تبعا لإحصائيات البنك الدولي هناك حوالي 3 ،1 مليار شخص يعيشون بأقل من دولار واحد يومياً. نصف سكان العالم يعيشون بأقل من دولارين يوميا، مقارنة بمعدل 90 دولاراً مثلاً في الولايات المتحدة. فالعالم ما زال يحتوي على عدد كبير من الفقراء، مما يهدد السلام والاستقرار.
هنالك وسيلة وحيدة أكيدة لمحاربة الفقر وتحفيز النمو هي رفع الإنتاجية القطاعية والعامة. لا بد للفجوة بين الدول الغنية والفقيرة من أن تتسع مع الوقت إذا لم تتنبه الدول الفقيرة إلى إنتاجيتها، بل تجعلها تنمو بسرعة أعلى مما يحصل في الدول الغنية. فهل هذا ممكن وكيف يحصل؟ في سنة 1870 وبأسعار سنة 1995م للمقارنة، بلغ الناتج المحلي الإجمالي الفردي الأمريكي 3340 دولار ليبلغ 33300 دولار سنة 2000 أي تضاعف عشرة مرات خلال 130 سنة. هذا يعني أن معدل نمو الناتج الفردي السنوي بلغ حوالي 8 ،1% وهذا جيد جداً. ولو افترضنا على سبيل المثال أن النمو السنوي كان 8 ،0% فقط بدلاً من 8 ،1%، لوصل الناتج الفردي إلى حدود 9450 دولار أي إلى أقل من ثلث قيمته. ولو افترضنا أن النمو السنوي كان في حدود 8 ،2% لوصل الناتج إلى 127 ألف دولار أي حوالي 4 مرات القيمة الحقيقية. إن تراكم النسب السنوية يؤثر كثيراً على مستوى الناتج وبالتالي على الرفاهة الاجتماعية العامة.
تبعاً لدراسات قيمة على 113 دولة قامت بها مجموعة من أساتذة جامعة بنسيلفانيا في فيلادلفيا، تبين أن الناتج المحلي الفردي الحقيقي لسنة 1960 تراوح بين 380 دولاراً في تنزانيا و15 ألف دولار في سويسرا أي فارق 39 مرة. أما في سنة 2000 بعد أن توسعت الدراسة لتشمل 147 دولة، فقد بلغ الناتج المذكور 482 دولاراً في تنزايا و44000 دولار في لوكسمبرغ أي 91 مرة أكبر.
تدل هذه الأرقام، عكس ما يجب أن يكون، على اتساع الفجوة بين الدولة الأكثر غنى والأخرى الأفقر خلال 40 سنة من الزمن. فلو نما الناتج المحلي الفردي في تنزانيا سنوياً حوالي 2% أكثر من الناتج في لوكسمبرغ، لاحتاجت تنزانيا إلى حوالي 200 سنة للحاق بها.
بلغ معدل نسبة النمو العالمية السنوية خلال ال 40 سنة المذكورة حوالي 8 ،1% متراوحة بين معدل انخفاض سنوي قدره 2 ،3% في الكونغو «زائير سابقاً» ونمو إيجابي سنوي قدره 4 ،6% تايوان الصينية. معظم المتخلفين في النمو كانوا في إفريقيا السوداء بالإضافة إلى بعض الدول الأمريكية اللاتينية كنيكاراغوا وبوليفيا وبعض دول منطقة الشرق الأوسط وفي مقدمتها العراق.
أما الدول الأكثر نمواً فكانت سنغافورة «معدل سنوي قدره 2 ،6%»، كوريا الجنوبية «9 ،5%»، بوتسوانا «1 ،5%»، الصين «3 ،4%» وايرلندا «1 ،4%»، والواقع أن الدول الإفريقية بدأت من مستويات منخفضة ونمت بنسب ضئيلة أو سلبية أحياناً مما أخرها نسبياً.أما آسيا، فبدأت من مستويات أعلى قليلاً من إفريقيا لكنها نمت بسرعة مما دفعها إلى مستوى الدول الصناعية. بدأت الدول الأمريكية اللاتينية من مستويات عالية ولكنها نمت بنسبة ضئيلة، فأصبح وضعها كآسيا. يبقى أن الدول الصناعية بدأت في سنة 1960م من مستويات عالية ولكنها نمت نسبياً بمعدلات متوسطة، فبقيت الأغنى ولكن مع فروقات متدنية مقارنة بدول شرق آسيا مثلاً.
ما هو السبب الرئيسي لبقاء الدول الفقيرة فقيرة؟ ما هي السياسات التي يمكن لأية دولة اعتمادها للانتقال من مصاف الدول الفقيرة إلى المتوسطة والغنية؟ الجواب يكمن في اعتماد سياسات اقتصادية اجتماعية تسهل قدوم الاستثمارات وتفعّل الإنتاجية. الحل يكمن في تنفيذ السياسات التي تساهم في رفع مستوى إنتاجية العمل وتسهيل دخول التكنولوجيا واعتمادها. فإذا أخذنا نسبة نمو إنتاجية العمل السنوية في فترة 1991 - 1999م، يتبين لنا أنها وصلت إلى 5 ،5% في دول شرق آسيا، 1 ،2% في الولايات المتحدة 2 ،1% في أوروبا، 7 ،0% في أمريكا اللاتينية، انخفاض سنوي قدره 1 ،0% في الشرق الأوسط وانخفاض قدره 5 ،0% في دول إفريقيا السوداء. ينتج عن ارتفاع الإنتاجية في الدول الغربية تعزيز مستوى الرفاهة الاجتماعية والنمو وتفعيل الأسواق المالية، لذا زاد الناتج المحلي الفردي الحقيقي بين سنتي 1982 و2000م حوالي 54% في أمريكا، 58% في بريطانيا، 37% في فرنسا، 44% في ألمانيا و55% في اليابان. كما زاد مؤشر الأسواق المالية في الفترة نفسها بنسبة 1222% في أمريكا، 1145% في أوروبا و276% في اليابان. الداء معروف ومؤلم وهو الفقر، والدواء معروف ويتطلب الجهد والتركيز والتعاون وهو رفع مستوى الإنتاجية في كل جوانب الاقتصاد الوطني.
ما هي العوامل التي ميزت في مستويات الإنتاجية بين مجموعتي الدول الغنية والنامية؟ بل ما هي العوائق التي حالت وتحول دون امكانية لحاق الفقراء بالأغنياء في زمن الانفتاح والعولمة والعلوم والتكنولوجيا؟ يمكن ربط هذه العوامل المؤثرة على الإنتاجية بأداء القطاع العام وبمدى استيعاب التكنولوجيا الجديدة المؤثرة مباشرة على إنتاجية العامل:
أولاً: سوء الأداء في القطاع العام وما يتبعه من ضعف في المؤسسات وتقصير في تحديث وتطبيق القوانين وفي تنفيذ العقود. في هذه الأجواء يعشعش عموما الفساد وتغيب الشفافية وتنعدم المحاسبة، بل تسود شريعة الغاب. فمن يستثمر في هذه الظروف؟ أقلية مغامرة فقط تسعى إلى جني الربح السريع على حساب المواطن والمستهلك. في هذه الأجواء تغيب الاستثمارات الحقيقية الطويلة الأمد وتهدر حقوق المواطن الاقتصادية قبل السياسية.
ثانياً: تدني مستوى التعليم حيث لا يمكن تحقيق النمو النوعي في الألفية الثالثة إذا لم تتطور البرامج التعليمية بدءاً من المدارس إلى الجامعات والمعاهد المهنية والتقنية. فلا يمكن للعمالة أن تتطور وتصبح أكثر إنتاجية إذا لم تتدرب وتتعلم وتطور نفسها مع التكنولوجيا والعلوم الإدارية وغيرها. كما تشكل العوائق الاجتماعية الأخرى وفي مقدمتها الصحة والسكن والتغذية حواجز أساسية في وجه التقدم.
ثالثاً: عوائق في وجه التجارة والحرية الاقتصادية، أي وجود تعريفات مرتفعة وعوائق كمية وإدارية تعرقل انتقال الأشخاص والسلع والخدمات والأموال داخل الدول وفيما بينها. من العوائق أيضاً وجود دور كبير للدولة يعيق عمل القطاع الخاص ويحد من نموه ومن فرص التجديد والابتكار داخله.
من الضروري تجنب اتساع الفجوة أكثر بين الدول الغنية والفقيرة، بل يجب مساعدة الدول الفقيرة على تطوير إنتاجيتها عبر إلغاء العوائق بل تحويلها إلى إيجابيات. هنالك تجارب وطنية ودولية ناجحة ومشجعة كمعظم دول شرق آسيا وبوتسوانا والتشيلي، حيث استطاعت مناطق متأخرة اللحاق بالأخرى المتقدمة بفضل سياسات حكيمة رفعت من إنتاجيتها. المطلوب تحسين أداء القطاع العام وتطوير التعليم وتفعيل التجارة. فلا بد للمؤسسات الدولية وخاصة البنك الدولي من أن تلعب دوراً كبيراً في هذا الاتجاه علماً أن ميثاقها يؤكد على أهداف تختصر الإنتاجية والرفاهية الاجتماعية. هذا هو دورها الطبيعي والهدف الأساسي الذي أنشئت من أجله.أما في الدول العربية، فمن الواضح أن معظمها يفتقر إلى المقومات الأساسية التي تسمح لها بزيادة إنتاجيتها. فالقطاع العام العربي يعاني من سوء أداء مزمن ومن حجم كبير للدولة في الاقتصاد، مما يعيق عمل ونمو القطاع الخاص. كما أن برامج التعليم بحاجة إلى إعادة نظر جذرية وإلى تحديث بما يتناسب مع التطورات العلمية. أما في التجارة، فالعوائق أمامها ما زالت كبيرة وتؤخر بروز المنطقة العربية كمساحة تجارية فاعلة ونشطة.فإذا تمت معالجة العوائق المذكورة بل تحولت إلى دوافع أو عوامل إيجابية، لتحسنت الإنتاجية في الدول العربية والنامية وبالتالي تمكنت من تحقيق نمو مرتفع أو أعلى بكثير مما هو عليه اليوم.
|