في أكثر البلدان حينما تصل إليها من خلال مطاراتها أو أسواقها فإن غالباً ما تشاهد وتبدأ التعرف عليه، هو أشكال وألوان أبناء ذلك البلد أو البلدان التي قدمت إليها، إلا أن الأمر يختلف في بلادنا تماماً، فالقادم إلى بلدنا حينما يصل إليها، يندر أن يشاهد ابن البلد، خصوصا إذا اتجه إلى أسواق تجارية أو أغلب قطاعات الأعمال، وتأكيداً لذلك، فقد حدثني أحد الأصدقاء السعوديين الذي كان قد زار لتوه سوق البطحاء بمدينة الرياض، أحد أقدم الأسواق التجارية والتسويقية في المملكة، ناقلاً إليّ ما رآه حينما كان هناك عصر يوم جمعة، قائلاً: لقد دهشت وذهلت بما شاهدته، فقلت له ماذا شاهدت ورأيت؟ فقال كنت في سوق البطحاء، ذلك السوق الضخم بمرتاديه، قبل أن يكون ضخماً بمبانيه وطرقاته التي تحولت إلى أكوام بشرية، لا تجد فيها أو بينها طريقاً سالكاً لك، مردفاً هذا الصديق قائلاً، لقد رأيت أشكالاً وألواناً من البشر، يغص بها هذا السوق، لا يحصيها إلا خالقها، ولم أر المواطن بينها، سواء أنا وصديق لي كان يرافقني، وكأني وقتها أعيش في بلد الغربة، ويتذكر قائلاً: إنني ذات مرة كنت في مدينة بومباي الهندية وأحسست آنذاك أنني أرى المواطن السعودي أما هنا فلم أجده، وكان يسألني هذا الصديق قائلاً: إلى هذا الحد بلدنا يحتضن هذا الكم الكبير من الوافدين، وما هي يا ترى واجباتهم وأدوارهم في بلادنا، فقلت له مجيباً، إنك لم تر أو تلاحظ سوى نقطة في بحر عمالي، وهذا البحر مطوق للبلاد من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها، داخل هذه البلاد الكبيرة والمترامية الأطراف، الصغيرة في سكانها الوطنيين، مقارنة بما هو مفترض أن يكون من توازن سكاني واجب التطبيق بين المواطنين والأجانب في أي بلد، وذكرت له أن جل الأسباب التي أدت إلى مشاهدتك هذا التعداد الضخم من الوافدين، هو الاستقدام غير المقنن، والاستقدام من غير الحاجة، والتأكيد على ذلك، أن حاجة القطاع التجاري لا يتجاوز ستمائة ألف وافد، والصناعي لا يتجاوز مائتين وستين ألف وافد، والبناء والصيانة لا يفترض أن يتجاوز المليون، والتعليم يفترض ألا يتجاوز مئة ألف، وخدم المنازل يفترض أيضاً ألا يتجاوز المليون لوحده، وجميعهم مجتمعون يفترض ألا يصل تعدادهم أربعة ملايين ونصف المليون وافد كحد أقصى، في حين أن بلادنا تحتضن أكثر من ثمانية ملايين وافد، وربما يزيد إذا كنا دقيقين في تعداد عوائلهم والزيارات العائلية والتجارية التي هي الأخرى أصبحت تشكل في غالبية ظاهرها طابع الاستقدام من أجل العمل، والذي ربما تكون حصيلته هو الآخر في حدود 7% سنوياً من العدد الإجمالي للوافدين لدينا، حتى أصبح ذاك العدد الفائض من الوافدين مشكلاً لدينا بطالة بكافة فئاتها، وبعد هذا كله علينا جميعاً أن نعرف أن جل أسباب وجود الوافدين بهذه الكثرة، وبأعداد لا يستفاد من نسبة كبيرة منها، هو الاستقدام العشوائي، والاستقدام لغير حاجة، أي لمنفعة الآخر، واستقدام لمصالح فردية بين الوافد والمواطن، وكل هذه الأفعال مردها الضرر المطلق على مصالح بلادنا الأمنية في الدرجة الأولى ثم الاجتماعية والاقتصادية، فلا بد من إعادة هيكلة جديدة لسوق العمل، تفادياً لحدوث ظواهر أغلبها تشكل والبعض الآخر في طريقه للتشكيل نحو منظومة غير محببة للوطن، وتضره ولا تنفعه، بدءاً من إيجاد وافدين يشكلون طابع الهجرة المستديمة في البلاد، وانتهاء بعدم منح فرصة عمل للمواطن، مروراً بقضايا أمنية تحدث بين وقت وآخر تهدد أمن وسلامة واستقرار الوطن، حيث التزايد المطلق في التركيبة السكانية خصوصاً الوافد منها وتعدد الديانات والانتماءات العرقية، يمثل قضية اجتماعية تنذر بالخطر إذا لم تواجه بحزم وتعالج بفاعلية مطلوبة.
(*) الباحث في شؤون الموارد البشرية
|