نبدأ اليوم رحلة جديدة عبر حدود الوطن وسنحط الرحال هذا الأسبوع في محافظة الغزالة التابعة لمنطقة حائل.
نصحبكم معنا على مدى ستة أيام في حلقات متنوعة ومثيرة، عجائب وغرائب وكنوز مطمورة تحت الأرض لم تكتشف بعد..!! هذه المحافظة ذات تاريخ عريق وحاضر كبير ويتبع لها العديد من المدن والقرى الأثرية التي يعود تاريخها إلى ما قبل الميلاد واختراع اللغة بالإضافة الى اضخم سور عرفته الجزيرة العربية «سور الحائط الشهير» الذي يبلغ طول قطر دائرته 7 كم والذي تطرقنا له في حلقات الحائط السابقة بالإضافة الى آثار الشويمي والشق والحويط وضريغط والعلم.
في حلقة اليوم نعرج إلى تاريخ المحافظة والتعليم والتضاريس والسكان والعادات والتقاليد.
تاريخ نشأتها
يعود تاريخ إنشاء محافظة الغزالة الى عام 1100هـ وقد انشأها الشيخ حليان بن راضي بن فرج الحميضي التميمي وورد ذكرها في معجم البلدان لياقوت الحموي وعلى ألسنة بعض المؤرخين المستشرقين مثل «فالين عام 1845م» و«ألان عام 1910م» فهي بلدة ذات تاريخ عريق موغل في عبق التاريخ وكان لأهالي الغزالة موقف مشرف في رفض الحكم التركي، حيث كانوا يدينون بولاء للإمام تركي بن عبدالله آل سعود مؤسس الدولة السعودية الثانية، وقاموا بقتل احدى الفرق التركية الغازية عام 1240هـ فكافأهم الإمام ببناء سور حصين لا تزال آثاره ومعالمه قائمة وزودهم بالسلاح والمؤن والعتاد، كما شارك أهالي الغزالة مع الموحد الباني المؤسس لهذا الكيان الشامخ جلالة الملك عبدالعزيز - طيب الله ثراه - في فتوحاته داخل الجزيرة العربية.
سبب التسمية
عرفت الغزالة تاريخياً بهذا الاسم ويجدر بناء ان نصنف اسماءها بحسب التالي:
1- نسبة للغزلان: حيث كانت مرتعة للغزلان والظباء حيث الجبال الشاهقة المحيطة بها والتي تشكل ملاذاً آمناً وافر الماء والكلأ وذات الأرض الخصبة والأودية المنحدرة من جبل رمان.
2- نسبة لنبتة برية تسمى الغزال.
3- نسبة لاحد اسماء الشمس.
4- نسبة لاحد اسماء زوجات الملوك التي دفنت بالغزالة وكان اسمها غزالة.
وتعتبر التسمية الأولى هي الارجح وفق ما اكده الأستاذ محمد القازي والذي أكد لنا بأن قطعان الغزلان ترى في رياضها قبل خمسين عاماً بكثرة ووفرة حتى قضى عليها الصيد الجائر وأصبحت غزالة دون غزلان.
الموقع الجغرافي
تقع محافظة الغزالة جنوب مدينة حائل بمسافة 100 كلم وتحديداً بالقرب من الدرجة 19 - 41ْ طولاً و 47 -26ْ عرضاً ومما يميز موقعها وقوعها على طريق حائل المدينة المنورة الدولي والذي يقسمها الى نصفين، كما يحتضنها جبل رمان الحمر «المشهور» من الجهة الشرقية- وتحيط بها العديد من القرى والهجر وموارد البادية.
التضاريس
تضاريسها عبارة عن منطقة جبليةتتخللها بعض الأودية والشعاب والروضات التي تشكل واحة من الغابات والمراعي حيث الارض الخصبة الغنية بمواردها المائية كما في جبل رمان وارضها خصبة سهلة صالحة للزراعة وتشتهر بزراعة النخيل والقمح والشعير واشجار الفواكه والخضار وخاصة في القرى التابعة لهذه المحافظة مثل السليمي وضرغط وضريغط والعلم والشويمس واليرقة وام شعاري وغيرها من الأماكن التي تمد انتاجها الزراعي لكافة مدن وقرى المحافظة.
المراعي والغابات والأودية
أثناء هطول الأمطار تكتسي رياضها واوديتها بالنباتات والأعشاب والشجيرات البرية ذات المناظر الجميلة حيث تغطيها اشجار الطلح النضيد مما يشد عشاق الرحلات البرية والمتنزهين من خارج المنطقة وداخلها الى زيارة البراري للاستجمام والتنزه بشكل منقطع النظير مما ساهم في تكاثر الثروة الحيوانية فيها، حيث ان معظم الأهالي من البدو الرحل الذين ينتقلون وراء قطعانهم من المواشي والابل حلاً وترحالاً يبحثون عن الماء والكلأ باعتبارها من أهم عناصرالحياة الاقتصادية وخاصة في البيع والشراء وتمثل الثروة الحيوانية أعلى دخل للأهالي وخاصة ما يصنع منها كالصوف والسمن والاقط وبيع الناتج الفائض داخل المنطقة وبعض المناطق المجاورة مثل المدينة المنورة والقصيم بحكم توسطها من المناطق المذكورة.
