Monday 9th june,2003 11211العدد الأثنين 9 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

ثقافة الاختلاف ثقافة الاختلاف
د. عبدالرحمن الحبيب

الاختلاف الفكري بين البشر هو طبيعة جوهرية في السلوك البشري، نظراً لاختلاف المصالح والقناعات والمهام والتربية والتنشئة الاجتماعية.. الخ. بل كثيراً ما يحدث أن يبدل ذات المرء أفكاره وفقاً لتبدل حالات وظروف مختلفة، والتغيير في وجهة النظر في هذه الحالة هو اختلاف مع الذات في حالتها الماضية. فاذا كان الفرد يتيح لنفسه فرصة التغيير في وجهة النظر فحري به أن يحترم وجهات نظر الآخرين المختلفة مع فكره. وطبيعة الاختلاف نفعها أوسع من ضرها اذا روعيت الانظمة والقوانين المنظمة للاختلاف والمهتمة بالمنافع العامة وبحقوق فكر الأقليات. وعلى النقيض، فان قمع افكار الآخرين لن يمنع من ظهورها، فهي ستتراكم في الخفاء لتظهر ثانية في صور شتى، سلبية كانت كالتطرف او إيجابية كالرغبة في الحوار والإصلاح.
ان اتاحة المجال للفكرة المخالفة لا يعني كرماً إنسانياً او مثالياً من الطرف المسيطر بقدر ما يعني ضرورة اتاحة الفرصة للجميع لبناء المجتمع وتسييره في الاتجاه المناسب.. انها المشاركة في تسويغ فكرة او منهج ما يتحمله الجميع او الاغلبية، ومن ثم فان مسؤولية الخطأ تقع على هذه الاغلبية، وهي في ذات الوقت افساح المجال لفكرة او منهج آخر قد ينجح حين يفشل الطرف المسيطر.. فتنوع الآراء هو اثراء لاصحاب القرار كي يختاروا الفكرة الانفع، وهو في ذات الوقت افساح المجال لتبني فكرة اخرى حال فشل الفكرة المستخدمة.. مما يعني فتح المجال لنظريات ابداعية قد تسفع وقت الحاجة. فتنوع الآراء ليس ترفاً بقدر ماهو تنويع للخيارات المصيرية!!
إن الغاء فكر او قناعات مجموعة او فئات تشكل أقلية في المجتمع يعني إلغاء فرصة الحوار الذي ينبثق منه النور، ويعني اضطهاد فئات مهمة في المجتمع رغم اقليتها، ويعني تكريساً لازمة دون حلها، وسواء كانت هذه الاقلية عدداًً نوعاً فئة اجتماعية «طائفية او قبلية او اقليمية او حتى فقيرة اقتصاديا» او فئة ثقافية مستجدة داخل المجتمع، فان شطبها من القاموس الفكري يعني انكاراً لفئات مؤثرة في تركيبتنا الاجتماعية واشكالياتنا الحضارية.
نحن في المجتمعات العربية نعاني ازمات حادة. هذه الازمات لن ينفع معها القرارات الفوقية التي تلغي الآخر، لن ينفع معها الانحياز للاغلبية الصامتة «المصمتة» البريئة من تعقيدات المرحلة.. لانهما «الفوقية والاغلبية» في حالة اختناق.. ويحتاجان لمخرج.. يحتاجان لطريقة جديدة للتعامل مع الاحداث المستجدة.. مما يعني مراجعة شاملة لكل ما تصنعه القرارات الفوقية ومشاعر الاغلبية.. انها تعني فتح باب الحوار بين المتخاصمين، والاصلاح الثقافي والفكري.
وأثناء الاصلاح ومن اجله نحن نحتاج للتصالح!! التصالح بين مفكرين متخالفين يخونون او يكفرون بعضهم بعضا. نحن نحتاج لثقافة الاختلاف.. وثقافة الاختلاف هي تثاقف بين المختلفين.. ثقافة التصالح مع المختلفين.. ان ندرك ان الاختلاف ظاهرة طبيعية وصحية ايضا.. فالاختلاف لا يعني الخصومة، ناهيك أن يعني العداء واستخدام العنف المعنوي او المادي تجاه الآخر.. الاختلاف هو غالباً فرز لتفاوت في الرأي وفي القناعات وفي المصالح الفئوية.. وتلك امور متاح فيها الحوار لا التناحر.
نحن نعيش في ازمة شاملة، مما يعني ان هناك معوقات حضارية مسببة لتلك الازمة، وذلك يتطلب انتقاداً شاملاً ومراجعة عامة لما هو اصيل في الوضع الراهن، وذلك مرتبط بكل ما نعيشه من اوضاع تراكمت من مراحل سابقة لصالح نزعة ماضوية تغيب لغة العقل.. فلنختلف يا صاحبي على كل شيء، لكننا لن نختلف على حبنا لوطننا.. أرضنا وأهلنا.. من إحدى مصائبنا ان بعضنا يكره الخصوم اكثر من حبه للاصدقاء.. يحقد على الآخرين وافكارهم المخالفة له أكثر من حبه لنفسه وافكاره.. ثمة من يحارب عقائد الآخرين اكثر من ان يبني عقيدته.. ثمة من يكره امريكا اكثر من حبه لبلاده.. وهناك من يلعن الظلام ولا يضيء شمعة لأهله.. نحن نحتاج لصناعة حب انفسنا قبل أن نكره الآخرين.. نحتاج للاصلاح في ذواتنا قبل أن نطالب الآخرين بإصلاح أنفسهم..

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved