الذي يزور دولة الإمارات العربية المتحدة، ودبي تحديداً، سوف يلفت نظره الحركة التجارية النشطة على كافة الأصعدة، وهؤلاء الناس الذين يعيشون فيها من كافة الدول، ومع هذا الفيض من العمالة الأجنبية، الذي يفوق بمراحل حجم العمالة المحلية، إلا أن كافة الأمور في دبي تسير بوتيرة متصاعدة وسلسة، فلم أشعر خلال الأسبوع الذي قضيته هناك، بما يعكر صفو رحلتي العائلية، رغم أنني قطعت الدولة من حدودها مع المملكة وحتى دبي وما حولها من المدن. كانت حركة الاعمار واسعة، وتكاد تكون في كل مكان، ما جعلني أطرح على نفسي سؤالاً بريئاً: لماذا الإمارات بالذات تعيش هذا النمو الاقتصادي المتصاعد، في الوقت الذي تشتكي فيه أغلب دول العالم من كساد، يكاد يعصف بالعديد من مؤسساتها وشركاتها العملاقة؟ بل إن العديد من الدول البترولية المجاورة لدولة الإمارات، تعاني الأمرين من هذا الكساد، حتى انعكس بصورة حادة على حجم من البطالة المتزايدة بين المواطنين، مع ندرة فرص العمل، في الوقت الذي لا نسمع فيه، ان مواطناً إماراتياً يعاني من البطالة، بل إنني وجدت العديد من المواطنين الإماراتيين، يديرون عدة أعمال في آن واحد، رغم أنهم من عامة الناس، بمعنى أنهم ليسوا من طبقة التجار أو الصناعيين، وإلى جانب هؤلاء، فإن العمالة الأجنبية لديها هامش كبير للحركة في البيع والشراء، لكن المشكلة ان أطايب الحياة أو المتع الموجودة في دبي، قد تعصف بدخل أي عامل أو موظف بسيط من غير أبناء الدولة، فغلاء المساكن والمواد الغذائية ووجود مجالات الترفيه، كل هذه المتع تجعل دائماً ما يأخذه العامل بيمينه يصرفه بشماله، ما ينعكس انتعاشاً اقتصادياً متنامياً، وسيولة مالية لا تنضب لدى الجميع.
دبي أو دولة الإمارات عموماً، لم تصل إلى هذه الدرجة التي تجعلها تحصد خمسة ملايين سائح سنوياً اعتباطاً، لكنها وصلتها عبر سياسة اقتصادية وسياسية متوازنة، فالكل في هذه الدولة ينعمون بالأمان الديني والاقتصادي والسياسي، وهمّ الجميع في هذه الدولة، أن تكون بلادهم دار ضيافة كبيرة ينعم فيها الجميع بكرم الضيافة وبالمودة والتسامح، ولذلك فإن من يذهب إلى هذا البلد يعود إليه مرة أو مرات، لأنه يجد ما يريده ليقضي وقتاً ممتعاً. الخضرة والمطاعم ودور اللهو البريء والأسواق والفنادق، وكل ما يقابله أو يراه أو يجلس فيه، يتميز بالنظافة، والحرص على الخدمة الجيدة، والاستقبال الجيد، يحدث هذا دون أن تطلب أو تحرص على إنجاز ما تطلب، يحدث هذا مع الجميع وفي أي وقت!
لماذا الإمارات هكذا؟ دولة صغيرة - سحبت من الناحية السياحية والاقتصادية - البساط من تحت العديدمن الدول العربية، رغم أنها صحراء قاحلة، قد تعصف الرمال بناسها وبناياتها وشوارعها، فتحيلها إلى غمامة أو سحابة من التراب، لا تبقي ولا تذر، وقد رأيت عينة من هذه العواصف الرملية التي استمرت لعدة ساعات!
وغير الرمال، فإن دولة الإمارات فقيرة في الماء الصالح للشرب، وليست أرضاً زراعية، وليست على أنهار جارية، وهواؤها لا يختلف عن هواء الصحراء، أو المدن الساحلية، خانق في الصيف وبارد في الشتاء.. ورغم ذلك فإن الخضرة تملأ الشوارع، والمياه النقية لا تنقطع، والهواء المكيف في حركة دائمة يبث برودته المنعشة في كل مكان!
ورغم ذلك فإن دولة الإمارات نشطت اقتصادياً، فلا تفتش عن شيء أكثر من تفتيشك عن المرونة.. ان المرونة مسؤولة دائماً عن الانتعاش والتطور، بقدر ما ان زوالها أو تحجرها مسؤول عن التأخُّر والبطالة وضيق الخلق!وأبرز مثال على هذه المرونة والحنكة، أن دولة الإمارات تعيش انتعاشاً اقتصادياً سياحياً في «الصيف» وهو الموسم الذي يهجر فيه كافة أهل الخليج دولهم، بحثاً عن الهواء النقي.. وكثير من هؤلاء يختارون «الإمارات» للتخلص من صيفهم الخانق، مع ان صيف الإمارات لا يختلف عن صيفهم، لكنها «المرونة» والقدرة على أن تخلق دولة الإمارات من «الفسيخ».. شربات!
و«الفسيخ» هو الجو الخانق الذي تعيشه دول الخليج صيفاً، أما «الشربات» فأنتم تعرفونه!
فاكس: 4533173
|