Wednesday 11th june,2003 11213العدد الاربعاء 11 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

خلال كلمته التي ألقاها أمام لجنة تأليف المناهج خلال كلمته التي ألقاها أمام لجنة تأليف المناهج
د. الرشيد : ليس من أهداف المرحلة الثانوية تخريج متخصصين في العلوم الإسلامية

* الرياض - صالح العيد:
أوضح معالي وزير التربية والتعليم الدكتور محمد بن احمد الرشيد في كلمة للجان التأليف ان الهدف الرئيسي من التعليم العام هو الاسهام - مع وسائل التربية ووسائط التأثير الاخرى - في اعداد الإنسان الصالح والمواطن الصالح.
وأضاف فأما الإنسان الصالح فهو الإنسان المؤمن بربه، المطيع له، المؤدي لما كلفه به، المجتنب لما نهاه عنه، المدرك للمعاني الكبيرة لاستخلاف الله للإنسان في الأرض، المستشعر لعظمة رسالة الإسلام، المتشرف بمسؤولية الدعوة إليه والدفاع عنه.
وأما المواطن الصالح فهو الذي يعرف حق أولي الأمر عليه، وحق وطنه عليه، ويعتز بالانتماء إليه، ويدرك أن هذا الوطن بقدر ما يسعه يسع إخوانه فيه، وأن لهؤلاء حقوقاً، أقواها حق القرابة القريبة وحق أولي الأرحام، ثم هي تتدرج حتى تصل إلى حقوق ضيوف الوطن من المستأمنين والذميين، وبين أعلى درجاتها وأدناها درجات متعددة للجيران والزملاء والأصدقاء وغيرهم من الناس جميعاً.
وقال أن المواطن الصالح يعرف أن الناس لا يصلحون فوضى، ولذلك فلابد من نظام يجمعهم، ورابط يوحد جهودهم لخدمة الوطن، وأن هذا النظام وتلك الرابطة لها حق الطاعة في المعروف، والنصح عند الحاجة، وان آخر أمرها لا يصلح إلا بما صلح به أولها: طاعة الله ورسوله، ويدرك هذا المواطن تمام الإدراك أنه مطالب بالإسهام في إنماء وطنه وتطويره، وأنه يجب عليه الذود عنه في وجه عدوه والخارجين على نظامه.
واضاف د. الرشيد: وإذا اتفقنا على هذا الهدف الرئيسي: الإسهام في إعداد الإنسان الصالح والمواطن الصالح، فإن الأهداف الفرعية والتكميلية والتبعية، والموضوعية، والإجرائية، يقدر على صياغتها وترتيبها بترتيب سنوات تنفيذ المنهج المتخصصون في هذا الشأن وهم بحمد الله كثيرون في بلادنا وخبرتهم لا تقل عن خبرة نظرائهم في أي مكان آخر، ومعرفتهم بأوضاع مجتمعنا وماضيه وحاضره تعينهم أكبر العون في اداء مهمتهم على خير وجه.
وفيما يخص التربية الإسلامية نبه معاليه إلى ملاحظة عدة أمور اهمها:
- القدر الذي يخصص من وقت الدروس في مختلف سنوات الدراسة للعلوم الدينية لا يجوز المساس به، واذا اقتضت الضرورة او تطلب حسن السياسة التربوية إعادة توزيعه على السنوات فإن ذلك لا يعني إنقاصه بحال من الاحوال.
كذلك فالموضوعات التي تجري دراستها في كل سنة من سنوات الدراسة النظامية يجب أن تتواءم مع التكليف المطلوب شرعاً من الطلاب في معدل العمر الذي يكونون عليه في هذه السنة او المجموعة من السنين.
كما يجب أن تكون الموضوعات التي تجري دراستها في سنوات التعليم العام جميعاً ملائمة لعمر الطلاب بوجه عام، وللتكليف الشرعي لهم، وملائمة لما هو متوقع أن يمارسوه مما يحتاجون إلى معرفة حكمه الشرعي من حل أو حرمة او سواهما منذ التحاقهم بالدراسة النظامية حتى انتهائهم منها.
كذلك فالمقررات التي تدرس في التعليم العام لا تهدف في أية صورة من صورها، ولا في أية مرحلة من مراحل الدراسة إلى إعداد متخصصين في العلوم الإسلامية فمرحلة الثانوية العامة الدراسية - وهي نهاية مسؤولية التعليم العام - ليس من اهدافها ان تخرج متخصصين في علوم القرآن الكريم، او الحديث النبوي الشريف، او الفقه الاسلامي، او التوحيد او غيرها من العلوم الشرعية انما غاية ما ترمى إليه الدراسة العامة او تحققه هو أن تعلم الطالب الاحكام والمعارف الدينية الضرورية التي لا يستغني عن معرفتها أحد، وأن تتيح له تكوين فكرة عامة عن غيرها من العلوم الإسلامية، فإذا احتاج الى ما وراء ذلك سأل عنه العلماء.
