Monday 9th june,2003 11211العدد الأثنين 9 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لمصلحة من؟! لمصلحة من؟!
د. عبدالعزيز بن عبدالرحمن الدهش(*)

لمصلحة من؟!
سؤال يوجهه كل عاقل..
وينبغي أن يجيب عليه كل
عاقل..
سؤال أوجهه لنفسي
وللجميع..
ولهذا فإن بداية مقالي لا تغني عن آخره..
إن كل عمل مقصود لا بد له من هدف
واضح ومحدد..
وفجيعتنا.. نعم فجيعتنا في الرياض عمل
مقصود..
وقد تكرر من قبل.. وسمعنا تبريرات غير
مقبولة.. وامتلأت آذاننا بتعليقات غير
معقولة..
لكن ما حصل اليوم أشد وأعنف وأخطر..
لا من حيث حجمه وخسائره المادية
والبشرية فحسب..
بل من حيث خسائره الشرعية التي تشمل
المصالح العامة والخاصة..
وخسائره السياسية التي تشمل الوطن
والمجتمع والأمة..
وخسائره الاجتماعية والأمنية التي تحرم
المجتمع فرصة الاستقرار والنمو..
ولذا نسأل مرة أخرى ونقول:
لمصلحة من هذا الاعتداء..؟
لمصلحة من قتل الأبرياء من مواطنين أو
معاهدين..؟
لمصلحة من خلط الأوراق في هذا الظرف
الحساس..؟
لمصلحة من إعطاء مزيد من المبررات
لاتهامنا برعاية الإرهاب وتبني الاعتداء..؟
لمصلحة من صنع مزيد من المسوغات
للهيمنة الغربية على بلاد الإسلام..؟
لمصلحة من تعريض أعراض الصالحين
الأبرياء للانتهاك..؟
وتعريض المؤسسات الشرعية
والإصلاحية والخيرية للمضايقة والتحجيم..؟
لمصلحة من تسويغ وضع سياستنا
التعليمية ومناهجنا ومعلمينا في قفص الاتهام
على أنها تنبت الإرهاب..؟
لمصلحة من تسويق بضاعة من في نفسه
مرض..؟
لمصلحة من استعداء السلطة.. وزرع
الكراهية عند الناس ضد شرائح معينة من
المجتمع.. وأخطر منه توفير المناخ لمن يصطاد
في الماء العكر..
أو لمن يتصيد الفرص للوقوع في الدعاة
والمصلحين.. وتعريضهم للتقييم والتصنيف
من قبل من قد لا تقبل شهادته..؟ فيعمم تلك
السلوكات على الجميع..
أيها الاخوة الفضلاء..
لنفكر بمنطق المعتدين..
ولنبحث عن تبريرهم الشرعي من الكتاب
الصريح والسنة الصحيحة أو حتى المصلحة
السياسية أو الوطنية لما يفعلون.. دون ليّ
لأعناق النصوص، أو تحميلها ما لا تحتمل، أو
وضعها في غير موضعها..
قدوتنا رسول الله صلى الله عليه وسلم
كان خير الناس.
وكان المبلغ عن رب الناس..
وكان يجاهد في الله حق جهاده..
لكنه عليه الصلاة والسلام جاهد وقت
الجهاد.. وسالم وقت السلم..
وأغلظ للكافرين والمنافقين لما كانت الغلظة
أجدى.. وهادن لما كانت السياسة أولى..
لم يكن صلى الله عليه وسلم مفرطاً في
دينه.. ولا راضياً الدنية فيه..
ولما بنى الرسول صلى الله عليه وسلم
الدولة في المدينة النبوية بدأ بثلاثة أعمال
عظيمة..
أولها: بناء المسجد ليكون قاعدة التجمع
والانطلاق والتوجيه والتربية للمجتمع
المسلم.. وثانيها: المؤاخاة بين المهاجرين
والأنصار لبناء المجتمع الجديد وصهره في
بوتقة واحدة لتذوب فوارقه.
وثالثها: عقد المعاهدات بينه وبين فئات
المجتمع الأخرى من غير المسلمين..
وكان بإمكانه بعد قوته نقض العهد..
أو تسليط ذوي الحماس من الصحابة على
المخالفين من المعاهدين..
لكنه صلى الله عليه وسلم لا يربي أصحابه
على العواطف فقط..
بل على المبادئ والقيم القائمة على
السياسة الشرعية والتوجيهات الإلهية..
فرأينا أدلة متكاثرة تحترم حق المعاهد..
وأدلة متضافرة تحرم دم الإنسان - أي
إنسان - دون وجه حق..
بل رأينا عدم جواز المحاسبة على النيات
لأن مردها إلى الله عز وجل..
ومرة ثالثة: لمصلحة من تصعيد التوتر..
وإعلان الحرب..
هل يعتقد هؤلاء أن فعلهم ينكأ العدو.. أم
يزيد دافعيته للاعتداء..
هل يعتقدون أن الاعتداء يخدم الدعوة.. أم
يلقي بظلال مزعجة على المخلصين فيها..
وهل يظن من وراء هذا العمل أن إضعاف
الدولة بإضعاف الثقة في ضبطها للأمن يحقق
أهدافاً إيجابية.. أم أنه يصرف جزءاً مهماً من
جهدها الذي كان يفترض أن يحارب الفساد
الخلقي والسلوكي، ويحارب مروجي
المخدرات ومسوقي التحلل..
وقبل أن أختم.. أعود وأسأل كل من تحمس
للتعليق.. وأخذته العاطفة..
فأقول..
العدل.. العدل..
لا تكن الحادثة - على عظمها - مدعاة
لتصفية حسابات..
أو فرصة لشفاء غيظ..
أو تعدياً على حدود الله.. أو محاكمة
لأحكامه الثابتة في الكتاب والسنة..
فليس في ديننا الحق ما نخجل منه.. أو
يمكن إعادة النظر فيه.. أو ما نتمنى عدم
صدقه.. لأنه - فقط - لم يتفق مع عقلنا
القاصر.. وقدراتنا البشرية..
بل الواجب إعادة النظر في أفهامنا..
وتطبيقاتنا للإسلام..
فعقلنا مع عظمته.. حاسة من الحواس.. لها
مداها وحدها.. وقد لا ندرك «كل» حكم
التشريع..
والله غالب على أمره.. ولكن أكثر الناس لا
يعلمون..
حفظ الله بلادنا وبلاد المسلمين من كل
كائد.. ووقاها شر كل حاسد..
وحفظ للبلاد دينها وعلماءها وقادتها
المخلصين.. وأبناءها الصالحين المصلحين..
ورد الجميع للحق والهدى..
إنه خير مسؤول.

(*) الأمين العام لإدارات التربية والتعليم

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved