* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي البلهاسي:
محاولة الانقلاب التي شهدتها موريتانيا فجر الاحد الماضي لم تكن الاولى من نوعها التي تشهدها البلاد فقد تعرضت موريتانيا للعديد من محاولات الانقلاب والازمات والمشاكل منذ استقلالها عام 1960 عن فرنسا وهو ما اثار العديد من التساؤلات حول الاسباب والدوافع وراء هذه المحاولات والمشاكل والازمات الداخلية التي تعاني منها موريتانيا والتي ادت بدورها الى حدوث الانقلاب الاخير.
تعدد الانقلابات
ولعل اطول الفترات التي شهدت فيها موريتانيا الاستقرار كانت في عهد المختار ولد داداه الذي تولى الحكم بعد الاستقلال مباشرة وتميزت فترة حكمه بالاستقرار السياسي والنماء الاقتصادي وتوالت بعد فترة حكمه الانقلابات العسكرية ففي يوليو 1978 قاد العقيد مصطفى ولد السالك انقلابا عسكريا تولى بموجبه الحكم لمدة لم تتجاوز السنة ليستقيل بعدها ويخلفه العقيد محمد ولد لولى الذي اعتزل بدوره تاركا منصب رئيس الدولة لوزيره الاول المعروف بتوجهه الاسلامي محمد خونه ولد هيداله والذي عرفت فترة حكمه الكثير من الازمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية كانت كافية ليقود الجيش انقلابا تحت اسم حركة الخلاص الوطني بزعامة رئيس اركان الجيش معاوية ولد سيد احمد الطايع في 12 ديسمبر 1984 ليتولى الطايع رئاسة البلاد بعد هذا الانقلاب حتى الان.
وفي عهد الطايع شهدت البلاد عدة محاولات انقلابية اكتشف عدد منها قبل حدوثها وتعتبر محاولة الانقلاب الاخيرة هى أخطر تهديد يواجه حكومة الرئيس الموريتاني الطايع منذ توليه السلطة في انقلاب 1984 بعد ان نجح في اخماد حركات انقلاب من قبل في سنوات 1981 و 1987 ومحاولة اخرى في عام 2001 هي الاهم في محاولات الانقلاب.
وعقب اعتماد التعددية في موريتانيا انتخب ولد الطايع رئيسا للبلاد عام 1992 واعيد انتخابه لفترة رئاسية ثانية عام 1997 وكان من المقرر اجراء انتخابات رئاسية جديدة في السابع من نوفمبر المقبل بعد ان اعلن الحزب الجمهوري الديمقراطي الاجتماعي الحاكم الذي يرأسه ولد الطايع ترشيح الرئيس لفترة رئاسية جديدة وعرف عن الطايع انه كان يحكم البلاد بقبضة من حديد على رغم معارضة الرأي العام والطبقة السياسية وان حكمه اتسم بالشدة والتضييق على المعارضة.
أسباب الانقلاب
وفيما لازالت دوافع الانقلاب مجهولة ذهبت آراء المحللين والمراقبين الى ثلاثة اسباب رئيسية ربما كانت وراء محاولة الانقلاب اولها الاحتقان السياسي الداخلي بسبب سوء الاحوال الاقتصادية والاجتماعية وثانيها العلاقات الموريتانية الاسرائيلية وثالثها الاعتقالات الاخيرة التي تمت في صفوف رموز التيارين القومي والاسلامي.
ويقول المحللون ان محاولة الانقلاب جاءت في وقت تشهد فيه موريتانيا حالة من الاحتقان السياسي بعد ان تفجرت حالة من التوتر في البلاد في اعقاب الحرب التي شنتها الولايات المتحدة الامريكية على العراق بعد حملة صارمة شنتها الحكومة الموريتانية على من يشتبه بأنهم اسلاميون وساسة من المؤيدين للرئيس العراقي السابق صدام حسين ومؤيدي حكم حزب البعث السابق في العراق وكانت الاتهامات قد وجهت لاثنين وثلاثين من الزعماء الاسلاميين في وقت سابق من هذا الشهر بتهديد الامن القومي وقالت مصادر الشرطة ان المتهمين يشتبه ان لهم صلات بشبكة اجنبية من المتطوعين الاسلاميين وفيما لم تشر الاتهامات الى هذا الامر اشار مراقبون الى ان الاشتباه في علاقة الزعماء الاسلاميين بنظام صدام حسين السابق او تنظيم القاعدة كان السبب في حملة الحكومة الموريتانية ضدهم.
