Wednesday 11th june,2003 11213العدد الاربعاء 11 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ابن تيمية في منظور العلماء والمفكرين ابن تيمية في منظور العلماء والمفكرين
د/ حمد بن محمد الفريان

مما لا شك فيه أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله كان أحد الأعلام المجتهدين وكان لمنهجه قواعد، ولفكره منطلقات، ولرأيه وضوح، ولدعوته ركائز، وقد محص الأمور، وفهم الحقائق، وأزال أسباب الريب والشكوك والتمويه بعيداً عن أغلال الشهوات ومفاسد الأهواء والشبهات، وقد أبان فيما أصله من قواعد وساقه من أدلة وشواهد، أن هذه الشريعة صالحة لكل زمان ومكان، وقد أوضح ما في الإسلام من منابع قوة، ومكامن عظمة، وشمول تام لجوانب الحياة المختلفة. يقول عنه الحافظ عمر بن علي البزار: «أما غزارة علومه فمنها معرفته بعلوم القرآن المجيد واستنباطه لدقائقه ونقله لأقوال العلماء في تفسيره واستشهاده بدلائله، وما أودعه الله فيه من عجائب وفنون حكمه وغرائب نوادره وباهر فصاحته، فإنه فيه من الغاية التي ينتهي إليها والنهاية التي يعول عليها» إلى أن قال: «أما معرفته وبصره بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإنه كان من أضبط الناس لذلك واعرفهم فيه واسرعهم استحضاراً لما يريده منه».
ويضيف قائلاً: «وأما ما وهبه الله تعالى ومنحه إياه من استنباط المعاني من الألفاظ النبوية والأخبار المروية، وابراز الدلائل منها على المسائل، وتبيين مفهوم اللفظ ومنطوقه، وإيضاح المخصص للعام، والمقيد للمطلق، والناسخ للمنسوخ، وتبيين ضوابطها ولوازمها، وملزوماتها، وما يترتب عليها، وما يحتاج فيه إليها فإنه في ذلك من الجبال التي لا ترتقي ذروتها، ولا ينال سنامها».
ويقول البزار أيضاً: «شيخ الإسلام ابن تيمية قد منحه الله البصائر الرحمانية، والدلائل النقليه والتوضيحات العقلية» انظر كتاب الأعلام العلية في مناقب ابن تيمية للبزار ص 15 وما بعدها.
ويقول عنه أبو الفداء الحافظ بن كثير: «وكان ابن تيمية ذكياً كثير الحفظ فصار إماماً في التفسير وما يتعلق به، عارفاً بالفقه، عالماً باختلاف العلماء، عالماً في الأصول والفروع والنحو واللغة وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية.. وأما الحديث فكان حامل رايته حافظاًَ له مميزاً بين صحيحه وسقيمه عارفاً برجاله، متضلعاً في ذلك» الخ ما ذكره عن هذا الامام. وممن أثنى عليه من علماء عصره القاضي الخويي وابن دقيق العيد وابن النحاس والقاضي الحنفي قاضي قضاة مصر ابن الحريري وابن الزملكاني وغيرهم قال ابن الزملكاني عن ابن تيمية: «كان إذا سئل عن فن من العلم ظن الرائي والسامع انه لا يعرف غير ذلك الفن وحكم أن أحداً لا يعرف مثله» وقال عنه ايضا: «وقد ألان الله له العلوم كما ألان الحديد لداود» انظر المختصر في أخبار البشر لابن الوردي: (2/406).
وقال عنه شمس الدين ابن قيم الجوزية: «شيخ الإسلام والمسلمين القائم ببنيان الحق ونصرة الدين.. أحيا الله به من السنة ما كان دارساً، فتح به من العلوم مقفلها وأزاح به عن النفوس عللها فقمع به زيع الزائفين، وشك الشاكين وانتحال المبطلين وصدقت به بشارة رسول رب العالمين بقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها».
وبقوله: «يحمل هذا العلم من كل خلف عدوله، ينفون عنه تحريف الغالين وانتحال المبطلين».
وقال عن ابن تيمية الحافظ الذهبي: «شيخ الإسلام مفتي الفرق قدوة الأمة، اعجوبة الزمان، بحر العلوم، حبر القرآن». انتهى ملخصاً ومختصراً.
هذا هو ابن تيمية في نظر معاصريه وأما منزلته ومكانته في نظر المتأخرين من العلماء والباحثين فهي لا تقل بحال من الأحوال عنها في نظر معاصريه. يقول الشيخ محمد أبو زهرة رحمه الله في معرض تعريفه بابن تيمية: «وقد امتاز ابن تيمية منذ نعومة أظفاره بثلاث صفات هي التي سارت به نحو الكمال ونحو العلم الناضج وهذه الصفات هي:
1 الجد والاجتهاد والمثابرة والانصراف إلى المجدي من العلوم فكان لا يلهو لهو الصبيان ولا يعبث عبثهم.
2 تيقظ حسه وتفتح عقله ونفسه لكل ما حوله يدركه ويعيه وقد ربى ذلك فيه تتابع الأحداث القارعة للحس مع عقل نافذ أريب.
