حفر الشيخ عبدالله بن ادريس اسمه على خارطة الشعر السعودي الحديث، وعُدّ من رواد هذا الشعر في مؤتمر الأدباء السعودي الأول الذي انعقد في مكة المكرمة بشروط توافرت في الشيخ عبدالله وأمثاله من الرواد وما استحق شاعر الريادة إلا بشرط إبداعي أو بتصور شعري لم يكن معهوداً في وقته أو مألوفاً ولقد صاغ الأستاذ عبدالله بن ادريس تصوره الشعري صياغة تقارب المقايسة أو القولبة في كتابه «شعراء نجد المعاصرون» إذ يقول: «أنا لا أعد الشعر شعراً ما لم يكن على قدر كبير من التأثير القوي والموسيقية الهادئة الحنون، والتصوير الصادق، والتعبير المنسجم وليس بشاعر ما لم يكن ذا خيال خصب مجنح وذا انغام عذبة ومعان متساوقة متدفق الشعور، عميق الاحساس لجمال الكون والحياة».
إن ابن ادريس في هذه المقولة يضع شروط الشاعرية الحقة، وإني وان كنت لا أخالفه كثيراً في هذا المقايسة فسأنظر في شعره وشاعريته من هذه المقولة، ويبدو لي أن ابن ادريس كرّس هذه المقايسة لألفاظ الشعر دون معانيه ومجالاته وموضوعاته إذ إن الخلاف بين الفنية والموضوعية في وقت ابن ادريس - آنذاك - كان هو الدرس النقدي الذائع، هذا ولا أدري أنلزم ابن ادريس شروط ومقايسات أم هو شاعر يتأبى على التصنيف ويقول ما لا يفعل ويفعل ما لا يقول وما أنا من دعاة التصنيف ولا الدعوة إلى التمدرس والتمذهب وخاصة في الشعر وحتى لو أردت تصنيف ابن ادريس ضمن مدرسة فنية شعرية معنية لتأبى على ذلك لأن ابن ادريس وصحبه ومن اتبعه باحسان لم يتمذهبوا تمذهباً فنياً شأن أهل الحداثة مثلاً فهم مخضرمون لهم لمساتهم التجديدية ومحاولاتهم الانفتاقية من سائد ما كان منهجاً شعرياً يتوخى غبار السابقين أو يحاول احياء نسجهم متانة وفصاحة .
وكذلك كل المخضرمين في تاريخ الشعر العربي لأن الخضرمة في مفهومها الفني انتماء إلى عصرين أدبيين أو مذهبين فنيين إذ ان المخضرم شاعر عاش بين جيلين جيل سبقه وجيل هو فيه، وتأسيساً على هذا المفهوم للخضرمة التي لا شك عندي أن ابن ادريس واحد ممن يمثلونها ولا أستطيع أن أصنف عبدالله بن ادريس ولو حاولت تصنيفه لما انطبقت عليه معايير هذا التصنيف ولا أعلم شاعراً من شعرائنا يمكن أن تنطبق عليه هذه المعايير طباقاً تاماً لأن الشاعر ببساطة متمرد لا تحده حدود المدرسة الفنية ولا يستسلم لأطر التصنيف الساذج الذي ساد في وقت من الأوقات وقصارى القول فإن من راد شعر ابن ادريس فلن يعدم برهاناً على ريادة ابن ادريس الشعرية في منطقة نجد في بداية النصف الأخير من القرن الماضي ومعه عدد من الشعراء أسهموا في هذه الريادة الشعرية وبناء على ذلك فإن لشاعرنا ابن ادريس عدداً من القصائد تؤهله، لأن يكون رائداً يخلد في ديوان الشعر العربي الحديث.
|