرات المختلفة تحديات كثيرة، مما ولد مشكلات عديدة أمام الاقتصاد العربي، وهذا يتطلب إجراء كثير من التغييرات في السياسات والبرامج الاقتصادية لتواجه التحديات العديدة على مستوى القطاعات المختلفة للاقتصاديات الوطنية العربية، ولعل ما حدث في العراق يكون بمثابة دق ناقوس الخطر للاقتصاديات العربية وأن الاطماع الاقتصادية في ثرواتها قائمة وهناك تهافت من جانب الاقتصاديات الكبرى للحصول على أكبر قدر من الكيكة العربية المتمثلة في ثرواته الطبيعية المتعددة.
والراصد للاقتصاد العربي يجد أن موقعه بالنسبة للاقتصاد العالمي غير مريح وتواجهه تحديات عظيمة فالانخفاض في الإنتاجية يضعف من قدرة السلع المنتجة على المنافسة مما يؤدي إلى جعل السوق العربية سوقاً لجذب السلع الإنتاجية الأجنبية وطاردة للسلع العربية لهذا فمن عناصر ضعف الاقتصاد العربي وهي في حد ذاتها تحديات يواجهها ما يلي:
1 - هامش المنافسة للاقتصاديات العربية ضيق جداً في السوق العالمية.
2 - تبعية الأسواق الداخلية العربية للأسواق الخارجية مما يضعفها.
3 - انعزال الاسواق العربية وضعفها الناجم عن تأخر البنية التحتية الأساسية لاقتصادياتها مما يجعل العرب أنفسهم يستثمرون أموالهم في الخارج.
4 - استمرار النمو السكاني بمعدلات عالية في معظم الدول العربية التي تتجاوز 3% سنوياً.
إضافة إلى هذه العناصر سالفة الذكر فإن هناك تحديات أخرى تواجهها الدول العربية في ظل العولمة والانفتاح الاقتصادي منها:
1 - الديون المتراكمة والواقعة على كاهل الدول العربية التي تصل إلى 256 مليار دولار وتضطر الدول العربية لدفع 20 مليار دولار سنوياً لخدمة هذه الديون أي 31% من مجموع صادراتها.
2 - المنافسة الشديدة في الأسواق الخارجية فالمنتج العربي يتراجع أمام مثيله الأجنبي.
3 - ارتفاع معدل البطالة التي وصلت إلى حوالي 15% إلى 20% في العديد من الدول ذات كثافة سكانية عالية.
4 - بعد إنشاء منظمة التجارة العالمية عام 1995م أدى ذلك إلى انفتاح السوق مما أغرق بعض الأسواق العربية بسلع أجنبية كثيرة.
5 - إضافة إلى تحديات أخرى مثل التضخم، تراجع أنظمة التعليم، وضعف الإنتاج الصناعي، وعدم توافر الكفاءات الإدارية، وارتفاع أسعار التكنولوجيا وصعوبة الحصول عليها.
وعلى الرغم من ذلك فإن للوطن العربي عناصر قوة اقتصادية تجعله قادرا على مواجهة التغيرات التي طرأت على الاقتصاد الدولي، ويستطيع الاقتصاد العربي الصمود أمام هذه التغيرات إذا خطط له بطريقة سليمة وإذا استغلت موارده الاستغلال الأمثل من هذه العناصر ما يلي:
1 - تبلغ مساحة الوطن العربي نحو مليار ونصف هكتار أي حوالي 10% من أراضي العالم وتقع هذه المساحة بين قارات ثلاث آسيا، افريقيا وأوروبا.
2 - يبلغ عدد سكان الوطن العربي نحو 270 مليون نسمة أي حوالي 5 ،4% من سكان العالم وهذا يشكل قوى عاملة ولكن إذا تم تدريبها وتأهيلها لتتعامل مع المتغيرات الاقتصادية الدولية.
3 - احتياج الوطن العربي من النفط العالمي 62% وبلغ إنتاج النفط الخام 28% من النفط العالمي.
4 - يبلغ قيمة الناتج المحلي نحو 530 مليار دولار ومن المتوقع أن تتضاعف إذا تحقق تكامل اقتصادي عربي.
5 - تبلغ قيمة الصادرات السلعية للوطن العربي من 140 إلى 150 مليار دولار وهي في زيادة مستمرة.
6 - مؤشر التجارة البينية العربية في ازدياد وسوف يتضاعف إذا تحقق التكامل الاقتصادي.
إن التكامل الاقتصادي العربي بين الدول العربية كبيرها وصغيرها غنيها وفقيرها مطلب ضروري لمواجهة تحديات العولمة لهذا فقد آن الأوان لتحقيق طموحات وآمال الشعوب العربية في التقدم والرقي ولن تتحقق تلك الآمال والطموحات إلا بالتكامل الاقتصادي العربي والتعاون في المجالات المختلفة لتكون الدول العربية قادرة على مواجهة التحديات الاقتصادية التي ظهرت على الساحة العالمية.
لذا ففي ظل هذه التحديات من الضروري أن تعمل الدول العربية على إنشاء كيان اقتصادي عربي واحد حتى لا تتفاقم المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، ومن المنتظر أن تلعب الجامعة العربية دوراً في العمل على لم الشمل اقتصادياً واجتماعيا وثقافيا وذلك يقتضي ترتيب الأولويات بداية من تفعيل اتفاقية منطقة التجارة الحرة وصولاً إلى التكامل الاقتصادي الكامل بين الدول العربية.
* مستشار اقتصادي ومدير دار الخليج للبحوث والاستشارات الاقتصادية
|