«مدّ يده وصفعني على خدي...
بعدها، تساقطت سنون كثيرة من مشوار عمري وتواكبت أحداث جمة نسيت أغلبها، وأبداً لم يغادر ذاكرتي كل هذه السنين امتداد يده الغليظة وارتطامها على خدي... لقد كان امتداد يده ظلماً وصفعته ألماً ما زلت أشعر بهما حتى الآن..» ص17
صفعة - ربما - على وجه «إبراهيم النملة».. أفرزت لنا تفاصيل صمت استمر لسنوات..
كان طفلاً في مراحله الدراسية الأولى.. ضحك من جلس خلفه، فلم تر يد المعلم سوى خد إبراهيم لتصفعه، ودوّت صرخة ظلم عاشت معه زمناً طويلاً، لكنها عادت من جديد، بعد أن دار دولاب الزمان بالتقاء المعلم الظالم، والطفل/ الطالب المظلوم..
نسي المعلم طالبه، حيث للسن أحكام، وكونه كثيراً ما يصادف من هم في سن إبراهيم يقولون إنهم طلابه..
بيد أن يده الغليظة «الآن» وأثناء حديثه، تربت على كتف إبراهيم فلم يفصح عن الصفعة الظالمة التي عاشت معه لسنوات...
«إبراهيم محمد النملة» وقصته «الصرخة الباقية» بمجموعته القصصية «سيرة عمر أجهضه الصمت» يطلق لأربع مفردات حرية التنقل بين قصص المجموعة، حيث الألم، والموت، والهجرة، والجوع، والسفر المتواصل، والظلم، ويؤكد أن للصمت تفاصيل موجعة، ربما تركت لها أثر صفعة على وجه الزمن..
مفردات عدة ذات مدلولات واقعية تضاجع قصص المجموعة منها:
«تفاصيل، الصمت، الصفع، الوجه، الصرخة» وجميعها ترتبط ببعضها بعقد لا ينحل.
«سيرة عمر أجهضه الصمت»، ليست ببعيدة عن عالم مجموعته السابقة «تفاصيل» ولم أحظ بمجموعته الأولى «دمعة الرداء» لأقرر ما إذا كانت ستشكل ثلاثية يحق أن نطلق عليها «تفاصيل دمعة الصمت».
«رميت جسدي على الفراش، واحتضنت مخدتي وبكيت بكاءً عنيفاً.. بكيت الظلم والضعف ونفسي ورحيل وجه أبي».
هكذا هو في تفاصيل.. يصور لنا الظلم والرحيل وهو يفجر شحنة البكاء ليحيلها براكين مدمرة، بيد أن صاحبها يفضل أن تثور في ساعة خلوة مع نفسه.. في داره.. وفي ركن منزوٍ في غرفته..
يقف البعض ضد شحنات الألم، والوجع، والظلم. ويغالبون البكاء المرير.. ولكنهم إذا أدركوا بأن تلك الشحنات تقدم لنا جناناً وثماراً يانعة كسيرة عمر أجهضه الصمت، وتفاصيل.. أو لو أنهم أدركوا ذلك لأيقنوا ضرورة الرضا والتسليم بجوّ شحن بأوجاع لا ترحم، بل تفرز الإبداع بفنون شتى.
|