واضاف د. الرشيد بأن العلماء قد سموا المعارف الضرورية التي تلزم معرفتها لكل مسلم:« مالا يسع المسلم جهله»، وهي تشمل فرائض الدين، ومالا يصح إسلام المرء الا به كما سموا مكملاتها:« مالا يليق بالمسلم جهله»، فأما النوع الأول فهو ما يجب أن تتضمنه المناهج في التعليم العام. واما النوع الثاني فيختار منه اهمه وأكثره عموماً ليدل على غيره مما هو اقل اهمية او اندر وقوعاً.
وأبان بأنه قد يتعين اتباع هذا النهج في صناعة المنهج واختيار مفرداته اذا تذكرنا ان الطلاب في مدارسنا - كما هو الحال في مدارس بلدان اخرى - ليسوا في مرحلة تخصصية إنما في مرحلة تعليمية توحد مفاهيمهم ومعارفهم الضرورية لتحقيق الغايتين المذكورتين آنفاً وهما تكوين «الإنسان الصالح، والمواطن الصالح».
وبين معالي وزير التربية والتعليم أن هذه الغاية هي نفسها التي ترمي إليها الدراسة العامة في مختلف فروع المعرفة، ففي اللغة العربية يدرس الطالب في التعليم العام ما يستقيم به لسانه وقلمه وما يمكن به أن يفهم نصوص اللغة العربية فهماً عاماً، لكنه لا يصبح متخصصاً في آدابها، وتاريخها، وتطورها، وبنائها، ونحوها، وصرفها.
وفي العلوم يدرس الطالب قدراً يوقفه على أهم قضاياها، ومكتشفات البشرية ومخترعاتها فيها، وقد يكسبه بعض المهارات الاساسية، ولكنه لا يتخرج من الدراسة الثانوية متخصصاً في الكيمياء او الفيزياء او الرياضيات او نحوها من العلوم.
وهكذا في مختلف فروع المعرفة التي تتعرض لها مناهج الدراسة العامة.
ويؤكد أن المبادئ والأساسيات يجب أن تكون هي محور الاهتمام في المناهج والمقررات وأن يكون ذلك واضحاً في صناعة المنهج واختيار مفرداته، وفي تركيز المعلمين في شرحهم له. وأن توفر الدولة - لحاجة الكافة - المتخصصين في العلوم الشرعية الذين يلبون الحاجات المتجددة في الافتاء والقضاء والوعظ والارشاد والتعليم. وهؤلاء لن يكونوا من خريجي مدارس التعليم العام، إنما ممن تخصصوا في الجامعات التي تقف جهدها على تخريج المتخصصين في العلوم الإسلامية، او في اقسام الدراسات الإسلامية في الجامعات العامة، بحيث يمكنهم تأهيلهم العلمي من اداء رسالتهم السامية في المجتمع بكفاءة وجدارة.
ويتصل بما تقدم ما يلاحظه المطالع للمناهج من قلة العناية بجانب الاخلاق والسلوك وهو امر يجب الاهتمام به اهتماماًً كبيراً، فمن المعلوم للكافة ان الأزمة الخلقية التي تواجه شعوب العالم تقوم اساساً نتيجة للفصل الذي جرى في اماكن كثيرة بين مناهج التربية عامة وبين قواعد الأخلاق واصولها، حتى أصبح بعض الناس يظنون المتمسكين بأهداب الآداب الإسلامية متخلفون عن روح العصر!!
ويشير معاليه أن العالم بعد التطور المذهل في وسائل الإتصال أصبح قرية صغيرة يعرف أقصاها بما وقع في ادناها لحظة وقوعه، ويتأثر به، وينفعل له، ويصدق ذلك على الخير والسلوك والقيمة سواءً بسواء. ولا عاصم لاجيالنا الناشئة من التأثر بمؤثرات السوء من ذلك كله الا بالله تعالى اولاً، ثم بزيادة «الجرعة الخلقية» في مناهج التربية عامة، والتربية الإسلامية خاصة، وربط الدعوة إلى أقوم الاخلاق وأحسنها بالطاعة الواجبة لله تعالى، والنزول الحتمي عند اوامره، والوقوف اللازم عنه نواهيه.
* .
وحول العلاقات بين الناس - في عالم اليوم - قال معاليه إنها أكثر تعقيداً وتشابكاً منها منذ عشرين سنة مضت، فضلاً عن أن تقارن بما كنا عليه قبل نصف قرن من الزمان او ابعد من ذلك. لقد كان الناس في كثير من مدننا - فضلاً عن قرانا وباديتنا - ينظرون الى الغريب نظرة مغايرة لنظرتهم الى بني جنسهم او بلدهم، ولم يكن هذا الغريب يظهر الا نادراً، وكان في الغالب زائراً عارضاً او ماراً مرور الكرام في طريقه لاداء حج او عمرة او زيارة.
