لا أدري على أي أساس اعتبر بعض المحللين العرب، ومجموعة من اصحاب القرار الرسميين، أن مؤتمر العقبة كان ناجحاً، ومبشراً بدخول قطار السلام إلى مرحلة جديدة، كما جاء بالنص على لسان الدكتور مروان المعشر وزير خارجية الأردن. ففي تقديري أن الالتزام الأمريكي الذي جاء على لسان بوش في العقبة بضمانه لأمن إسرائيل على اعتبارها «دولة يهودية» كفيل بأن ينسف هذه العملية من أساسها، ويعيد مسيرة السلام من جديد إلى مرحلة الصفر. تعبير «الدولة اليهودية» يحملُ الكثير من المؤشرات غير المطمئنة، وبالذات فيما يتعلق بقضية عودة اللاجئين، وكذلك بالنسبة للفلسطينيين الذين بقوا في اسرائيل والذين يحملون الآن الهوية الإسرائيلية. دولة يهودية معناها أن شرط «الديانة» هو شرط ضرورة للهوية الإسرائيلية، وهذا يعني إلغاء عودة الفلسطينيين في الشتات نهائياً إلى وطنهم الذي طردوا منه، كما أن القبول بإسرائيل على أنها «دولة يهودية» يُمكن أن يكون سنداً قانونياً فيما بعد لترحيل من يسمون في إسرائيل ب «عرب إسرائيل» إلى الدولة الفلسطينية المزمع إنشاؤها، وهذا ما سيتحول إلى «عقدة» كأداء عندما تنتقل خارطة الطريق إلى مرحلة مفاوضات التطبيق. وفي تقديري أن إصرار الجانب الإسرائيلي على «يهودية» إسرائيل، وقبول الرئيس بوش بذلك والتزامه المعلن بحماية إسرائيل كدولة يهودية صرفة، يعني ان قضية السلام دخلت في تعقيدات جديدة إضافة إلى التعقيدات التاريخية لهذه القضية، وأن المستقبل لا يُبشر بالخير.
شارون لا يمكن أن يقبل بالسلام، فهو يعلم أن السلام هو بمثابة «موت بطيء» لإسرائيل، التي يقوم اقتصادها على الإعانات، وهذه الإعانات شرط تدفقها على إسرائيل هو «أمنها المهدد» في حالة اللاحرب واللا سلم كما هي الأوضاع الراهنة اليوم. والسلام يعني أن الإعانات من الخارج ستفقد مبرراتها وتتوقف أو تنحدر مستوياتها. لذلك فإن قبول شارون بخارطة الطريق هو قبولٌ «تكتيكي»، فهو يعرفُ تمام المعرفة أن ثمة من العقبات والتعقيدات عند التطبيق ما سوف يوظفها بلا شك لنسف هذه الخطة نسفاً كاملاً، وإلحاقها باتفاقات السلام السابقة بين الفلسطينيين وإسرائيل، لتبقى الحالة كما هي عليه الآن. ولعل النقاط الأربعة عشر، والتي أعلنها شارون كتحفظات إسرائيلية على الخطة قبيل ذهابه إلى قمة العقبة، تؤكد أنه سيفعلها فيما بعد أثناء المفاوضات؛ وهي تحفظات كافية لتفريغ هذه الخطة من كل إيجابياتها بالنسبة للجانب الفلسطيني.
الأمر الآخر ان رئيس وزراء السلطة الفلسطينية في قمة العقبة أعطى لإسرائيل كل ما طالبت به، في مقابل أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يلتزم إلا بدولة فلسطينية، يبقى حجمها، وسيادتها، واقتصادها، واستقلالها، مسألة معلقة تنتظر المفاوضات. وفي المفاوضات سيضع الإسرائيليون كل ما من شأنه إجهاض مشروع هذه الدولة على الأرض، بالشكل الذي يجعل الوضع الراهن اليوم هو المستقبل في نهاية المطاف.
ورغم أن الأوربيين على ما يبدو جادون في الضغط على إسرائيل لقبول السلام وإنشاء الدولة الفلسطينية المستقلة، إلا أن إسرائيل لا تكترث كثيرا بالضغوط الأوربية، بقدر اهتمامها بالضغوط الأمريكية. والرئيس بوش ربما يكونُ جاداً في توجهه نحو السلام، غير ان موسم الانتخابات الرئاسية الأمريكية على الأبواب، والفوز بفترة رئاسية ثانية يأتي على رأس اولويات الرئيس بوش، الأمر الذي سيحد من قدرته على ممارسة أي نوع من الضغوط الحقيقية على الجانب الإسرائيلي نظراً لخشيته من نفوذ وقوة اللوبي الإسرائيلي المؤثر في توجيه دفة الانتخابات الأمريكية؛ وهذا بلا شك ما أخذه الجانب الإسرائيلي في الحسبان عند قبوله بالخطة.
كل هذه الأمور مجتمعة تجعلُ من أي تفاؤل بخارطة الطريق ضرباً من ضروب التفكير الرغبوي، البعيد عن الموضوعية والواقعية في تقديري.
وهذا ما يؤكده استفتاء أجرته صحيفة «يدعوت أحرنوت» الإسرائيلية في عددها الصادر يوم الخميس الماضي والذي جاء فيه أن 48% من المشاركين في الاستفتاء يرون أن قبول إسرائيل بخطة خارطة الطريق لن يغير من الواقع شيئاً.
|