* دبي - الجزيرة:
دعا الدكتور كلوفيس مقصود سفير الجامعة العربية السابق لدى الأمم المتحدة ورئيس مركز دراسات عالم الجنوب في الجامعة الأمريكية بواشنطن، إلى القيام بحملة فورية في مجلس الأمن يشارك فيها المسؤولون الحكوميون وأقطاب المجتمع الأهلي إلى جانب نخبة من حكماء العرب لمواجهة المشروع الأمريكي البريطاني الذي يهدف إلى سلخ العراق عن أمته العربية.
وقال الدكتور مقصود في بداية حديثه خلال الندوة التي نظمها نادي دبي للصحافة بعنوان إلى أين بعد حرب العراق «تمتلك الشعوب العربية طاقات وحيوية هائلة، إلا أن هذه الحيوية بحاجة إلى إطار ومرجعية واضحة تحدد مساراتها وتوجه تحركاتها، ولعل أهم ما نحن بحاجة إليه الآن هو نوع من لملمة الجراح وتجاوز بعض المبادئ والأفكار التي تصورنا أنها مقياس الوطنية والالتزام، حيث بررنا لحركات التحرر العربية في مراحل عديدة تقييدها لحرية المواطنين، وتغاضينا عن الكثير من التجاوزات التي ارتكبتها الأنظمة بحجة الحفاظ على الاستقرار».
وأضاف «إن التجارب المريرة التي نمر بها اليوم تشير إلى حاجتنا الملحة لنقد الذات، شرط أن لا يكون هذا النقد هدماً للذات، بل يجب أن يكون نقد الذات السلاح الأمضى للحيلولة دون هدم الذات. إن المآسي التي نمر بها اليوم هي نتيجة طبيعية لعدم لجوئنا إلى المساءلة، وعدم تمسك حكوماتنا بالشفافية وعدم قيام مؤسسات المجتمع الأهلي بمحاسبة الحكومات، مما أدى إلى تراكم النواقص، التي لجأ المتربصون بنا إلى استغلالها للانقضاض على وحدتنا ومصالحنا وقدراتنا».
وأوضح الدكتور مقصود بقوله «لا بد لنا في هذه اللحظة أن ندرك أننا لا نستطيع أن نتعامل مع تداعيات الحرب على العراق مثلما تعاطينا مع المشروع الصهيوني، حيث لن يتحمل الضمير العربي والفكر العربي أن يتم اقتطاع العراق من الكيان القومي للأمة العربية كما تم اقتطاع فلسطين عامي 48 و67. يجدر بنا أن لا نستسلم لديمومة الوضع الحالي باسم الواقعية المزيفة، علينا أن نبدأ بمراجعة جذرية لتصرفاتنا وأهدافنا، وأن ندرك ان التشنج في الحق يضعفه، كما ان الميوعة في التعامل مع قضايانا الهامة تحت ستار المرونة تؤدي إلى ضياع الحق. ومن هنا قد نضطر إلى اتخاذ إجراءات ابتدائية للملمة الوضع على المدى القريب قبل القيام بوضع السياسات والاستراتيجيات على المدى المتوسط والبعيد».
وأشار مقصود إلى الكثير من الأخطاء التي وقع فيها العرب، حيث بات الإعلان عن الأهداف هو نهاية المطاف، واستشهد على ذلك بقرارات قمة بيروت، حيث اتخذت مجموعة من القرارت التاريخية لتسوية الأوضاع، وكانت هذه القرارات متناسبة مع ظروف المنطقة وموازين القوى، ولكن ما حصل هو ان أصبح الإعلان عن القرار بديلاً عن تفعيل هذا القرار.
وتساءل الدكتور مقصود لماذا يتدخل الأجنبي في قضايانا؟ إلى متى تبقى أفكارنا وتجاربنا مستباحة؟ وكيف ننجح بالتوفيق بين ما نشعر به من انفراج نسبي نتيجة زوال نظام ديكتاتوري قمعي والاحساس بالعيب الكبير الناتج عن الحقيقة المؤلمة المتمثلة في أن هذا التغيير لم يتم من خلال عملية نهضوية داخلية بل جاء على يد قوى خارجية.
وفي هذا السياق قال مقصود: «علينا أن نلتزم بما يمكن ان يسمى صبر العارف، أي الصبر الناتج عن معرفة حقيقية وتحليل دقيق للأوضاع الراهنة وحساب لموازين القوى، علينا أن نعمل تدريجياً وعلى مراحل للوصول إلى نتائج ايجابية بحيث نقلص أسباب المعاناة، على أن لا يتحول الصبر إلى استكانة».