واضاف اليوم تعج بلادنا - بسبب ما حباها الله تعالي به من الخيرات - بمئات الالوف من غير ابنائها، وهؤلاء فيهم المسلمون وغير المسلمين، وغير المسلمين كلهم دخلوا هذه البلاد بأمان من إمامها وحكومتها، وللإسلام احكامه الاساسية، ولفقهائه وعلمائه تفصيلات كثيرة في شأن تعامل المسلمين فيما بينهم، وفي شأن معاملتهم لغيرهم، ولا يجوز أن تغفل مناهج التربية الدينية إعداد الطالب لمواجهة هذه الامور، ومعرفة احكامها كما لا يصح أن ينهي الطالب مرحلة الدراسة العامة وهو لا يعلم ما يجوز له ومالا يجوز من احكام التعامل مع الآخرين والعلاقة بهم.
وقال: قد يكون في الفقه رأيان احدهما يتسم باتباع روح السماحة التي جاءت بها الشريعة الإسلامية حتى وصفها النبي صلى الله عليه وسلم بأنها:« حنيفية سمحة» واراد أن تعلم يهود أن «في ديننا فسحة» والثاني يتجه الى التشديد او التشدد الذي دعت اليه ظروف مكانية او زمانية عاشها الفقيه، او الف فيها، او افتى مجتهداً في ظلها.
ورأى معالي وزير التربية والتعليم أن المناهج يجب أن تقف مع الرأي والاجتهاد الذي يفسر الادلة الشرعية متخذاً سنده روح السماحة الاصيلة في بناء الدين نفسه، وهي روح دلت عليها نصوص لا تحصى من الكتاب الكريم والسنة المطهرة، ويجب - بالتالي - تنقية المناهج من الآراء التي تنحو نحواً لم يدفع اصحابها اليه الا ظروف مكانية او زمانية ينتفي تأثيرها في الفتوى والاجتهاد بانقضائها وبين علماء المذاهب الإسلامية المختلفة، وفقهائها، مسائل خلافية لا تحصى وهذه المسائل هي موضع تخصص العلماء والفقهاء ولا ينبغي ان يشغل بذكرها وتعلمها طلاب التعليم العام.
واضاف معاليه أن كثيراً من العلماء قد ألفوا في اساسيات الدين، وألف بعضهم فيما لا يجوز الخلاف فيه بين المسلمين، والخلاف في الفروع الاجتهادية اصلاً محتمل، وقاعدة العلماء، سواء كانوا من المذهب القائل بتصويب كل مجتهد ام كانوا من المذهب القائل بتصويب واحد وأن الباقين يؤجرون على اجتهادهم وإن اخطأوا، قاعدة الجميع أن الخلاف في الفروع الاجتهادية لا تثريب فيه على أحد ولا يجوز لمجتهد أن يحمل غيره من المجتهدين، او اتباع غيره من المجتهدين على ما يراه صواباً.
ونوه الرشيد الى أن تعليم الطلاب في مرحلة التعليم العام كلها يجب أن ينحو هذا المنحى حتى تتشبع نفوسهم باحترام الآخرين وتقديرهم وينظروا إلى الخلاف والى المختلفين عنهم - او معهم - نظرة صحيحة تتفق مع الخلق الإسلامي الحميد.
ويترتب على اتباع النهج السالف ذكره في التأليف والتعليم أن ينشأ الطالب على اساس صحيح من التفتح الذهني والمرونة الفكرية والقدرة على تقبل وجود «الآخر» والعيش معه والعمل الى جواره، وقد اصبحت هذه ضرورات لازمة لحياتنا في طورها الحالي فنحن لا نستطيع العيش في عزلة عن الدنيا، ونحن نحتاج في تطوير بلادنا وتحديثها الى خبرات وطاقات من العالم كله، وابناؤنا يسافرون الى كل أركان الارض طلباً للعلم أو الرزق او الراحة، او غير ذلك من الاغراض. وكل هذه الصور من التواصل البشري نتعرض فيها إلى أناس غيرنا لابد - كي نحسن الإفادة منهم والإفادة لهم - أن يقوم تعاملنا معهم على قاعدة الاحتمال والقبول للغير، والتفهم لاساس تكوينه الذي يؤدي - في النهاية - إلى اختلافه عنا واختلافنا عنه، ومع هذا الاختلاف نحن نعمل معاً ونعيش معاً ولابد لتحقيق ذلك من تأصيل معنى قبول الاختلاف في نفوس أبنائنا وعقولهم.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved