من الصعب أن أختار عنواناً لأي مقالة أكتبها. لا أعرف أستنبط من صميم الموضوع كلمة أو كلمتين تدلان عليه وتثيران القارئ. عنوان المقالة أو القصيدة هو جزء من موضة الكتابة السائدة. في كل فترة زمنية هناك أسلوب وطريقة تعكسها العناوين، لتعكس بالتالي المدرسة التي ينتسب لها الكاتب بغض النظر عن أصالته فيها. بعضهم يلزق نفسه في الموضة تلزيقا. وأكبر عملية تلزيق في التاريخ تمت في فترة ما كان يسمى الحداثة في الثمانينات الميلادية.
أصبحت العناوين (الغامضة الشعرية) سمة ذلك العصر. حتى المعاريض صارت تعطي عناوين حداثية. وإذا أردت أن ترى بقايا مدرسة العناوين الحداثية يمكنك أن تقرأ عنوانين زوايا بعض الكاتبات ممن التحقن بالكتابة مع بداية الثمانينات. بعضهن ما زلن وفيات حتى للكتابة المليئة بالصور البلاغية. بالمناسبة لي ملاحظة على بعض الكاتبات لا أعرف مدى دقتها ملاحظة عامة طبعا تراوح بين الحقيقة وبين الوهم. فهن كما يبدو لي أقل قدرة على الحركة والمناورة مع موضات الكتابة المتغيِّرة. معظمهن تبقى وفيه للموضة التي تخلقت في زمن التحاقها بالكتابة. وخاصة الكاتبات (الحوريات) وأقصد الكاتبات اللاتي نصفهن في الحداثة ونصفهن الثاني غارق في التقليدية. أسميهن الكاتبات الحوريات لأن جزءهن الأعلى الظاهر يعيش متمتعاً بالهواء الطلق بينما يبقى جزؤهن الثاني غارقا في عالم آخر. وهذا شأن حورية البحر كما قرأنا في الأساطير. فالعنوان بالنسبة للكاتبة الحورية مهم جدا. فهو الجزء الذي يعطي جسدها الحرشوفي لمعانه من بعيد. أولئك الكاتبات سببن أضرارا بالغة لحركة تطور المرأة في المملكة.
وعنوان (من يحب صدام حسين) لا ينتسب لفترة الحداثة، بل لفترة أخرى لم يتسن لنا استيرادها في حينها فماتت قبل أن تصل إلينا. أشهر عنوان من هذا النوع صدر في كتاب بعنوان (من يخاف فرجينيا وولف)، وفرجينا وولف كاتبة إنجليزية بارعة انتهت حياتها العقلية بشكل مأساوي. أعتقد ماتت في مصحة عقلية.
حتى الآن وأنا أحتاس أكثر من ربع ساعة حتى أحصل أو لا أحصل على عنوان مناسب للمقالة التي أكتبها. أحيانا يكون العنوان راكباً مزبوطاً على المقالة ويعبِّر عنها. وأحيانا (ماش). قد يبدو هذا العنوان من فئة (ماش) أي ليس له علاقة بالموضوع. ولكن لو دقق القارئ بشكل جيد سيربطه بشخصية رجل المافيا (الدون كارليون) الذي أشرت اليه في الحلقتين الماضيتين. فهناك وجه شبه كبير بين صدام حسين والدون كارليون. فكلاهما يقتل ويضحك بنفس مستوى العاطفة والتوتر. وهذا وحده كاف لكيلا يظن القارئ أنه خدع. ولكن إذا كان فيه خدعة فهي ليست في اسم صدام حسين ولكن في صيغة العنوان. في بنائه الدلالي. في التساؤل في داخل العنوان. (من يحب صدام حسين)، فالقارئ يبحث عن إجابة، ينتظرها. قرأ مقالات بتوقع وصادف مواضيع خارج حدود هذا التوقع. سوف لن يغفر لي هذه الخدعة إذا لم أبرر له سبب التساؤل بشكل بناء ومستقيم.
وهذا ما سأحاول أن أفعله يوم السبت القادم.
فاكس: 4703347
|