* تحقيق - هيفاء الهلالي:
التكافل الاجتماعي في ديننا الحنيف.. هو من أهم القواعد التي رسخها لتنشأ الأمة متحدة، مترابطة، وبدايات هذا التكافل تبدأ من الأسرة ذلك القلب النابض في المجتمع، فإذا كان القلب صحيحاً وأوردة الحقوق فيه والواجبات سليمة وشرايين التراحم معافاة وحجراته متماسكة حانية آمنة.. كان صمام الأمة آمن ولكن عندما تنحرف مسارات الدم العابر لقلب المجتمع «الأسرة» نحو مصبات لا يرضاها لا دين ولا خلق عندها تتفكك بنية المجتمع وتبدأ بالتهاوي ولعل حالات التوعك والأمراض العارضة التي تصيب ذلك البناء تكون مجالاً للعدوى بين الآخرين .. فلابد من العلاج الاجتماعي والديني السريع لإنعاش ذلك القلب قبل أن تتمزق أوصاله فيموت ذلك الجسد الكبير، والطلاق هو أحد أمراض قلب المجتمع لما فيه من سلبيات كثيرة تعود على الرجل والمرأة والأبناء ولكنه حل شرعي عندما تستحيل الحياة بين الطرفين وتصبح جحيماً عندها يصبح تنفيذ أبغض الحلال عند الله أمراً ضرورياً، وعلى الرغم من كره الكثيرين لكلمة طلاق إلا أنها قد تكون أهون إذا ما قورنت بطلاق الأبناء فكم من زوجين تطلقا وطلقا أبنائهما أيضا وهناك وجه آخر لهذا الطلاق عندما تختلط الأدوار بين الزوجين فتضعف الرقابة والاهتمام بالأبناء كما أن إهمال الزوجين أو أحدهما في ممارسة دوره الحقيقي يزعزع التربية لتبقى بين أيدي الخادمات والأبناء أنفسهم.
هنا نقدم مجرد صور مأساوية مؤلمة كانت ضحية لتلك الشروخ الاسرية علها بذاتها تعلق على الموضوع وتفضح كوامن الأسرار وخزي ما اقترف الآباء والأمهات.
اغواءات السائق
تقول فاطمة الغامدي إحدى معلمات المرحلة الابتدائية: أقوم بتدريس الصف الثالث الابتدائي وتلميذات الصف هن بناتي.. وحرصي عليهن من مبدأ الحب والأمانة ولكن عندما يضيع الأبوان هذه الأمانة يتقلص الدور المناط بي ليصبح توجيهي لا يلقي القبول البسيط الذي يتلاشى مع دوامة المنزل اليومية لدى التلميذات.
ففي أحد الأيام لاحظت تغيب إحدى التلميذات عن الصف وفي تمام الساعة الثامنة والنصف، فوجئت بحضورها في حالة غير طبيعية كانت خائفة تبكي وعندما سألتها عن سبب تأخيرها أجهشت بالبكاء وبدأت تحكي بعض الأمور الغريبة بعفوية عن اغواءات السائق لها.. بلغت إدارة المدرسة فوراً وقمنا بالاتصال على منزلها لترد الأم النائمة المنزعجة من إيقاظنا لها وعندما أخبرناها بتأخير ابنتها وكلامها عن السائق أجابت بأن ابنتها تملك خيالاً ادعائياً كاذباً ولعلها كانت تلعب في حديقة المنزل ونفت بأن يكون السائق له دور في تأخيرها وأغلقت السماعة في وجوهنا بعدها انقطعت التلميذة عن الدراسة ولم نعد نعرف شيئاً عنها.
من دار الرعاية لدار المسنين
«نوف . ج» فتاة في السادسة عشرة من عمرها تقول:
تزوجت قبل ستة أشهر من رجل يبلغ الستين عاماً.. لأنني كنت أعيش في دار الرعاية الاجتماعية لأن والدتي رفضت الاستمرار مع أبي فهي تريد أن تحيا حياتها بطريقتها الخاصة التي لم يوافق عليها أبي.. فتطلقا وكنت في الثانية عشرة من عمري فتزوج أبي من امرأة أخرى رفضتني وتمادت في رفضي عندما أنجبت من أبي وكانت تخلق المشاكل لأنني أشبه أمي كثيراً ونظراً لأن طبيعة عمل أبي تقتضي بأن يكون كل ستة أشهر في مدينة أخرى، أقسمت زوجة أبي ألا أبقى معها بحجة أنني اتلف أعصابها ولا تستطيع ضبطي في فترة غيابه فأخذني أبي لمنزل خالتي التي راعتني واعتبرتني إحدى بناتها لكن زوجها رفض بقائي بحجة أنني مسئولية يخاف أن يتحملها عندها طلبت خالتي من أبي أن يأخذني ولكن زوجته رفضت رجوعي وهددت بترك المنزل إن أنا دخلته فما كان من أبي إلا أن وضعني في دار الرعاية الاجتماعية.. وبقيت فيها دون أن يزورني أحد إلى أن تقدم لخطبتي رجل مسن عن طريق إحدى العاملات في الدار فقبلت الحياة معه.. وأنا ممزقة .. ابحث عن ذاتي .. ابحث عن نوف .. في داخلي.
مراهقة تنام خارج المنزل
تقول إحدى المديرات .. أحلام عبدالله: في احد الأيام دخلت بعض طالبات الصف الثاني المتوسط إلى إدارة المدرسة وعلى وجههن الخوف وعندما سألتهن عن السبب قالت إحداهن بأن زميلتهن «سحر» قد نامت خارج المنزل وأنها قد حضرت اليوم من منزل صديقتها دون علم أهلها وعندما سألت «سحر» أجابت بأنها خرجت الساعة الخامسة عصراً مع صديقتها وذهبتا إلى المكتبة ومشيتا كثيراً إلى أن ابتعدتا عن المكتبة فأضاعتا الطريق وحينها توقفت إحدى السيارات العابرة وطلبت منهما الركوب فركبتا لأنهما كانتا خائفتين وكان الظلام قد بدا يحل، وعندما وصلتا عند إشارة مرورية فتحتا الباب فجأة ونزلتا أما اعتراضات السائق وركضتا وسط الزحام ثم قامت صديقتها بالاتصال على أهلها وذهبت «سحر» معها إلى منزل صديقتها ونامت هناك والعجيب في الأمر أن أهل الفتاة لا يعرفون ذلك فالأم تحضر الأعراس ولا تأتي إلا بعد الفجر والأب في مكتبته الخاصة لأنه من عشاق القراءة وياليته كان من عشاق التربية وعندما طلبت الأم لأخبرها بما حدث لابنتها .. أنكرت أقوال ابنتها .. على الرغم من اعتراف البنت أمام الجميع!.
للشقاوة وجه آخر
وبهذا الصدد تحكي لنا أم بدر حكايتها مع آثار الطلاق: طلبت من زوجي بعد خيانة منه ونهب لمالي ولم يبق لي سوى أبنائي ثروتي الحقيقية، ولكن المؤسف في الأمر أنه بعد تطليقي لم يفكر برؤية أبنائه خصوصا «بدر» الذي كان متعلق في أبيه كثيراً فهو وان كان سيئاً معي إلا انه كان حنوناً على ابنائه فساءت نفسية «بدر» وتدنى مستواه الدراسي وزادت شقاوته وعناده على الرغم من أن عمره لا يتجاوز العاشرة وتحت ضغط الأهل تزوجت من رجل آخر .. رفض في البداية وجود أبنائي معي وانه من الضرورة إرجاعهم لأبيهم وطبعاً والدهم رفض لأنه يعلم تماماً بأن زوجته الجديدة لن تقبل لدرجة أنه غير رقم تليفونه لكي لا نصل إليه.
فاضطررت إلى إعطاء زوجي «3000» ريال شهرياً مقابل غض النظر عن وجود أطفالي هذا غير مصاريفهم ولكن الصعوبة التي أواجهها تكمن في المواقف التي تتطلب ولي الأمر ولا نجده فمثلاً توجد بجانب منزلي مدرسة للبنين ولكن لا أستطيع نقله لأن الوضع يتوجب وجود ولي أمره مما يدخلني في دوامة السائقين ومشاكلهم بسبب زوجي.
لقد نسي والدهم حتى أن يراهم من بعيد لدرجة أن «بدر» شاهده في أحد المحلات وعندما أراد اللحاق به هرب باتجاه سيارته متجاهلاً صوت «بدر» وبكائه، أنا أعاني ليس من طلاقه لي بل لأبنائه.
ثمرة لزواج فاشل
فوزية سعود .. تحكي قصتها بهذا الصدد: مررت بحياة بائسة جداً وطفولة تعيسة مهينة لأن أبي قد تزوج أمي من باب الحفاظ على الإرث، ولم تقرب المصلحة بينهما بل بالعكس عاشا صراعاً إلى أن تطلقا وكنت في السابعة من عمري تزوجت أمي من رجل آخر وتزوج أبي من أخرى فتركتني أمي عند خالي وزوجته أما أبي فقد نسي بأن له ابنة.. كنت بمثابة الخادمة، لا يحق لي اللعب أو المرح، كالأطفال بل أقوم بشئون المنزل كفتاة بالغة، بل الأدهى والأمر بأنني كنت أحاسب على أدنى خطأ بالضرب والشتم والركل وعندما أتأفف يرميني خالي لأبي الذي بدوره يضربني ويوبخني ويخبرني بأنني عوجاء مثل أمي ثم يرجعني لخالي إلى أن كبرت وتزوجت من أول طارق باب.. أعاني من حالات نفسية وتشنجات عصبية لأدنى خلاف يحدث بيني وبين زوجي نتيجة والدين تخليا عني اعتبراني ثمرة فاسدة لزواج مصلحة غير مرغوب فيه.
الخادمة عين العناية المغمضة
عائشة العتيبي جارة لإحدى الشقق في أحد المباني .. تقول: فوجئت بسكن جيراننا الجدد وفرحت كثيراً بذلك لأن هذا المبنى عبارة عن أربع شقق لا يوجد فيها سوى شقتي وشقة لامرأة عجوز وزوجها ولكن الصدمة عندما كان جيراني شغالة وطفلتين في العاشرة والثامنة من عمرهما.. وعندما سألت إحدى الطفلتين عن أبويهما قالت بأن والدهما قد تزوج بامرأة أخرى رفضت وجودهما معها مما جعله يستأجر هذه الشقة في المبنى نفسه الذي يقطنه جداهما.. في الشقة العلوية عندها أدركت أن العجوزين هما الجد والجدة والعجيب في الأمر أن الوالد لا يأتي إليهما إلا نهاية كل شهر ليعطي والديه المصاريف ويمر بسرعة من عند بابهما والأدهى والأمر أن سلوكيات الخادمة مريبة حيث كنت أسمع غلق وفتح الباب ليلاً وعندما أخبرت الجدة بذلك قالت ببرود ان الخادمة أمينة وجيدة وربما البنتان تلعبان بالباب ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل اشتكى الجيران من حولنا من دخول عمال النظافة المبنى مما حدا بزوجي إلى تغيير المبنى وبعدها انقطعت علاقتي بهما ولا أعلم ماذا حل بهما وآلمني كثيراً إهمال الوالدين لهذا الحد المخزي دون مراعاة لضمير أو دين أو عادات وتقاليد.
أخيراً إن تلك البيوت المائلة التي تناولتها البحوث الاجتماعية بالطرح والنقاش والبحث عن أسبابها وتوفير جميع السبل لإنجاحها تفشت في مجتمعاتنا العربية وتسللت إلى مجتمعنا ولكن من وراء حجاب تغطيها عبارات الاستغراب والإنكار والتجاهل على الرغم من أنها حقيقة لابد أن نواجهها لحلها قبل أن تكون سمة من سمات المجتمع وليس ظاهرة وتجارب بعض فئات المجتمع التي وقع عليها النظر «وما خفي كان أعظم» تؤيد وجود هذه الظاهرة وبداية لتكوينها لتصبح في يوم ما انعكاساً حتمياً لمتغيرات الحياة فتخرج عن السيطرة.
|