هل يمكن في ظل الاسرة تطبيق نظام يتمشى ومساعدة الطفل على صياغة نفسه لمجابهة المستقبل، أم أن تطبيق نظام من هذا القبيل يستحيل؟.. فالطفل، كما هو معروف، يكره الانظمة عامة بطبيعته، ويعترض عليها، ويسعى الى تجنبها والاتيان بنقيضها كلما واتته الفرصة، وكثيرا ما تواتيه.. واذا عوقب باستمرار، فان العقاب لا يعود يؤثر فيه، ويصبح مع الايام أمرا رتيبا لا يخشاه.وهكذا تصبح النتيجة المتوخاة نتيجة عكسية، وتستنفد عملية التربية والتأديب طرفها، دونما داع ولا أثر!.
وفي الحياة الاجتماعية توجد أسر كثيرة تتخوف من فرض أي نظام على الطفل، وبدلا من ذلك تتقبل كل أحكامه تذعن لكل ما يأمر به وينهى دون أن تصدر منها، مرة واحدة كلمة «لا».. ويستغل الطفل بذكائه هذا الوضع ويتمادى في متطلباته ومسايرة هواه، فتأتى النتيجة عكسية بفقدان التربية لطرفيها ايضا.
ومع ذلك كثيرا ما نسمع بعض الامهات في سباق الحديث عن أبناء الاخرين:«من الممكن أن يكون هذا الطفل عبقريا أو ناجحا لو أتاه الحظ في أن يولد في أسرته».
ونسمع أحدهن تجيب:«ان تربية أمه له تربية مائعة. انا شخصيا لن أوقع في الخطأ الذي وقعت فيه، وستكون تربية أطفالي قدوة في النظام والطاعة».
ولا شك في أن الاقوال هي غير الافعال.. ودائما نرى البعيد عن الميدان يرى ويسمع أكثر من غيره لتفرغه لعملية واحدة، هي عملية المشاهدة.. اما اذا انتقل من المشاهدة الى التطبيق، التبس عليه الامر ووقع في قضية مجابهة المشكلة والبحث عن الحل لها.
دعونا نلقى على من كان بصدد قضية التربية من الوالدين، بوصفها طرفا أو يشكل جانب التطبيق للطرف الثاني في العملية وهو الطفل.. فعلى الاسرة مراعاة عاملين اثنين أثناء قيامها بعملية التربية: الاول سن الوالدين ونضج عقليهما بالنسبة الى الطفل.
والثاني دراسة نمو الطفل وما تكشف عنه من حقائق ملحوظة بالنسبة الى النواحي الجسمية والعاطفية والنفسية ونموها بنموه.
فدرجة التفاعل بين العاملين هي التي تحدد في النهاية القالب التربوي ومدى نجاحه أو فشله، أو بالاحرى اذا ما كان هناك تربية عادلة أو أخرى مشكوك فيها.
وقد ذهب الباحثون الى أن سوء التقدير في تربية الطفل الدارج تسبب له الكثير من المشاكل.. بل إن بعض الاضطرابات الجسمية عند الاطفال ناجمة عن مصاعب عاطفية سببها سوء تقدير الوالدين.
وظهرت أيضا فكرة اخرى سببت الدهشة لبعض المتعصبين تقول ان كل فرد يحق له أن يكون سعيدا.. وعليه يرى الكثير من الافراد ان من الافضل تربية الطفل على أن يكون سعيدا من أن يكون ناجحاً أو ذا عقلية علمية اكاديمية عقيمة.
وبينما يجب النظر إلى كل هذه الافكار بعين الاعتبار بوصفها خطوات في المحيط الاجتماعي، فاننا نجد معظم الآباء قد يعتريهم الخوف عندما يقرءون شيئا ما عن الطريقة التي ينبغي أن تتبع في معاملة الطفل، وسرعان ما نجدهم يعقدون مقارنات بين ما يقرءون وما يتبعون.
وقد يسبب لهم هذا ازعاجا يؤدي بهم إلى الحيرة والتخبط ازاء المسلك التربوي.
في الامكان جعل عملية التربية سهلة هينة اذا بادرت الام وجعلت طبيعة الموقف تملى عليها الحل المناسب ازاء طفلها.. فقد تجابه الام أحيانا اصرارا على أمر ما من قبل طفلها، فيحدوها الموقف على مجابهة هذا الاصرار بالحزم كنوعية الاصرار التي يريدها الطفل لنفسه، خصوصا اذا أراد أن يسلك سلوكا شاذا، فهنا لا مبرر لتخوف الام في صده عن غيه واتخاذ موقف مضاد، وسيدرك الطفل ان عاجلا أو آجلا موقف امه هذا نظرا إلى حاجته الى الامان الذي لا يتوفر له إلا في كنفها، والامان الحتمي يكمن ضمن الحدود الواقعية.
فاذا حاول الطفل تغيير هذه الحدود احيانا- وجب عليك ارجاعه عن غايته وألا تتركي له الحبل على الغارب، وإلا تمرد عليك وتمادى في طلباته دون هوادة، وعليه، فإذا تحقق بنظامك صالح الطفل، اعلمي انه نظام ناجح وليس مجرد نظام يشبع رغبتك في امتلاك ناصية الربط والحل.. استخدمي كلمة «لا» عالية صريحة، ولا تخشي شيئا.. فان حبك لطفلك يملي عليه كثيرا ان تعصميه عن الخطأ شريطة ان تكون «لا» في موضعها ولا تُقال جزافا.
|