ويحيط بمحافظة الغزالة جبل رمان والذي يعتبر من اشهر جبال بلاد العرب والذي يبلغ طوله ما يقارب 60 كم ويمتد من الشمال الشرقي الى الجنوب وتلتحم معه جبال تابعة له ويبلغ ارتفاعه عن سطح البحر 1100م كما توجد به آثار قديمة عبارة عن آبار «أزلية» ونقوش وكتابات ثمودية وقلاع وغيرها من الآثار.
قال ابن مقيل:
أرقت لبرق آخر الليل دونه
رضام وهضب دون رمان افيح
وبداخله تقع عدة قرى وهجر.
وتخترق المحافظة عدة أودية منها وادي الطرفا ووادي المهاش ووادي الخنقة ووادي الشعبة ووادي الحمراء ووادي سقف ووادي النبانة ووادي الجفارة وجميع الأودية تلتقي بوادي الرمّة الشهير الذي ينتهي بمنطقة القصيم وجميع هذه الأودية بحاجة ماسة الى اضافة سدود للاستفادة من مخزون المياه ومعالجة تدني منسوب المياه، حيث ان المحافظة تعتمد في الري على الآبار الجوفية التي نضب الكثير منها بسبب افتقار المحافظة للسدود.
التعليم بالغزالة
بدأ التعليم قديماً بعدة مراحل في تكوين شخصية المسلم وتقوية عقيدته وارتباطه بربه ارتباطاً سليماً ليعبد الله على الوجه الصحيح. الأستاذ محمد القازي مدير مركز الإشراف التربوي بالغزالة سابقاً والذي احيل على التقاعد أشار الى أن التعليم بالبلدة بدأ عن طريق «الكتاتيب» وكان المعلم سابقاً يسمى «المقرّي» أي الذي يجيد القراءة والكتابة على يدي مشايخ نذروا أنفسهم لخدمة الدين ومنهم الشيخ الغنيمي - رحمه الله - والشيخ ابراهيم عبدالقادر - رحمه الله - وكانوا يعلمون أبناء الغزالة القرآن الكريم والعقيدة الصحيحة وفقه العبادات وتقام حلقات الذكر في المساجد والجوامع من خلال فترتين صباحية ومسائية وتمنح جوائز ومبالغ رمزية تشجيعاً لمن يحفظ جزء «عم» وذلك عن طريق الموسرين وأولياء أمور الطلاب.
وبعد أن امتدت يد التنمية في ظل رعاية حكومتنا الرشيدة - أيدها الله - بدأ التعليم النظامي بخطوات مباركة وذلك عام 1379هـ، حيث افتتحت اول مدرسة ابتدائية وكان اول مدير لها الأستاذ حمد بن سالم الرضيمان الشمري رحمه الله والذي بدأها بفصلين اول وثاني ابتدائي نظراً لوجود متعلمين لدى الكتاتيب وكان رحمه الله يقوم بتدريس الفصلين بنفسه بالاضافة الى إدارة المدرسة وكان يؤدي عمله بصدق وإخلاص ومن المشهورين بحرصه على إنجاح هذا العمل المنوط به. وقد وفقه الله لما كان يرجو بفضل الله ثم صدق نيته ومقصده، وقد تخرج من هذه المدرسة علماء ومعلمون ومهندسون حتى يومنا هذا.
ثم شهد التعليم انطلاقته الحقيقية بافتتاح المدارس في كافة مراحلها المختلفة بنين وبنات واستطرد الأستاذ القازي قائلاً: ان مركز الإشراف التربوي بالغزالة يشرف على أكثر من 62 مدرسة منها 35 مدرسة ابتدائية و17 مدرسة متوسطة و7 ثانويات و3 مدارس لتعليم الكبار، وقد بلغ عدد الطلاب في هذه المراحل 5673 طالباً وبلغ عدد المعلمين 480 معلماً أما المشرفون فعددهم 8 مشرفين أما تعليم البنات فقد شهد خطوات هائلة في التوسع والانتشار، حيث أسست المندوبية عام 1402هـ لتشرف على أكثر من 40 مدرسة منها 23 مدرسة ابتدائية و7 مدارس متوسطة و5 مدارس ثانوية و5مدارس لتعليم محو الأمية ويدرس في هذه المراحل أكثر من 4460 طالبة وقد بلغ عدد المعلمات 310 معلمة بالإضافة الى مندوبية تعليم البنات بمدينة الحائط التابعة لمحافظة الغزالة التي قدر عدد طالباتها بحسب الاحصاءات أكثر من 5600 طالبة في أكثر من 58 مدرسة في كافة المراحل.
وأضاف قائلاً: ان هذا الكم الهائل من الطالبات يحتاج الى افتتاح كلية لتعليم البنات نظراً لتباعد المسافات ومخاطر الطريق وأعباء السفر لا سيما وان بعض الأسر من ذوي الدخل المحدود والفقراء والأيتام.
