منذ مدة ليست قصيرة اجتمع في برازافيل 28 خبيرا من خبراء الاحصاء في فروع الصحة العامة وتوافدوا من 24 دولة افريقية الى مقر منظمة الصحة العالمية الاقليمي في الكنغو برازافيل.
وكان اول ما لاحظوه ان افريقيا تفتقر افتقارا شديدا الى خبراء في الاحصاء سواء احصاء عدد السكان او حاجات السكان الى العناية الصحية.
والحق يقال ان مثل هذه الملاحظة تنطبق على معظم البلدان النامية فهي أشد الحاجة الى علم احصائي والى دوائر احصاء مشابهة لما نراه في الدول الصناعية فلا اقتصاد ولا صناعة ولا صحة ولا غير ذلك بمعزل عن العلوم الاحصائية.
وانما الارقام ، كما قال العالم اليوناني القديم فيثاغورس تتحكم بالكون وفيها تتجلى صورة كل امة ونشاطها في شتى فروع الحياة.
وكيف السبيل مثلا الى سلوك سياسة اقتصادية او صحية ما لم يدرج الخبراء في جداول احصائية ثابتة عدد اليد العاملة وطاقات البلاد وثرواتها المنجمية، او عدد المرضى واصناف الامراض وعدد المستشفيات والاسرة اللازمة للعناية بالمصابين الى ما نحوه من مطالعات دقيقة اشبه بالرياضيات؟
ولاشك ان السياسي الانجليزي «ديسرائيلي» كان يقول متهكما ان للكذب ثلاثة ابواب وهي الكذب العادي للمصلحة والكذب المقيت حبا بالكذب، ثم الاحصاءات غير انه ذكر الاحصاءات من جانب التفكه والتندر وهو معروف بروح الفكاهة وارسال الكلام النادر لكي يردده الناس مبتسمين.
لا تخطيط بلا احصاءات
تداول الاحصائيون في مؤتمر برازافيل مسائل الصحة العامة في افريقيا لكي يعرفوا عدد الاطباء والممرضين والممرضات الواجب تخرجهم من الجامعات والمعاهد المختصة. وتدارسوا ايضا تخطيط الافضليات لكي يعرفوا ماهو الافضل في الساعة الحاضرة:
مضاعفة عدد الاسرة في المستشفيات والمصحات، ام مضاعفة عدد المستوصفات في الاحياء والقرى؟
وان كانت لهذا الاجتماع فائدة فانما فائدتها اعلام المسؤولين انه لا مجال لاي تخطيط صحي بلا احصاءات.
ومما نذكره على سبيل المقارنة ان جزيرة «كوبا» ظلت مدة بضعة اعوام منصرفة الى المطالعات الاحصائية في مجال الصحة العامة ثم وضعت تخطيطا شاملا بعيد المدى استنادا على هذه المطالعات.
وكان اول ما قرره فيدل كاسترو انه افرد ثلث الموازنة القومية للعناية بصحة الشعب. وقال هو ذاته انه لولا الاحصاءات لما كان يتخيل حاجة المواطنين الى العناية الصحية.
ثم رفع مؤتمر برازافيل تقريرا الى منظمة الصحة العالمية وطلب منها اولا ان تنشىء في كل دولة افريقية مديرية عامة للاحصاءات الصحية ثم ان تنشىء مركزا افريقيا موحدا لتحليل الحاجات في كل دولة من دول القارة وتخطيط مشروع شامل على ضوء هذه الدراسات الاحصائية لتنمية الدوائر الصحية الاساسية.
وعلى الجملة كان مؤتمر برازافيل بمثابة صرخة انذار الى الحكومات الافريقية لكي تلتفت بمزيد الاهتمام الى العناية بدوائر احصائية على الطراز العلمي الحديث فلابد من الاعتراف بأن البلدان النامية لا تزال تهمل العلوم الاحصائية وقلما ترى فيها معاهد خاصة لتخريج خبراء بالاحصاء.
|