لقد كان لصدور الأمر الملكي رقم أ/79 تاريخ 27/03/1424 الخاص بتعيين المهندس عبد الله محمد نور رحيمي رئيساً للطيران المدني صدى واسع لدى الصناعيين بشكل عام ، وممن تعاملوا مع صندوق التنمية الصناعية السعودي على وجه الخصوص.
فالمهندس عبد الله محمد نور رحيمي الحاصل على بكالوريوس هندسة ميكانيكية من جامعة الملك فهد للبترول والمعادن في 14 شعبان 1395 الموافق 21 أغسطس 1975 ، التحق مباشرة بالصندوق ، ومنذ ذلك الحين وهو في إدارة المشاريع ، ولهذا فارتباطه بالصناعة السعودية والصناعيين السعوديين ارتباط وثيق .
زاملت المهندس عبد الله رحيمي في عضوية شركة الأسمنت السعودية الكويتية في وقت كانت تمرفيه الشركة بأزمة مالية كبيرة مع البنوك المقرضة ، والعلاقة بين الشركاء في مجلس الإدارة في أسوأ حالاتها، ومازلت أتذكر استغرابي الشديد عند حضوري لأول اجتماع للشركة وأنا أرى جهاز التسجيل على طاولة الاجتماعات يسجل كل شاردة وواردة من الأعضاء المجتمعين ، ورأيت أننا قضينا وقتاً طويلاً لمراجعة ما دون كتابة عن الاجتماع السابق في ما يزيد على 300 صفحة من المقاس الكبير والوقت يمر في توافه الأمور بدون تركيز على مصالح الشركة المالية والتسويقية والإدارية.
كان رئيس المجلس في ذلك الحين الأستاذ عبد العزيز الشتوي ممثلاً لصندوق معاشات التقاعد ، والجانب السعودي مكون من ممثل التأمينات الاجتماعية الأستاذ عبد العزيز محمد الجمل رحمه الله ، وممثل صندوق الاستثمارات العامة المهندس عبد الله رحيمي ، وأنا ممثلا للقطاع الخاص. لقد كان الاخوة في الجانب السعودي يحملون هماً كبيراً لأوضاع الشركة ، ولم تكن اجتماعات مجلس الإدارة تعطي الوقت الكافي لهذا الأمر ، فاتفقنا كأعضاء في الجانب السعودي أن نبذل جهدنا في اجتماعات خاصة في مقر مصلحة معاشات التقاعد ، لنصل إلى الحلول العملية لأوضاع الشركة ، وبعد الوصول إليها واتفاقنا عليها ، نقوم بعرضها متكاملة على مجلس الإدارة ، عسى أن يوافق عليها الجانب الآخر . وبالفعل كان لقيادة الأستاذ عبد العزيز الشتوي ، جزاه الله كل الخير ، ولقدرة المهندس عبد الله رحيمي على التحاليل المالية ، وترتيب التمويل ، وخبرته الواسعة في صناعة الأسمنت في المملكة ، ولخبرة المرحوم عبد العزيز الجمل في أوضاع سوق الأسمنت في المنطقة الشرقية ، الفضل بعد الله للتوصل إلى أفضل الحلول لإنقاذ الشركة وللوصول إلى القرارات الفاعلة.
ولقد زاملته أيضا في لجنة تطوير المصنع وإحلال الآلات التي انتهى عمرها الافتراضي ، وقد كان واسع المعرفة بالاستشاريين العالميين مدركاً لماضي صناعة الأسمنت في المملكة وحاضرها ولديه بعد النظر الواضح لمستقبلها.
وتعاملت مع المهندس عبد الله منذ أن كان نائباً لمدير إدارة المشاريع ثم مديراً لإدارة المشاريع ثم مساعداً لمدير عام الصندوق للمشاريع كأحد عملاء الصندوق ، ورأيت اهتمامه الكبير بالمشاريع ، وحرصه الشديد على نجاحها ، وتفادي إفلاسها بكل الطرق الممكنة . فعند دراسته للمشاريع يحرص على التفاصيل الخاصة بإنشاء المشروع وتسويق منتجاته وتركيبة الشركاء فيه ووسائل تمويله . في إحدى السنوات تقدمت بمشروع لمواد عازلة فكرت أنه سيلاقي نجاحاً بعد الزيادة الكبيرة في أسعار الكهرباء وطلبنا للاجتماع معهم وشرحوا وجهة نظرهم بعدم توقعهم لنجاحه ، وكانت وجهة نظرهم واضحة وصريحة فشكرتهم على اهتمامهم بتفاصيل المشروع ووافقت دون تردد على إلغائه.
لقد أدركت بعد عدة مشاريع ألا أستهين أبدا برأيهم ، لاحظت أن القطاع التمويلي الخاص يكون أسهل في التعامل والموافقة على تمويل المشاريع إذا حصل المشروع على موافقة الصندوق.