وأضاف: «إن الوجود البريطاني الامريكي في العراق هو احتلال سافر، أدى إلى فقدان السيادة على الأرض والممتلكات والإمكانيات الاقتصادية والسياسية والبنيوية للعراق، وإذا بقي هذا الاحتلال دون تحد قانوني وسياسي وإعلامي، فإن هذا سيزرع بذور انسلاخ العراق عن الكيان العربي، وقد بدأنا بالفعل نجد بعض تجليات هذا الانسلاخ، حيث تسعى تركيا إلى كبح جماح الأكراد في شمال العراق للانسلاخ عن العراق، لا حرصاً على سلامة أراضيه بل تخوفاً من أن يثير تأسيس دولة كردية في العراق مطامع 12 مليون تركي من أصول كردية لإقامة دولة مستقلة. كما تعمل إيران في الجنوب كقوة دفع وتحريض لافتعال حالة من الانفصام لدى العراقيين، يتم من خلالها تحديد الولاء للوطن على أساس ديني مذهبي، هذه الحالة التي لم يعان منها العراقيون حتى في أحلك الظروف».
وطرح الدكتور مقصود سؤالاً جوهرياً أين العرب من العراق اليوم؟ أين البعد العربي للعراق كونه دولة مؤسسة للجامعة العربية، وبعده الديني كونه موطناً لأهم المراجع الدينية في النجف وكربلاء، وبعده الثقافي كونه البلد الذي يمتلك طاقات ثقافية وفكرية كبيرة من أدباء وشعراء ومثقفين. ما هذا الغياب لمن هم أولى بالحضور على الساحة العراقية؟ وهل بات العجز حالة مستديمة عند الأمة العربية؟.
وقال: «لا بد لنا من تحقيق التوازن بين المشاعر والتخطيط السليم، فإذا انفلتت المشاعر لا أحد يستطيع أن يضمن النتائج، علينا أن نقوم باستنفار حكام العرب وأن نتجاوز الكثير من محدودية ولاءاتنا القطرية والمذهبية، لنتمكن من ردع التمادي الامريكي في إملاء رغباته على العالم، وإذا نجحنا في هذا سنتمكن من تحقيق خطوات ناجحة أخرى على الصعيد الفلسطيني».
وفي إطار تعليقه على دور الجامعة العربية قال مقصود «من واجبنا جميعاً ان نساهم في تفعيل دور الجامعة العربية، حيث انها تشكل في الأوضاع الراهنة الإطار الوحيد الذي يربط العرب، ولعل أول امتحان للجامعة هو ان تبادر إلى إرسال وفد عربي يتضمن السياسيين وفعاليات المجتمع الأهلي إضافة إلى نخبة من الحكماء العرب الذين أثبتوا مقدرة كبيرة وتميزوا على صعيد العمل العربي، للمطالبة بتعديلات جوهرية في التعاطي مع الملف العراقي». مشيراً إلى أنه إذا لم تنجح هذه المبادرة قد تتكرر مأساة فلسطين مرة أخرى، وسنفقد العراق كما فقدنا لواء اسكندرون وفلسطين من قبل.
وفي إشارة منه إلى عمليات المقاومة أوضح قائلاً: «لا نريد ان تتميز مقاومتنا بالعبث واليأس، بل نريدها عمليات تؤدي إلى تقليص الخسائر، وإعادة الجدوى لإمكانياتنا وقدراتنا، ولا بد أن تتسلح المقاومة بالسلاح الديبلوماسي المرتكز على فهم حقيقي للأوضاع الراهنة وحساب دقيق لموازين القوى».
وفي نهاية الندوة أشار مقصود إلى أنه على الرغم من الحاجة للمشاريع النهضوية للأمة العربية، لكنها تبقى حبراً على ورق إذا لم نقم بردم الهوة التي تفصلنا عن بعضنا والاستفادة من التعاطف الدولي مع قضيتنا، حيث عبر ملايين الأوربيين عن رفضهم للحرب على العراق وتداعياتها الراهنة.
وختم الدكتور مقصود بالقول: «علينا مسؤولية تجاه التاريخ والمستقبل وإذا لم نتحمل هذه المسؤولية فالسلام عليكم».
|