* عمان الجزيرة خاص:
قال الدكتور جاسم المناعي رئيس مجلس الادارة والمدير العام لصندوق النقد العربي ان من اهم المتغيرات الاقتصادية المتوقعة في اعقاب الحرب على العراق هو ما سينعكس على شكل صناعة النفط العربية، اذ لا شك ان تغير وضع قطاع النفط في العراق سوف يؤثر بشكل هام على صناعة النفط العربية ان لم نقل العالمية وذلك بسبب توفر الاحتياطات النفطية الكبيرة في العراق حيث ان العراق يحتوي على ثاني اكبر احتياطي نفطي في العالم بعد المملكة العربية السعودية.ويبلغ الاحتياطي المقدر حتى الآن بحوالي 112 مليار برميل قد يكون اقل من المخزون الحقيقي نظرا لعدم اجراء استكشافات نفطية جديدة خلال فترة ليست قصيرة من الزمن، ان اهم المتغيرات على صعيد هذا القطاع هو توجه العراق الى زيادة طاقته الانتاجية بشكل كبير، وهذا التوجه مبرر من ناحيتين، اولا الحاجة الى ضخ اكبر كمية من البترول للحصول على ايرادات مالية هو في اشد الحاجة اليها لاعادة الاعمار ولتسديد ديونه الكبيرة، ثانيا لتعويض الفترة التي كانت حصته فيها من الانتاج والتصدير اقل مما يستحقه وذلك نظرا لضعف صناعة النفط في المرحلة السابقة بسبب الحصار ونقص التطوير.
انتاج النفط العراقي
واضاف د. المناعي في ورقة عمل حول التأثيرات المتوقعة لحرب العراق على مسار الاصلاح الاقتصادي في البلدان العربية قدمها خلال المؤتمر التاسع للاستثمار الذي عقد في بيروت مؤخرا، ان زيادة انتاج العراق يمكن ان تصل خلال السنوات القليلة القادمة الى 6 ملايين برميل يوميا الامر الذي من شأنه زيادة المعروض من النفط في الاسواق العالمية وفي مثل هذه الحالة سوف يجد اعضاء الاوبك الاخرون انهم امام خيارات صعبة، اما قبول تخفيض حصصهم للعراق بزيادة انتاجه وإما عدم القبول بذلك وبالتالي مواجهة فائض في اسواق النفط الامر الذي سوف يضغط على اسعار النفط نحو الانخفاض الى درجة كبيرة، في كلتا الحالتين سوف يفقد كثير من دول الاوبك جزءا هاما من ايراداتها النفطية الامر الذي سوف يحتاج منها الاستعداد لهذا الوضع واجراء الاصلاحات الاقتصادية المطلوبة التي تعمل على التقليل من الاعتماد على النفط وتوسيع القاعدة الانتاجية وتنويعها في اقرب فرصة ممكنة.
اقتصاديات ما بعد الحرب
واوضح المناعي ان اقتصاد العراق يحتاج الى الاصلاح دون تأخير، ولذلك نعتقد بانه لا ينبغي الانتظار حتى يتم الانتهاء من جميع الترتيبات السياسية لكي يتم الالتفات الى الاقتصاد مشيرا الى ان مقابلة الاحتياجات الملحة للسكان ولوضع اساس الاستقرار السياسي والاجتماعي اولوية غير قابلة للتأخير وان حالة البوسنة ما زالت شاهدة للعيان حيث ان اجراءات احلال السلام لم تعر اهتماماً كافياً لاصلاح الاقتصاد الامر الذي جعل البلد يستمر في الاعتماد على المعونات والمساعدات في الوقت الذي تفاقمت عمليات السوق السوداء تحت هيمنة الجريمة المنظمة.
ولحسن الحظ فإن العراق يمتاز عن بقية الدول التي عانت الحروب مثل البوسنة وافغانستان او تيمور الشرقية او روندا حيث يتوفر لديه كميات كبيرة من النفط لكن ذلك يعتمد على كيفية ادارة هذه الثروة النفطية وعلى اية حال فان الاصلاح الاقتصادي في العراق على الرغم من اهمية مباشرته دون تأخير الا انه يجب ان يؤخذ في الاعتبار ضرورة تسلسل وتعاقب اجراءات الاصلاح. ففي الوقت الحاضر ينبغي التركيز على ارساء نظام قضائي فعال ومؤسسات الدولة الضرورية لتيسير الاعمال اليومية بفعالية وكفاءة قبل الشروع في الاصلاح الهيكلي الاكبر مثل الخصخصة وغيرها.
الاولويات والمديونية
واكد رئيس مجلس ادارة صندوق النقد العربي ان من الاصلاحات السياسية الملحة للاقتصاد العراقي هو كيفية ادارة السياسة المالية والسياسة النقدية في فترة ما بعد الحرب مشيرا الى ان التحديات التي ستواجه السياسة المالية ممثلة في ادارة الايرادات والنفقات من الصعب التقليل من اهميتها.فالادارة السليمة للايرادات والنفقات سوف تمثل اهم التحديات في اعادة ترتيب الاوضاع الاقتصادية للعراق وان ادارة الثروة النفطية ستكون في قائمة الاولويات هذا كما ان توفير الخدمات الضرورية بشكل عاجل وبكفاءة عالية خاصة في مجال حفظ الامن والشرطة وتوفير الخدمات الرئيسية وبالذات في مجال الصحة والتعليم.واوضح ان التزامات العراق المالية تجاه الخارج تبلغ في حدود 120 بليون دولار في شكل ديون وحوالي 200 بليون في شكل تعويضات مرتبطة بالحروب التي دخلها العراق. وبالطبع فان العراق لن يتمكن من تسديد جميع هذه الالتزامات المالية حتى ولو رفع من انتاجه النفطي الى ضعفي او ثلاثة اضعاف الانتاج الذي كان ينتجه قبل بداية الحرب. وهناك أمل فيما يخص التعويضات المطالب بها بان يتم اعفاء جزء هام منها ان لم يكن جميعها، حيث ان مثل هذه التعويضات ليس للشعب العراقي ذنب فيها على غرار ما ذكره الاقتصادي المشهور جون مينرد كنز في اعقاب الحرب العالمية الاولى بخصوص التعويضات المطلوبة من المانيا بأن مثل هذه التعويضات ليس للشعب الالماني مسؤولية فيها.اما بخصوص الديون الاخرى فجزء هام منها يمثل فوائد تراكمية ولذلك اذا لم يعف جزء منها فان اعادة جدولتها على فترة زمنية اطول تمثل اضعف الايمان. هذا كما ان استعداد العراق من خلال اعادة الجدولة الى تسديد على الاقل جزء من هذه الديون من شأنه ان يعزز الثقة في مصداقيته على صعيد الاسواق المالية التي سوف يحتاج للتعامل معها إلى فترات طويلة من اعادة البناء والاعمار.
التأثيرات المتوقعة
وكما هو متوقع فان التأثيرات المتوقعة لحرب العراق هو تغير السياسة الاقتصادية المتبعة في العراق والتحول من نظام الاقتصاد الموجه الى نظام اقتصاد السوق الحر. وان مثل هذا التحول في بلد بأهمية العراق يعتبر تحولا هاما على صعيد السياسة الاقتصادية في العالم العربي الامر ا لذي سيعطي زخما كبيرا لاقتصاديات السوق على مستوى الوطن العربي او يقلل من الحالات التي لا زالت تتبع مناهج الاقتصاديات الموجهة.كما انه سوف يؤثر بشكل مباشر او غير مباشر على الدول التي تتعامل مع الاقتصاد العراقي اذ سوف تحتاج هذه الدول الى التأقلم مع السياسات الاقتصادية الجديدة للعراق بدلا من الاعتماد على الاجراءات والاساليب المتبعة قبل تغير الوضع.
واشار المناعي الى ان من التطورات الاقتصادية التي ظهرت في المنطقة على اثر حرب العراق هو اقتراح امريكا مؤخرا لاقامة منطقة تجارة حرة مع دول الشرق الاوسط اذ ان محاولة الاستعداد للاستفادة من الفرص الاستثمارية التي توفرها مرحلة اعادة الاعمار في العراق يمكن ان ترتبط بمدى استعدادنا للدخول في منطقة التجارة الحرة المقترحة مع الولايات المتحدة خاصة وان امريكا سيكون لها دور هام في ادارة كثير من الانشطة الاقتصادية في العراق، بالاضافة الى ان كثيرا من الاستثمارات المتوقعة في العراق سيأتي من خلال شركات امريكية.
|