* القاهرة - مكتب الجزيرة
عثمان أنور - علي البلهاسي :
هل تأتي العواصف بما لا تشتهي السفن الفلسطينية والاسرائيلية والتي عملت الادارة الأمريكية على دفع محركاتها للابحار في بحر السلام المتلاطم الأمواج أم ستغير العواصف وجهتها وتتحطم على صخرة الواقع سواء من العراقيل التي تضعها اسرائيل ومراواغات شارون أو عدم قدرة أبو مازن على وقف العنف؟ المراقبون يؤكدون ان اسرائيل وعدم تنفيذها الجدي للالتزامات والتعهدات سوف ينسف خارطة الطريق من أساسها وما فعله المتشددون الاسرائيليون عقب قمة العقبة يؤكد ذلك كما ان تعهدات شارون أمام العالم في العقبة لا تعدو كونها مماطلة ومراوغة وانه ينحنى للعاصفة الأمريكية حتى تمر بسلام فقط أما عن الجانب الفلسطيني فيرى المراقبون ان هناك أملاً في تنفيذ أبو مازن لتعهداته شرط ألا تضع اسرائيل أمامه العقبات وتبدأ بالتنفيذ الفعلي وربما يوجد هذا الأمل لأبو مازن محاولات التوصل مع فصائل المقاومة الفلسطينة لهدنة لمدة عام لوقف العنف وهو الأمر الذي يضع الكرة في الملعب الاسرائيلي فهل تلتزم اسرائيل بتعهداتها ويفي شارون بالتزاماته لينضم الى رابين ويصبح رجل سلام؟
بعيدا عن التطبيق
الدكتور أحمد يوسف عميد معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية يقول ان شارون حاليا يحاول استلهام شخصية ديفيد بن جوريون مؤسس اسرائيل فهو يحاول ألا يستعدي واشنطن طالما انها تتحدث عن مجرد خطط سلام ولا تزال بعيدة عن التطبيق لذا يطلق التصريحات المؤيدة لموقف الولايات المتحدة وخصوصا ما يتعلق بعملية السلام المعروفة باسم خريطة الطريق وعلى عكس ما يظهر شارون من قبول ورغم تأكيده للأمريكيين ضرورة الحفاظ على أمن اسرائيل والتأكيدات الأمريكية له بالمقابل انهم يتفقهون ذلك يظهر على حقيقتة للمقربين منه وانه يعارض أي قرار يضع أمن اسرائيل في خطر وشارون يعلم جيدا ان الولايات المتحدة الأمريكية تواجه أزمات مختلفه أهمها الوضع في العراق ولأزمة الاقتصادية وعلى ذلك ينحني شارون أمام العاصفه حتى تمر بسلام العاصفه الأمريكية وهو يعلم تماما ان ضغوط واشنطن ستنتهي بمجرد نهاية الانتخابات وخلال هذه الفترة سيضع شارون العراقيل التي تحول دون تنفيذ وعوده وأمام تطبيق خطة الطريق وتحميله للجانب الفلسطيني مسئولية هذه العرقلة وعدم التطبيق بأن يستغل أي عملية مقاومة تقع واتهام محمود عباس أبومازن رئيس الوزراء الفلسطيني بالفشل في وقف العنف ونزع اسلحة الفصائل.ويضيف د. يوسف ان موافقات اسرائيل في قمة العقبة كانت مشروطه بتفهم الولايات المتحدة للتحفظات الاسرائيلية وتحمل قرارا ملزما برفض أي اعتراف من اسرائيل بحق العودة أما قيام شارون بمجالات اقناع الحكومة الاسرائيلية بخريطة الطريق لأنه رأى ان اسرائيل لا يمكنها في الوقت الحالي ان تصطدم مع واشنطن أو ترفض لها طلبا وان هذه الفترة ليست ملائمة لتحركات اللوبي الصهويني ضد بوش الذي يتمتع حاليا بشعبيه جارفة فهي مجبرة على مسايرة الموقف الأمريكي على الأقل في الوقت الراهن.