أشهر الحارات القديمة
في السابق كانت منازل الأهالي عبارة عن بيوت طينية مقامة من الأحجار العاتية، شوارعها ضيقة للغاية ومحاطة في أسوار وممرات للمشاة والدواب باعتبارها وسيلة النقل قديماً وبعد ان عانقت روح التطور العمراني والحضاري تم الاستغناء عن المباني القديمة واحلال المباني الحديثة ذات الطراز المعماري الرائع محلها من خلال مخططات هندسية تواكب النهضة الشاملة التي تشهدها المحافظة. ومن أشهر الحارات القديمة ما يلي:
المسحب، الشفع، الجديدة، القسقة، العرداء، مصفقة، الملقا، الحدري، الصعد، النهير.
وهذه الحارات لا زالت شامخة عبر عصور من الزمن ترسم على محياها حضارات سابقة استوطنت الغزالة منذ القدم وذلك لاهميتها الاستراتيجية كمحطة استراحة للحجاج القادمين من جهة العراق وإيران والذين يعبرون أراضي المملكة عن طريق البر مروراً بالجوف ثم حائل فالغزالة ثم المدينة المنورة.
العادات والتقاليد
عرف أهالي الغزالة بالكرم والتعاون في أمور الحياة فهم أناس كرماء طيبون يستقبلون الضيوف والوفود بالترحاب فمنذ قدومي للغزالة وبصحبتي رفيق رحلتي الزميل مشعل السليم ونحن نشعر بالحفاوة والمروءة والكرم الذي ليس له حدود.
قال الشاعر الباهلي:
جينا الغزالة وأهلها ناسٍ اخيار
حجاج واحدهم على الضيف مسرور
جينا قروم كلها اسود واحرار
عيون الصقور وبالشهامة لهم دور
للضيف اللي جاهم معزة ومقدار
اكرمكم الله ما جرى منكم اقصور
يا زين فعل الطيبين أهل الاشوار
مجالس أهل الشور دايم لها نور
وقال الطابي:
الى ضاق صدري فضت مع ربع سرهيد
نظري على سجة للغزاله
الديره اللي شوف عيني لها عيد
الله على يا حميد شوفة رجاله
بالإضافة الى بعض العادات الكريمة شأنها في ذلك شأن عادات وتقاليد مجتمعنا السعودي النبيل كعادات الاعياد حيث تقام مظاهر الأعياد في كل عام بحيث تقام العرضة السعودية من أول أيام العيد وحتى نهايته ويقوم الأهالي بزيارة أقاربهم لتبادل التهاني.
بالإضافة الى عادات رمضان حيث تقام اطعمة الافطار في المساجد وفي المضافات العامة وتطهى الاكلات الشعبية ومنها الجريش والهريش والمرقوق والعصيدة - وغيرها من الاكلات الشعبية الشهيرة ومن تقاليد أهالي الغزالة إعانة الشباب على اكمال نصف دينهم وذلك عن طريق المواد العينية او النقدية وغيرها من المساعدات الأخرى وكذلك «الدَّية» التي تدفع بالتساوي.
الفنون الشعبية
الفنون الشعبية تعبر عن حضارات الأمم وتقدم الشعوب وهذه المحافظة تزخر بالموروث الشعبي الأصيل شأنها في ذلك شأن مدن وقرى مملكتنا الغالية وتعتبر العرضة السعودية من أهم الفنون التي تقام في المناسبات والاحتفالات الرسمية والأعياد. «السامري» ويقام في بعض المناسبات. «شعر الرد» ويقام بحفلات الزواج في بعض المدن والقرى التابعة للمحافظة ومن ابرز شعراء الرد الدكتور عبدالرحمن الفريح وسليمان القصير ودحيم الرشيدي وغيرهم من الشعراء.
الأسواق الشعبية
سوق الغزالة سوق شعبي يبدأ من شروق الشمس وحتى غروبها يعرض فيه جميع أنواع المنتجات ويضم أسواقا مركزية وتموينات غذائية وأسواقا للماشية والاعلاف بالإضافة الى تسويق بعض الحرف اليدوية القديمة ذات الطابع الشرائي التي تشهد اقبالاً منقطع النظير من داخل المحافظة ومن خارجها بالإضافة الى تواجد الباعة الجائلين والبدو الرحل، حيث السمن والزبد والاقط والكماء وغيرها من المنتجات الأخرى.
أما سوق الماشية فقد شهد في الآونة الأخيرة اقبالاً متزايدا من الشريطية أصحاب الخبرة في فن التسويق والذي وللأسف يفتقر الى الرقابة من الجهات ذات العلاقة حيث شهدت مبيعات الأغنام والابل ارقاماً تصاعدية في البيع والشراء ويعود ذلك الى قلة الأمطار ونزوح البدو الى مناطق أخرى وبذلك اصبح العرض قليلا والطلب متزايدا مما ساهم بشكل كبير في ارتفاع الأسعار.
في حلقة الغد..
نواصل رصد ملامح الحياة في هذه المحافظة وبعض الخدمات المقدمة للمواطنين والمراكز والقرى التابعة لها.
| 
