كنت كلما أنظر في المرآة أشعر بأن معنى الحياة لدي قد انتهى ولكن لا بد يوما ما من ان تتضح الامور وترى الحقيقة جلية واضحة، فالعين ترى ولكن الأهم هو مضمون المشهد وليس الظاهر.
إنني فتاة في متوسط العمر، مررت بظروف قاسية وعصيبة، فمنذ الطفولة وفي عمر العاشرة بالتحديد استيقظت أحد الأيام وكعادتي توجهت نحو الحمام لأغسل وجهي وأصفف شعري قبل أن أذهب إلى المدرسة وكانت دهشتي كبيرة، بقعة بيضاء اللون ظهرت حول العين فجأة دون سابق إنذار ونظراً لعدم معرفتي وصغري بالعمر لم أعرها اهتماما ولكن بمجرد أن وصلت للمدرسة شعرت بأن زميلاتي ينظرن إلي بشيء من الاستغراب وبدأن يسألنني (خير ماذا بك؟) طبعا البقعة البيضاء كانت مدار الحديث ومنذ ذلك الوقت بدأت رحلتي ومشوار عذابي فكنت كلما تعرضت لسؤال أعود وأجلس مع نفسي لماذا هذا الاهتمام بالشكل الخارجي للإنسان ورحت أبحث عن جواب لأسئلة الناس ما هذا البقعة البيضاء، هل هي برص، هل هي معدية؟!
أسئلة عديدة لم أكن أعرف جوابها ومع مرور الأيام بدأت البقع البيضاء تزداد عدداً وانتشاراً في جسمي ورحت بدلا من ان اهتم بدراستي وامتحاناتي أفتش عن الجواب الشافي ومع الوقت وأنا أتقدم في العمر وكلما كان جسدي يزداد نمواً كانت معنوياتي تنهار بالمقابل وأصبحت أخجل من الظهور أمام الناس وأخاف من سيل الأسئلة ونظرات الاشمئزاز التي توجه نحوي، فقدت حياتي الاجتماعية وأنا في مقتبل الشباب، انطويت على نفسي، تركت المدرسة وجلست في المنزل أنتظر شيئاً ما ولكن ما هو؟ لا أدري!!
تنقلت من طبيب لطبيب لأجد علاجاً لتلك البقع البيضاء التي دمرتني وكانت دائما النتيجة تحسن ثم عودة للبقع مجدداً، راودتني العديد من الأفكار فلا أعرف إلى أين سيؤدي بي الأمر ماض تعيس، مستقبل غامض وواقع مرير، سببت العبء الكبير لي ولعائلتي، كانت النظرة التشاؤمية هي التي تسيطر على أفكاري ولكن ماذا جنيت نتيجة أعمالي؟ لا شيء..
كنت كلما أتى شاب لخطبتي امتنعت وكنت اخترع الأعذار وعندما يذهب أجهش بالبكاء والنحيب وها أنا الآن بعمر الأربعين ولم أتزوج وبقيت البقع البيضاء معي رفيقتي كظلي، ولكن ما الذي جنيت فقدت عمري بلا معنى فالكثير من أقراني تزوجن ولديهن عائلة وأزواج والعمر يمضي على كل حال، والآن وبعد كل هذه المدة يعتصر قلبي ندما وحسرة لما فعلته في نفسي خسرت كل شيء من أجل لا شيء، وأخيراً عرفت السبب وراء هذا فعلى الانسان دائما أن ينظر للجزء الايجابي من الحياة ويتعلم من سلبياتها لا أن يغرق نفسه في متاهات التشاؤم.. أن ينظر الى النصف الممتلئ من الكأس وليس للنصف الفارغ، فالحياة جميلة تستحق أن نعيشها.. لكن بالطريق الصحيحة لا أن نشوهها ونحكم عليها بناء على مشاهداتنا ومعاناتنا الخاصة، فالأمل دائما موجود والفشل رفيق النجاح دائما هناك شيء أبيض يقابله شيء أسود، وحري بنا أن نواجه الامور كما هي ونتكيف مع كل شيء بالطريقة المناسبة فعندما تحقق شيئا تخسر شيئا والشاطر يتعلم من أخطاء الاخرين.
أنصح كل بنات جنسي بعدم اقتراف ما اقترفت والاستفادة من الحياة وعيش حلوها ومرها وان يجعلن لحياتهن معنى وأن لا يترددن أبداً بالزواج فقد تحظى كل منحن بالرجل المناسب يوما ما فالمضمون (جوهر الإنسان) هو الاهم والشكل.. آه من الشكل لا معنى له.
|