* دمشق - الجزيرة - عبد الكريم العفنان:
خريطة الطريق لا تشكل أزمة للسياسة السورية، لأن الرهان الأساسي لدبلوماسيتها مرتبط بقدرة أي طرف على تغيير الواقع الذي أفرزته الانتفاضة، فرغم إدراك دمشق للوضع الإقليمي بعد الحرب على العراق، لكنها تعتبر أن مسألة السلام في الشرق الأوسط أعقد من العمليات العسكرية، أو الانتصار الذي حققته الولايات المتحدة في العراق، فالحسم العسكري ليس مسألة صعبة بالنسبة لقوة عظمى حسب مصدر سوري مطلع، ولكن إيجاد ترتيب سياسي يضمن الاستقرار هو الأساس.
ويؤكد المصدر أن اقتراب بحث الكونغرس لقانون محاسبة سورية يوضح أن الترتيب الأمريكي ما زال غائما، ويحاول استثمار النتائج السريعة والمباشرة لوجوده العسكري المباشر في المنطقة.
وقال المصدر في حديث مع الجزيرة إن الموقف السوري من خارطة الطريق لا ينظر الى الإجراءات التي حملتها الخطة، فهذه الخارطة يتم تقييمها وفق مفهومها للسلام الشامل.
وما يجري اليوم ليس نتيجة جهود خاصة بالسلام بل هو انعكاس مباشر لنتائج الحرب والوضعية التي وصلت إليها الشرعية الدولية.
وأكد المصدر أن الحملة المكثفة ضد سورية منذ نهاية الحرب لم تعط نتائج واضحة، ولم تترك أثرها أيضا على السياسة الأمريكية، لذلك فإن قمتي شرم الشيخ والعقبة أثارتا زوابع سياسية أكثر من التهدئة المطلوبة لأي استقرار مستقبلي، معتبرا أن دمشق تعتبر استبعاد اوروبا من التحرك الدبلوماسي الأخير، يعكس رغبة أمريكية وإسرائيلية كي لا يتم إفساد الأجواء التي تعمل لتأسيس دولة يهودية، رغم وجود أكثر من مليون عربي هم بحكم القانون مواطنون في «الدولة العبرية»، وهم أساسا من المواطنين الفلسطينيين الأصليين.
فالغياب الأوروبي حسب نفس المصدر، وخصوصا رئيس الوزراء البريطاني وقادة «الرباعية» التي عملت جاهدة لإنجاز الخارطة، هو نتيجة لعدم التوافق الدولي من مسألة الشرق الأوسط، ولأن إسرائيل والولايات المتحدة تسعيان لتحديد كافة الأمور الحقوقية والجغرافية والمستقبلية لهذه المنطقة. كما رأى المصدر أن سورية لا تجد في حضور القمتين سوى قبول بهذه الرؤية الأمريكية.
واعتبر المصدر أن بعض التصريحات العربية في شرم الشيخ والعقبة قدمت ما رفض الأوروبيون والعالم، وذلك لقاء وعد مبهم بدولة فلسطينية تعمل على تحقيق الازدهار لإسرائيل حسب تأكيدات شارون، فقمتا شرم الشيخ والعقبة حققتا شيئا خارجا عن قاعدة السلام وعبَّر عنه الرئيس بوش «بأشياء تاريخية ومذهلة».
وركَّز المصدر أن هذه «الأشياء» لا تتجاوز سوى إعادة صياغة العلاقات الإقليمية من خلال تقديم أرضية لشرعنة الاحتلال من جديد. فما قاله الرئيس بوش بأن هناك الكثير من العمل الذي يجب فعله، و«ان التركيز يجب ان ينصب مئة بالمئة على مكافحة الارهاب»، لا يمكن فهمه خارج هذا الإطار لأن إرهاب الدولة الإسرائيلي بقي بعيدا عن الانتقاد، واعتبر أن استهداف أي إسرائيلي إرهابا، كما شدد المصدر على مطالبة الرئيس بوش العرب بإدراك الواقع الجديد، لأن مثل هذه المطالبة لا تحمل قلق دمشق فقط، بل كل النظام العربي، الذي يجب أن يبني إستراتجيته وفقا للتوجهات الأمريكية الحالية.
وأوضح المصدر أن دمشق تنظر لقمتي شرم الشيخ والعقبة على أنهما حققتا لإسرائيل ما رفض العالم برمته قبوله. فالمعاناة الفلسطينية حذفت تماما من خطاب رئيس وزراء فلسطيني الذي اعتبر «استهداف الإسرائيليين إرهابا ومنافيا لتراثنا الأخلاقي والديني». في وقت صمت عن استهداف الجيش الإسرائيلي للأطفال والنساء المدنيين الفلسطينيين، كما صمت عن تدمير المنازل وجرف وقضم الأراضي الزراعية.
فهذه المعاناة كما قال المصدر تحدث عنها العالم برمته، كما كتبت عنها الصحف الإسرائيلية ذاتها. وهو ما يستدعي اليوم إعادة النظر ليس لخريطة الطريق كشأن يعني الفلسطينيين بل لسياسة النظام العربي في تعامله مع السياسة الأمريكية الحالية.
|