يقال إن ليس كل بيضاء شحمة وليس كل مظهر جميل دليل على جوهر حسن النية ولهذا فالأمر بعد هذه الأحداث يحتاج إلى تعقل وبحث وتحر عند اختيارنا للصحبة الصالحة لأبنائنا قبل أن تقع الفأس في الرأس ونجد أنهم في مأزق لا علاقة لهم به وإنما جاء نتيجة لتساهلنا ووضعنا الثقة في من أعجبنا ببيانه وهيئته وهندامه ولكل منا في هذا الواقع حكايته وموقفه مع أصحاب تلك المظاهر مررنا وغيرنا بما يشبهها أو يماثلها في أسلوب التطبيق، إذ كان لأحد الأصدقاء ابن في المرحلة المتوسطة قبل سنوات مضت في فترته المبكرة الغضة في الفكر وفي المعرفة كالريشة قابلة لما تمليه عليها أي نسمة فكرية صادقة أو ريح عاصفة تدخله في أتونها وكان صديقنا يطمع في أن يكون لابنه صحبة صالحة جميلة وصادقة تفتح له مساحة من التعرف على الآخرين وتعينه على بناء شخصيته عبر العلاقات الاجتماعية الصغيرة التي ستكبر معه ليصبح هو ومن معه جيل المستقبل.
أبلغه ابنه أن هناك مجموعة من الأصدقاء بعضهم من زملائه في المدرسة وآخرون من الحي ومن أحياء أخرى يجتمعون يتذاكرون ما درسوه وما تلقوه من علوم في المدرسة مضيفين عليه ما ينفعهم في دينهم ودنياهم، مضفياً ذلك الابن على تلك المجموعة الكثير من المديح حتى جعل والده يقتنع مبدئياً بالفكرة.
ثم مضت الأيام دون أي جديد إلا أن الوالد شعر في وقت لاحق بأن ابنه بدأ يوجه بقية أفراد الأسرة والدته وإخوته بأوامر فيها الكثير من التشدد الذي لا يتناسب مع فهمه وعمره الزمني حتى وصل به الأمر إلى التهديد في حال عدم تنفيذها بالهروب من المنزل مع أن أسرة الصديق أسرة متمسكة بكل ما يرضي الله، حاول الأب أن يقنع ابنه بكيفية التفاهم وحاول أن يستفهم عن مصادر التوجيه فكانت إجابة الصغير أنها من رئيس المجموعة أو من المسؤول عنهم لا يذكر الصفة إلا أن الأب فهم أن هناك من يحرك الأطراف أو الأعضاء عن بعد فداخله الشك وبدأ التحري وحينما شعروا أو شعر من كان خلف تلك الأوامر بالرقابة تنصل وابتعد فتفرق شمل البقية مما دفع الأب للاستفسار من ابنه عن ما يتم في تلك المجموعة فكانت إجابته مقرونة بالتعجب من كثير مما كان يحدث وكأنه قد آفاق من غيبوبة أو من تخدير، قائلاً لوالده، لقد كنا في أحسن حال وكانت مجموعة أصدقائي في حميمية ومحبة إلى أن شعرنا بتوجيهات تتردد على ألسنة البعض تجد القبول والتأييد من البعض الآخر وكان دورنا التنفيذ ابتداء من توجيه الأسرة وتصحيح أخطائها حتى ولو وصل الأمر للخروج على طاعة الوالدين متجاهلين ما يعنيه هذا التصرف من نتائج ما دام الأمر في طاعة الله هنا شعر الأب بأنه في حاجة إلى إجراء تأهيل حقيقي لإعادة ابنه إلى مستوى وعيه وإدراكه حتى لا يغرق فيما لا يفهم وما زال مبكراً للعوم فيه فلجأ إلى قريب له متخصص في العلوم الشرعية ومعلم لها فكان له دور كبير في إفهام الصغير بما له وما عليه وما يجب أن يكون بأسلوب عصري جامع ونافع ومفيد عاد بعدها الصغير إلى من أصبح يثق بهم وعاش سعيداً معهم ومع أسرته حتى أصبح اليوم هو ومن كان معه رجالاً أسوياء نافعين لدينهم ووطنهم.
هنا انتهت حكاية صديقي وهنا نؤكد أن ليس كل مجتهد مصيب، وعلينا أن نوظِّف الأعين والآذان وأن نفتح باب الحوار بيننا وبين أبنائنا وأن نكون معهم على الخير ونرشدهم له ونقيهم شرور من يخفي الشرور.
|