** مساء الأحد.. كان هناك حشد فكري أدبي صحفي.. جمع أهل الثقافة كلهم.. في تكريم واحد من أبرزهم وألمعهم على الساحة.. وواحد من الفرسان الذين صالوا وجالوا في الساحة وملؤوها عطاء وإبداعاً وحضوراً متميزاً.
** أسرة آل إدريس.. كرمت واحداً من أفراد أسرتها.. ورائداً من رواد الثقافة في البلاد.. بل في الوطن العربي كله.
** الأديب الكبير عبدالله بن إدريس.. كان هو ضيف الاحتفاء.. وكان أبو عبدالعزيز كعادته.. ينثر ابتسامته هنا وهناك.. وكان يرحب بالجميع فرداً فرداً.. وكان بالفعل.. نجم الحفل «كما يقول الفنانون».
** وأبو عبدالعزيز.. لم يكن نجم الحفل يوم أمس فقط.. بل كان نجم الساحة لسنوات وسنوات.. وما زال هذا النجم في أوج عطائه وإبداعاته وتحليقه.. وميادين الإبداع خير شاهد.
** أبو عبدالعزيز.. لم يكن مجرد صحفي أو شاعر أو أديب أو مثقف أو لغوي أو مفكر.. بل كان ذلك كله..
** شخص متعدد المواهب.. ملأ الساحة لسنوات في كل تلك الاتجاهات.
** فنحن كصحفيين.. عايشنا عطاءه في ميدان الصحافة مع بدايات جريدة الدعوة.. بل قبل ذلك..
** لقد كان وراء وجود هذه الصحيفة المتميزة الرائعة.. والتي تحولت إلى مجلة بعد سنوات.. فصنع مشروعاً صحفياً مختلفاً.. واستطاع خطف الأضواء آنذاك من الصحف الأخرى.
** شدَّ الناس لصحيفته.. ونافس بقوة.. وكان وراء وجود مشروع صحفي ناجح..
** بدأ بقوة.. وشهدت «الدعوة» عصرها الذهبي في عهده.. بل على يديه.. ولم تشهد «الدعوة» في سني عمرها الطويل فترة ذهبية كتلك.. فهذا على الأقل.. رأيي..
** لقد عايشنا تلك الفترة.. مع أنها بدايات تشوبها الصعاب والمتاعب وضعف الامكانات وندرة الكوادر.. لكن «أبو عبدالعزيز» كمبدع وموهوب وإنسان نشط لا يعرف «التثاؤب» كان وراء جريدة ينتظرها القارئ كل اثنين على أحر من الجمر.
** كانت افتتاحيات الجريدة التي يكتبها ويوقعها باسمه.. تتناقلها وكالات الأنباء.. لأنها كانت تحمل كلاماً مهماً قوياً «من فئة الوزن الثقيل» ولأنها كانت تتابع الأوضاع والأحداث بدقة متناهية.. وتقدم لها تحليلاً متكاملاً.. ولأنها تحمل رؤية ناضجة وطرحاً جريئاً.
** لقد تعاملت مع «أبو عبدالعزيز» آنذاك.. وكان نعم الصديق والزميل والأستاذ والموجه.. وكان يعشق الإبداع والمبدعين.. وكان يوم الصدور يسكن الجريدة حتى يتسلم العدد في يده.. ثم يخرج إلى منزله وكله سعادة.. وكان القراء يتخاطفونها.. وكانت ميداناً لحوارات ونقاشات شرعية وفكرية وأدبية واجتماعية وسياسية ورياضية واقتصادية.. وكانت ملتقى أسبوعياً يبحث عنه كل عشاق الثقافة.
** وكان لأبي عبدالعزيز بصمات لا تنسى ولا تغيب في النادي الأدبي.. حيث استلم النادي في وضع كلنا يعرفه.. وحوَّله إلى جامعة ثقافية كبرى.
** استقطب الأدباء والمفكرين والنقاد وسائر المثقفين.. ومنحهم الفرصة للإبداع والعطاء.. فكانت المحاضرات والندوات والأمسيات والنشرات والمجلات والكتب والملفات الثقافية الثقيلة التي لا تنقطع.
** استقطب كل المشارب والاتجاهات.. وأعلن أن النادي ملك للجميع.. وسخر كل امكانات النادي لأولئك المبدعين.. فنشأ أشبال الأدب في ردهات النادي وحلَّق شيوخ الأدب في منابر النادي.. وأعطى النادي على يديه.. عطاءات متواصلة في كل اتجاه.. وملأ الساحة بيانبيعه العذبة واستحق تقدير الجميع.
** حتى الذين هاجموا النادي.. اكتشفوا خطأهم سابقاً ولاحقاً.. ومع ذلك.. كانوا محل محبة وتقدير أبو عبدالعزيز كعادته.
** وكان لأبي عبدالعزيز مطارحاته ومعاركه الأدبية المشهورة.. وكان له حواراته ومناقشاته فأبدع فيها..
** وكان فارساً من فرسان الشعر.. وأنشد في كل المناسبات.. وأصدر الدواوين وقدم شعراً لا يقدر عليه غير الفحول من الشعراء.
** وكان ناقداً يملك ملكة النقد وأدواته.. وكان كاتباً يحمل قلماً سيالاً.. واشتهر بكتاباته العميقة المتميزة المتزنة.
** هذا شيء عن أديبنا الكبير.. وإلا.. هو فوق ذلك كله.
** يوم أمس.. كرم هذا الأديب الكبير.. وكم كنا نحن الحضور سعداء بهذا التكريم.. لأننا نشعر أنه قُدِّم لإنسان يستحق أكثر من ذلك.
** لقد كنا يوم أمس.. كلنا أسرة «آل إدريس» وكنت أهمُّ بحمل هدية لأقدمها لهذا النجم المبدع.. لكني شعرت أنها أقل من قدره ومكانته.. فاستحييت قبل أن أدخل بها..
** نعم.. كلنا نكرم ابن إدريس.. فهو أستاذ الجميع.
|