لم أتعلم بعض أصول الكتابة الصحيحة إلا بعد أن قرأت رواية العراب «نسيت اسم الكاتب» «أعتقد ماريو بوزو». الرواية مترجمة وموجودة حتى الآن في كثير من مكتبات العالم العربي ماعدا المملكة طبعا. وأقول «حتى الآن» لانها صدرت في السبعينيات الميلادية ومازالت تطبع. احببتها. لم أتبين لماذا احببتها في حينها. كنت صغيرا في السن وخشيت أن اعبر عن إعجابي بها ليؤول الإعجاب إلى نوع من التصنيف القائم على حيوية السن. لأن الرواية تنطوي على كثير من الأحداث ذات الطابع البوليسي وبعض المشاهد المدغدغة للحواس «إياها». رواية تدور احداثها في نيويورك حول عوائل المافيا الإيطالية. لا أعرف مدى واقعيتها ولكنها بالتأكيد تدور في اطار من الواقع كما تشير سجلات الشرطة في الولايات المتحدة.
صدرت الرواية ضمن موجة الكتب التي كان مؤلفوها يميلون إلى بنائها بصورة قريبة من السيناريو تجعلها تصلح للتحول إلى فيلم سينمائي طلبا للربح. وقد خدمني الحظ أن المملكة لم يكن فيها صالات سينما. فقرأتها رواية قبل ان اشاهدها كفيلم. بعد فترة من قراءتها شاهدت الفيلم في لندن. بعد مشاهدة الفيلم تبين لي لماذا احببت الرواية ولماذا اعتبرها مرحلة تحول في فهمي لدوري ككاتب. شعرت أن الرواية بالنسبة لي كانت شرحا لعبارة قرأتها من قبل. تقول العبارة:« اذا اردت أن تكتب عن الحياة فلا تضغط على إحدى كفتي الميزان لترجح كفة على اخرى». في الاصل ما كنت اعرف ما المقصود بالكتابة عن الحياة. كنت اعتقد أن كل الكتاب يكتبون عن الحياة. كوني في الاساس اخلو من الروح الايدلوجية.
يعني ليس لدي افكار سياسية او فكرية كبرى اروج لها. احساسي بأني مواطن بسيط جعل كل شيء بالنسبة لي هو الحياة. والكاتب في نظري يجب أن يكتب عن الحياة ولكن بعد قراءة الكتاب اكتشفت ان نظرتي غير صحيحة. برهنت هذه الرواية لي أن واحداً في المائة من الكتَّاب هو الذي يكتب عن الحياة والبقية تكتب عن الافكار.
الآن لو تقلب هذه الجريدة بما فيها هذا المقال سترى أن اكثر من تسعين في المائة يحرجون على افكار: سواء افكارهم او افكار ركبت في رؤوسهم بطنين الآلات الدعائية المختلفة او افكار استعاروها من هنا او من هناك. لا احد يتكلم عن الحياة.
تدور احداث الرواية حول شخصية رجل اسمه الدون كرليون. مهاجر ايطالي قدم الى نيويورك وتطور بسرعة في عالم الجريمة حتى اصبح واحدا من زعماء المافيا الكبار. لا يتردد في القتل اذا اقتضى الامر. ولا يتردد في الاتجار بأي شيء اذا توخى الربح يستخدم كل وسيلة للنجاح في الحياة التي اختطها لنفسه ولعائلته. يعيش على حافة الخطر ولا يتسامح مع خصومه حتى بعد عشرات السنين. تتملكه روح الانتقام. ولكنه لا يضرب الا عندما يعرف أن الضربة نجلاء لا نجاة بعدها. مفاوض من الطراز الاول. لا تظهر عواطفه او ردود افعاله على وجهه، لا يستطيع محدثه أن يعرف اي شيء يدور في داخله. مستوى صوته ثابت دائما. لا يصرخ عند الغضب يتحدث عن القتل ويتحدث عن الطفولة بنفس مستوى درجة الصوت والنبرة وتعابير الوجه. مكروه مهاب من خصومة. محبوب مهاب من اصدقائه.
داهمتنا مساحة الزاوية نكمل الحديث بعد غد «الاثنين»
|