وذكرت مصادر ان ضباطا سامين في الجيش الموريتاني هم الذين قاموا بالانقلاب على الرئيس ولد الطايع وان العقيد صالح ولد حنانه الذي اقيل مع اربعة من زملائه من صفوف الجيش سنة 2001 هو الذي كان يقود الانقلاب وهم من ذوي الميول البعثية وكان الطايع قد حاول القضاء على التيار البعثي منذ وصوله الى السلطة بعد ان تأكد ان الكثير من ضباط الجيش النافذين ينتمون الى هذا التيار ومن ابرز اقطاب التيار البعثي في موريتانيا حزب الطليعة الذي تأسس سنة 1990 وقد حلته الحكومة بعد 9 سنوات بتهمة التآمر واقامة علاقات مع جهات اجنبية مثل العراق وكان من نتائج حل هذا الحزب طرد السفير العراقي من نوا كشوط وحاول قادة التيار القومي انشاء حزب جديد عام 2002 اطلقوا عليه حزب النهوض لكنه لم يحصل على الاعتماد القانوني اما التيار الاسلامي فكان منضويا ضمن ما يطلق عليه تكتل القوى الديمقراطية وهو يضم ثلاثة تيارات اساسية هي السلفية والاخوان المسلمون والدعوة والتبليغ.
العلاقات مع إسرائيل
من ناحية أخرى يشير المراقبون الى ان موريتانيا تشهد توترات عنيفة منذ اقامة حكومة ولد الطايع علاقات دبلوماسية مع اسرائيل عام 1999 حيث انتشرت حالة الاستياء العامة في البلاد بسبب علاقات الرئيس الطايع الطويلة مع اسرائيل واتجهت موريتانيا ثالث دولة عربية تقيم علاقات دبلوماسية كاملة مع اسرائيل في عام 1999 واتجهت موريتانيا الى اقامة علاقات مع اسرائيل بعد ان شهدت بعض الازمات والمشاكل التي عملت على توتر علاقاتها مع عدة دول اخرى اذ بحكم موقعها وبعد انسحاب اسبانيا من الصحراء الغربية دخلت موريتانيا في حرب مع جبهة البوليساريو من عام 1975 الى 1987 كما وقعت الازمة الموريتانية - السنغالية عام 1989 وتوترت بسببها علاقات موريتانيا مع شريكيها الاستراتيجيين فرنسا والمغرب بسبب دعمها للموقف السنغالي كما تدهورت العلاقات الموريتانية - الفرنسية بعد اتهامات بعض المنظمات الدولية لموريتانيا بممارسة الرق وانتهاكات حقوق الانسان.
ودفع هذا العامل بالاضافة الى عوامل أخرى بحكومة موريتانيا الى تطبيع علاقاتها مع اسرائيل عام 1999 رغبة منها في استرضاء الطرف الامريكي وكسب تحالفه وتسبب هذا التطبيع في قطع العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا مع ليبيا والعراق بعد ما كانت موريتانيا المساند الاول للعراق في حرب الخليج عام 1991 والمعروف ان اسرائيل تساعد موريتانيا في مجال الزراعة وتقوم بتنفيذ مشروعات داخلها كما تشير بعض المصادر الى ان الاسرائيليين يقدمون مساعدات مباشرة لجهاز الامن الموريتاني.
أزمات اقتصادية واجتماعية
وبعيدا عن الاحتقان السياسي تشير تحليلات المراقبين الى الازمة الاقتصادية والاجتماعية التي تشهدها موريتانيا ويرجع بعضهم محاولة الانقلاب الى حالة احتقان اقتصادي يعاني منها المجتمع الموريتاني وخاصة المؤسسة العسكرية ويرجحون ان يكون ما حدث هو عبارة عن انتفاضة قام بها الجيش الموريتاني ويقول المراقبون ان تأزم الوضع الاجتماعي ايضا يمكن ان يكون من اسباب القيام بمحاولة الانقلاب اذ لا يزال الوضع الاجتماعي في موريتانيا يحتوي على عدة ملفات عالقة تثير القلق مثل العبودية والرق وملف حقوق الانسان ويشير المراقبون في هذا الصدد الى معاناة موريتانيا منذ فترة طويلة من الانقسامات العرقية حيث ينقسم سكانها البالغ عددهم اقل من ثلاثة ملايين نسمة ما بين 30% من السود والباقي اما عرب او من اصول مختلطة حيث تتكون موريتانيا بشريا من عنصرين العنصر العربي والعنصر الزنجي الافريقي وتنتمي قبائلها العربية الى عرب بني حسان الذين يشكلون النسبة الغالبة من السكان وهم من قبائل معقل التي زحفت مع الهلاليين وبني سليم بأمر الخليفة الفاطمي في مصر في حين توجد هناك فروع اخرى ذات اصول امازيغية وتعاني هذه الجماعات من شدة الحكم والسلطة وتشكو جماعات حقوق الانسان من الاساليب العنيفة التي تلجأ اليها الحكومة الموريتانية فى التعامل مع هذه الجماعات.
|