3 الذاكرة الحادة والفكر المستقيم.. والذاكرة هي المقياس الأول للذكاء قوة وضعفاً، إلى أن قال: «فقد كان ابن تيمية مع قوة حافظته وتعمقه في الدراسة حاضر البديهة تخرج المعاني من مكانها سريعة كالجندي السريع يجيب أول نداء وكان ذلك بيناً في دروسه»، إلى أن قال: «وقد كان عظيماً في ذات نفسه، اجتمعت له صفات لم تجتمع لأحد من أهل عصره، فهو الذكي الألمعي،وهو الكاتب العبقري، وهو الخطيب المصقع، وهو الباحث المنقب، وهو العالم المطلع الذي درس أقوال السابقين، وقد انضجها الزمان، وصقلتها التجارب، ومحصتها الاختبارات فنفذت بصيرته إلى لبها وتغلغل في أعماقها، وتعرف أسرارها، وفحص الروايات ووازن بين الآراء المختلفة وطبقها على الزمان، مع إدراك للقوانين الجامعة وربط للجزئيات، وجمع للأشتات المترفة، ووضعها في قرن واحد».
انظر أسبوع الفقه الإسلامي ومهرجان ابن تيمية» ص: 680، 692، 693، 831 وكتاب «ابن تيمية» لأبي زهرة ص 5 وما بعدها.
ويقول المستشرق «هنري لا وست» عن ابن تيمية:«العالم الكبير تقي الدين أحمد بن تيمية الذي لم يزل أثر أفكاره وآرائه حياً عبر الأجيال حتى أيامنا هذه» ويقول عنه أيضاً: «إن نشأة أحمد بن تيمية هي في جوهرها نشأة رجل حنبلي قبل كل شيء ومعرفته الفائقة بمذهبه كانت مثار الاعجاب، والاعتراف من قبل اتباعه وخصومه على السواء، ويمكن القول بدون شطط إن جميع مؤلفات الإمام أحمد بن حنبل كانت مألوفة له تماماً، وأما إحاطته مثلا بمسائل الإمام أحمد فهي منقطعة النظير» ويقول في موضع آخر «ابن تيمية عالم متفتح الذهن يمقت الانزواء والانطوائية ويحبذ المساهمة الفعالة في الأعمال النافعة والمفيدة للأمة»، ويقول عنه أيضاً: «كان أي ابن تيمية مثار الاعجاب في معرفته الواسعة الدقيقة بالمذاهب الفقهية الإسلامية سواء في مجال الأصول أو مجال الفروع» إلى أن قال: «ولم يقف ابن تيمية من حيث هو مجتهد مطلق عند حدود معرفته التامة للتفسير وعلوم الحديث رواية ودراية بل جال بفكره الثاقب حول جميع المسائل التي أثارها الفقهاء، وكان له اهتمام عميق بمعرفة فتاوى الصحابة والتابعين.
وقد قال في خاتمة رسالته عن القياس في الشرع الإسلامي إنه أمعن النظر في فتاوى السلف فوجدها تجمع بين صحيح النقل وصريح العقل»، ويقول عنه ايضا: «إن ابن تيمية كان على اطلاع شخصي مباشر لأعظم الآثار الفقهية مثل كتب أصحاب أبي حنيفة الأولين، و«المدونة الكبرى» في الفقه المالكي. وكتاب «الأم» و«الرسالة» الشهيرة للامام الشافعي ودرس باهتمام الظروف التي نشأ فيها أئمة المذاهب الفقهية» إلى أن قال: «حقاً لا شيء أكثر إفادة للنفس واستنارة للفكر من تتبع آراء ابن تيمية».
وقال هنري لا وست ايضا عن ابن تيمية : «هكذا ظهرت معالم ابن تيمية الإصلاحية وسطاً بين علوم السلف والخلف وبين المحافظة على القديم والمشي نحو التجدد والتقدم».
ويقول محمد بن المبارك عن ابن تيمية: «هو في رأينا من الأفذاذ النوادر من مفكري الإسلام وعلمائه الذين استطاعوا أن يتحرروا من تأثير عصورهم والعصور التي سبقت تحرراً واعياً وأن يدعو ايضا إلى هذا التحرر الواعي للعودة إلى نبع الإسلام الأصيل الذي حفظه ونقله ووعاه الجيل العربي الأول من الصحابة والتابعين. ولقد أوتي كل الصفات التي تؤهله لمرتبة الاجتهاد ورزق الأداة التي تمكنه من ذلك».
وقال عدنان الخطيب عن ابن تيمية: «ان الله سبحانه وتعالي قيض لشريعته رجالاً يحفظونها خالصة صافية، ويدفعون عنها من أراد سوءاً بها، ومن هؤلاء الرجال أحمد تقي الدين ابن تيمية أحد عباقرة الفقه الإسلامي الذين حباهم الله عقلاً جباراً وتفكيراً عميقاً استطاع معهما وهو ينهل من منبع الحق والعدل كتاب الله وسنة رسوله الأعظم أن يغوص فيهما على المعاني، فإذا هي بين يديه لآلىء تسطع نوراً تبدو الشريعة في ضوئها صافية في جوهرها، سامية في تعاليمها، واضحة في مقاصدها تربط الناس بعضهم ببعض بقواعد تستهدف القسط بينهم ودفع الشر عنهم وجلب المنافع لهم».
نكتفي بهذا القدر من شهادات العلماء والباحثين والمفكرين من السابقين ومن المعاصرين ونقول لمن أراد أن يكتب عن عالم من علماء المسلمين أن يتثبت ويحاسب نفسه عن كل كلمة يقولها أو جملة يكتبها {وّلا تّقًفٍ مّا لّيًسّ لّكّ بٌهٌ عٌلًمِ إنَّ السَّمًعّ وّالًبّصّرّ وّالًفٍؤّادّ كٍلٍَ أٍوًلّئٌكّ كّانّ عّنًهٍ مّسًئٍولاْ (36)} [الإسراء: 36].

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved