الأزمات التي تمر بالأمم مهما كبرت في حجمها وأوغلت في النفوس بتأثيرها فإنها محدودة بزمان ومستوعبة بمكان ومنها تؤخذ العبر.
وعند انكشاف الغمة وصفاء السماء من غيوم الأزمة يبقى ما يسمى بآثار الأزمة وافرازاتها، وهنا يظهر مدى استعداد الشعوب المصابة للنهوض وتجاوز مرحلة الخمول إلى مرحلة البناء الجاد.
والناس أمام قصف الرعد وضياء البرق ثلاثة أقسام، فقسم يغلق الأبواب والنوافذ ويلجأ إلى الغرف الدافئة خوفاً من قصف الرعد ولموع البرق، والقسم الثاني يطل من الشرفات والنوافذ ويتملى مشهد العراك بين سنا البرق وظلام الليل الحالك وينسج الحكايات الوجدانية المبنية على الخيال اللا محدود.وقسم ثالث يستغل سطوع البرق ليضيء له طريق العمل وينجز ما يريد.وبما أن العالم المعاصر أشبه ما يكون بخلايا الدماغ المترابطة مع احتفاظ كل خلية بعناصرها واستقلاليتها النسبية فالأزمات التي تعصف بالعالم تمس كل الشعوب مساساً مباشراً أو غير مباشر بحسب القرب والبعد عن بؤرة الأزمة ومركزها.. فإذا انتهت ظهرت نتائج الحصاد والأمة التي تفكر وتستثمر هذا الظرف العصيب هي الأمة الرابحة وبميزان الربح والخسارة الدنيوي إذا وجد رابح فسيكون في الجهة الأخرى آخر خاسر... كميزان الرأسمالية المؤسس على هذه القاعدة فالمال أعراض وأجسام إذا انتقل إلى يد خلت منه اليد الأخرى.والنماذج في التاريخ لمن كسب ومن خسر في الأزمات متعددة وحتى في عصرنا وأزمانه المتتالية ففي سقوط الاتحاد السوفيتي أزمة كبرى كسب فيها الغرب الرأسمالي تعميم نظريته المادية وفرضها على الآخر مستثمراً عوامل السقوط وإن كان بعضها لم يكن له فيها يد بل من المعلوم أن الفكرة الاشتراكية خرافة أُلبست لبوس الحق فحملها الكادحون يدفعهم الصراع من أجل البقاء فكانت القاصمة الكبرى التي أزالت رؤوسهم وفرَّقت أوصالهم وممن استثمر تلك الأزمة الإيرانيون حيث فازوا ببعض علماء الصناعات الحربية الروس وإن كان مكسباً محدوداً إلا أنه محسوب وسيثمر فيما بعد..وفي حرب الكويت كسبت إسرائيل في غياب الإعلام العالمي نقل آلاف اليهود الروس إلى إسرائيل في أكبر علمية نقل جوي من نوعها وبطائرات أمريكا..أقول: ونحن ماذا كسبنا؟ وماذا سنكسب؟ وهل نحن نفكر بعقولنا أم بعواطفنا؟ المشهور أن شاعرنا العربي يقول:
الرأي قبل شجاعة الشجعان
هو أول وهو المحل الثاني!!
|
والمصارحة في بعض المواطن وسيلة من وسائل الإصلاح.
فأقول: إن حقيقة النكسة التي نعيشها هي ضياع الشخصية بين الجمود والجحود، جمود من يكرر تجارب السابقين في زهد ممقوت وتقاعس عن التجديد وتعاط فاتر مع الواقع في سذاجة من يردد إذا سقطت إحدى أسنانه «يا عين الشمس هذه سن حمار امنحيني بها سن غزال».. وجحود من قلب المبادىء ونفى الثوابت فتحول غراباً قلَّد مشية الحمامة ففقد مشيته.. والحق أن مبادىء الدين وثوابته تدعونا بل وتدفعنا الى الرقي بمستوى المجتمع والوطن إلى قمة المجد في العلم والعمل لنكون قادة العالم ونظهر ما عندنا من أخلاق ومبادئ هي أساس لحضارة عالمية تستوعب كل العالم.إذاً نحن بحاجة إلى إعادة النظر والتفكير بطريقة مغايرة والله سبحانه دلنا على مكمن الداء وبين الدواء {إنَّ اللّهّ لا يٍغّيٌَرٍ مّا بٌقّوًمُ حّتَّى" يٍغّيٌَرٍوا مّا بٌأّنفٍسٌهٌمً }. والموضوع يتسع لأكثر من طرح ناضج من الأدباء والعلماء والمربين والإعلام الواعي، طرحٌ أساسه الإخلاص لله أولاً ثم للمجتمع والوطن ثانياً.
|