على غرار قولهم ادارياً «إذا أردت أن تفشل قرار فأحله إلى لجنة» أقول إذا أردت أن تعقد مشكلة فعرضها لمشارط التنظير..، وكلمة التنظير هنا مترجمة عن اللغة الإنجليزية Theorizing وتعني علمياً الربط بين الأسباب والنتائج والعلل والمعلولات وذلك لغرض الكشف عن ماهية المشكلة فيما لو كنا بها جاهلين أو لهدف تبيانها وبرهنة ذلك للآخرين في حال كنا على علم بها، ومن الأسباب التي تجعل من التنظير عامل تعقيد للمشكلات المراد حلها حقيقة أنه - أقصد التنظير - عوم في مناطق ما وراء- أو ما أمام- الحقيقة المراد تبيانها، فالتنظير -خارج نطاقه المحدد- تجديف أبعد ما يكون عن الواقع وغوص في سراديب المثالية والانتقائية بعيداً عن الواقع المطبق، ولمثل هذه الأسباب أصبحت كلمة التنظير مفردة «شباب!» في قاموسنا العصري، ويكفينا ما في الاشارة إلى التنظير الأكاديمي من تحقير بوصفه ينهل من برج عاجي ويعيش في واقع ليس له صلة بواقعه المعاش.
فالتنظير مشتق من النظر إلى الشيء والنظر في مثل هذه الحالة يختلف -كما أذكر أن قرأت للعالم نيتشه- عن الرؤية إلى هذ الشيء ، من حيث ان الرؤية إلى الشيء تكون إلى ما نصنعه نحن فيه في حين ان النظر إليه يشير إلى ما صنعه أو يصنعه فينا أو لنا هذا الشيء، وبالطبع فما لم يصاحب النظر إلى الشيء رؤية يظل النظر- كما الرؤية- قاصرين عن تحقيق المراد منهما. بكل تأكيد هناك على ما سبق ذكره العديد من الأمثلة التطبيقية من واقعنا المعاش، وما عليكم في هذا المنحى سوى استعراض موضوعات الساعة كالسعودة والبطالة وظواهر الديموغرافيا.. الخ لتروا كيف أن هذه الظواهر تسير في واد وحلولها التنظيرية تسير في واد آخر، بل لتروا أيضا كيف يتم التعامل العلمي مع مثل هذه الظواهر بمعزل عن بعضها الآخر وكأنه لا يربطها رابط نفسي أو يجمعها قاسم اجتماعي أو يوحد بينها مشترك ثقافي.
ختاماً تنظير الشيء من شأنه أن يحجب النظر إلى كافة ابعاده وهنا فقد نقتصر على النظر إلى ما صنعه فينا هذا الشيء مغفلين بالتالي ما نصنعه نحن فيه.. أما مسمى مثل هذه الحالة فبالأحرى مسميات.. أقربها إلى الذهن ما يعرف ب «أنصاف الحلول».
|