أما الدكتور حسن نافعة رئس قسم العلوم السياسية بجامعة القاهرة فيقول المراوغ... مراوغ دائما وهذا هو شارون الذي لم يبد سعيدا وهو يعلن قبوله خارطة الطريق ولم يبد سعيدا وهو يلقي خطابه في قمة العقبة وبتعهده أمام الرئيس الأمريكي بوش بازالة المستوطنات وشارون حين كان يقبل الخارطة وحين كان يلقي بتعهداته في قمة العقبة كان يعلم مدى غضب الاسرائيلين وخصوصاً المتطرفين اليهود الذين رفعوا الشعارات التي تطالب بتغيير ساحة رابين في تل أبيب لتصبح ساحة رابين وشارون وذلك في دلالة لتعرضه لخطر الاغتيال كما لم يتمالك وزير الخارجية الاسرائيلي سلفان شالوم نفسه وقال سأقضي على شارون وخطة الطريق وذلك في أعقاب قمة العقبة اضافة الى ذلك فان شارون له تاريخه الدموي وله أفكاره التي ترفض السلام وما قاله في العقبة لا يعود الى قناعة حقيقة ولكنه يعود الى ضغوط أمريكية لذا فالمرحلة المقبلة تتطلب مزيدا من الضغوط ومواصلة الولايات المتحدة الأمريكية ممارسة ضغوطها على اسرائيل.
كما تتطلب اتساع دائرة الضغوط على اسرائيل لتشمل الاتحاد الأوروبي والدول الأخرى حتى ترجمة الاتفاقات والتعهدات الى نتائج عملية ملموسة على أرض الواقع.
ومن جانبه يرى الدكتور مصطفى علوي أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة ان المرحلة القادمة ستكون فاصلة فبعد التعهدات الاسرائيلية والفلسطينية المطلوب هو ترجمة هذه التعهدات عمليا وعلى أرض الواقع ويجب ألا نعول كثيرا على الوعود الاسرائيلية فنعلم جيدا ان الدور الأمريكي الذي يشهد نشاطا ملحوظا في الفترة الأخيرة تجاه الصراع الاسرائيلي الفلسطيني لأن مضاعفات الوضع المتفجر في غير صالحها ومن هنا يجب فهم الدوافع وراء الاصرار والضغط الأمريكي على اسرائيل واستخدام بوش كل نفوذه السياسي والشخصي في استخلاص موافقة شارون على قبول خارطة الطريق وتعهده باقامة دولة للفلسطينيين بجوار دولة اسرائيل وهذه الموافقات والتعهدات من الطرفين ربما لا تمثل جهودا خارقة في عملية السلام ولكنها بداية عملية يمكن ان تؤدي لقفزة كبيرة على طريق احلال السلام لو أحسن استثمارها واستغلالها وتواصل الضغط على اسرائيل غير ان شارون من جانبه لن يرضى بالضغوط الى ما لانهاية فقد وضع لغما في قمة العقبة عندما قال بدولة يهودية وهي نقطة مهمة وخطيرة وأعتقد انها سوف تصبح حجر عثرة مثل ما حدث من تفسيرات متباينة ومتضاربة للقرار 242 الصادر عن الأمم المتحدة فهل المقصود بالدولة اليهودية هو انهاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وتجريد العرب المقيمين في اسرائيل ولديهم الجنسية الاسرائيلية من حقوقهم أيضاً. ومن ناحية الجانب الفلسطيني فمن الواضح ان أبو مازن سيلقى صعوبة في وقف دائرة العنف ما لم يبادر شارون بفك المستوطنات ووقف عمليات الاجتياح والمداهمة وهدم المنازل والاغتيالات فاسرائيل لا تتوانى عن المراوغة واقامة العقبات.
سلام مشروط
يقول الدكتور عماد جاد خبير الشئون الاقتصادية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية انه مع التسليم بالمناورة والمراوغة الاسرائيلية فيما يتعلق بجهود عملية السلام هناك جديد بالفعل في الموقف والسياسة الاسرائيلية وهناك جديد في التحرك الاسرائيلي ولكن ذلك لا يدعونا لأن نخاطر بالثقه في سياسة شارون وحكومته ولكن لابد ان نتعامل معها خاصة وان الجهود الأمريكية تبدو صادقة هذه المرة في تحقيق تقدم على صعيد الصراع العربي الاسرائيلي وإلا ما كان بوش أن يغامر بالقدوم الى المنطقة لحضور قمتي العقبة وشرم الشيخ وقد أظهرت نتائج القمتين ان هناك اصراراً أمريكياً واضحاً على تطبيق خريطة الطريق رغم تحفظات اسرائيل وما يقال عن ضغوط اللوبي اليهودي في أمريكا والواضح ان هناك ضغوطاً أمريكية حقيقة على شارون للتجاوب مع جهود السلام وقد سبق ان اعلنها بوش صراحة لشارون حين دعاه للموافقة على خريطة الطريق حتى لا يحدث تصادم مع السياسة الأمريكية.وأشار جاد الى ان هناك مجموعة من الدوافع والأسباب التي أدت في حصيلتها الى حدوث التغير في مواقف شارون في السياسة الاسرائيلية فرفض اسرائيل التجاوب مع الجهود الأمريكية لدفع عملية السلام كان سيحمل في طياته مؤشراً لاحتمال تصاعد التوتر مع الادارة الأمريكية التي أولت اهتماما لافتا لخريطة الطريق وأبدت في الوقت نفسه تفهما لمعظم التحفظات الاسرائيلية كذلك فقد أراد شارون بموافقته الجديدة تجنب تحميل حكومته مسئولية الفشل السياسي خاصة وان بعض الدوائر الأوروبية قد المحت الى ذلك أكثر من مرة كما ان شارون نفسه ربما اعترف في قرارة نفسه بفشل السياسة في مواجهة الانتفاضة فقد وصلت العلميات الفلسطينية المتتالية التي نفذت مؤخرا الى العمق الاسرائيلي مؤكدة فشل الاجراءات الامنية وان سياسة العنف الاسرائيلي لن تجلب سوى العنف وان استمرار المقاومة على هذه الوتيرة سيضاعف من المأزق الاقتصادي الذي تواجهه حكومة شارون وهو ما سينعكس على وضع شارون السياسي في المستقبل القريب.
مجرد مناورة
ويقول الدكتور عمرو الشوبكي الخبير بمركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية ان مواقف وتصريحات شارون الأخيرة رغم ما فيها من ايجابيات اهمها الموافقة على خطة تعد صراحة بقيام دولة فلسطين إلا انها لا تعدو كونها مجرد مناورة سياسية أو حسن قراءة من شارون للحادث والظروف التي تمر بها المنطقة فما يقال عنه انه تنازلات اسرائيلية قدمها شارون كانت مجرد اجراءات نجح بها شارون في انقاذ العلاقة الأمريكية الاسرائيلية من أزمة في ظروف بالغة الحساسية بالنسبة لواشنطن ولم تكن خطوات صادقة من أجل تحقيق السلام.
وأضاف ان شارون بهذه المواقف اختار أهون الشرين ورفض التفريط فيما يعتبره ثروة لإسرائيل وهما العلاقة مع واشنطن التي نجح في ترسيخها بعد 11 سبتمبر فلم يجد بدا من تقديم تنازلات وصفها بأنها مؤلمة بعد ان حققت له أمريكا مكاسب عدة منها استبعاد الرئيس عرفات والاطاحه بنظام صدام ووضع المنظمات الفلسطينية على قائمة الارهاب.وكان للضغوط الأمريكية تأثير كبير في تغيير مواقف شارون فالواضح ان هناك مصلحة امريكية حيوية لإغلاف ملف الصراع الفلسطيني الاسرائيلي من أجل فتح ملفات اخرى ولذلك جعلت الولايات المتحدة من رفض شارون لخريطة الطريق خطا أحمر ويبدو ان الموافقة الاسرائيلية مع التحفظات تشير الى ان شارون عمل الى تأجيل قضايا الخلاف في الجانب الفلسطيني الى المفاوضات لإتاحة الفرصه أمامها لأخذ مزيد من الوقت لممارسة هامش أكبر للمناورة والتملص لحين استكمال مشروعه الاستعماري وبناء المستوطنات ثم يستكمل المفاوضات وفق شروط مناسبه له وكذلك فالقبول الاسرائلية المشروط جزء من التسويف الاسرائيلي والمحك الاساسي ليس القبول ولكن المفاوضات التي ستحدث بين الجانبين فيما بعد وهو الطريق الصعب الذي سيبدؤه شارون وأبو مازن بعد قمتي شرم الشيخ والعقبة.
|