وفي الكثير من المشاريع ، لا تكون النتائج في السنوات الأولى من عمره متوافقة مع التوقعات ، ورأيت العاملين في إدارة المشاريع يتابعون المستثمر بكل الجد ، محاولين إيجاد الحلول المناسبة ، ومستعدين لإعادة جدولة القروض بالحدود التي في صلاحيتهم .وإذا لم يكن هناك بد من تصفية المشروع ،فإنهم يسعون لإيجاد شركاء للملاك السابقين ، أو إعادة ترتيب هيكلة المشروع التمويلية ليكون في وضع أفضل للمشتري الجديد ، مما يخفف بشكل كبير الخسارة على المستثمر الذي أنشأ المشروع
كل هذه المراحل توضح الحرص الكبير الذي كان يوليه المهندس عبد الله كمسؤول أول عن المشاريع لنجاح الاستثمارات الصناعية ، ومساندة المستثمرين ، فله ولزملائه في هذه الإدارة كل الشكر والتقدير.
وعرفت المهندس عبد الله بصفتي نائباً ثم رئيساً للجنة الصناعية في غرفة الرياض ، وفي اللجنة الوطنية الصناعية في مجلس الغرف . لقد كان دائما مستجيباً للأطروحات العامة للصناعيين ، متسعا صدره لاقتراحاتهم وآرائهم . ومن الأمور التي تمت مناقشتها مع إدارة المشاريع ما يلي :
1 - كان الشباب السعودي في إدارة المشاريع دائماً محط إعجاب المستثمرين الصناعيين وتقدير هم ، وكان رجال الأعمال يخاطبون بكل صدق هؤلاء الشباب ليتولوا إدارة مشاريعهم ، ولقناعتهم الكاملة بقدرتهم الإدارية ، وتدريبهم الفني وصالح منهجهم . وفي فترة ما ، تأزمت الأمور بين الصندوق وبعض المستثمرين ، فنظرة الصندوق مركزة على المحافظة على بقاء هؤلاء الشباب ، ونظرة المستثمرين كانت واضحة ويعتبرون أن من أهم واجبات الصندوق تخريج الكوادر البشرية القيادية ليس للدولة فقط (والشواهد أكثر من أن تعد) بل لقيادة الاستثمارات الصناعية الوطنية . فطلبت اللجنة الصناعية اجتماعا مع إدارة الصندوق وكان فريق الصندوق بقيادة المهندس عبد الله رحيمي ، وفريق الغرفة بقيادة المهندس عبد الله المعلمي ، وكنا على قناعة بمطلبنا ، ولن أنسى ما ذكره المهندس رحيمي عن ظروف التدريب التي تقلصت (ثم انتهت) لدى بنك تشيز مانهاتن بنيويورك ، وأن الصندوق يسعى جاهداً لإيجاد بديل آخر للتدريب ، وأنهم في تلك المرحلة في حاجة ماسة للمحافظة على الكوادر المدربة في الصندوق وذلك لخدمة الصناعيين أنفسهم ، وإنهاء معاملاتهم بالسرعة المطلوبة ، ولكنه على يقين أن هؤلاء الشباب سواء خدموا في الصندوق أو في المشاريع الصناعية ، فدورهم مهم في قيام صناعة وطنية قوية . وبالفعل تيسرت الأمور ، ومازالت إدارة الموارد البشرية في الصندوق تحسن الاختيار في توظيف الشباب وتحسن تدريبهم وتتابع أعمالهم بكفاءة تشكر عليها .
2 - إجراءات الإقراض في الصندوق السعودي للتنمية واضحة ومرتبة وشفافة ، لكنها مفصلة ودقيقة وتأخذ وقتاً (وهذا لصالح المستثمر بشكل عام). بالنسبة للمشاريع الكبيرة ، تستطيع أن تتحمل المراجعة وتقديم الدراسات والإجابة عن الاستفسارات العديدة ، ولكن بالنسبة للمشاريع الصغيرة قد تكون متابعة القرض مكلفة أكثر من جدوى الحصول عليه .وطلبنا الاجتماع مع إدارة المشاريع ، وشرحنا لهم المشكلة التي تلاقي المشاريع الصغيرة ، فتوصلوا معنا إلى إيجاد طريقة خاصة للمشاريع الصغيرة تسرع في إنهاء الإجراءات .
3 - كان مشروع توزيع الغاز في المدينة الصناعية هدفاً تنموياً للصناعيين ، وبعد الحصول على كل الموافقات (جز الله كل من ساعد في ذلك خيراً) ، وتكوين شركة توزيع الغاز الطبيعي ، اجتمعت مع المهندس رحيمي فقال : إنني مدرك تماما لفائدة هذا المشروع للصناعة ، ومدرك لتأثير عدم وجود مدن صناعية مجهزة بالخدمات ، وإننا في الصندوق ندرس بعض التسهيلات التي من الممكن أن تكون مساعدة لتطور الخدمات في المدن الصناعية . وهذا المشروع قد يكون البداية والصندوق لديه أنظمة محددة وأولها الحصول على الترخيص الصناعي. لقد ساند معالي وزير الصناعة والكهرباء هذا المشروع واصدر له ترخيصا وعلى اساسه تمت الموافقة على اقراض هذا المشروع.
ان صندوق التنمية الصناعية السعودي من العلامات المضيئة في تاريخ النهضة التنموية في المملكة، ومن اكثر الاجهزة نجاحاً وتنظيماً وحسن ادارة. فيا حبذا لو درس الاداريون هذه التجربة، وحددوا اسباب نجاحها، انه مثال فخر للاجهزة الحكومية. ان ما ذكرته عن الاخ عبدالله رحيمي قد يكون مشابهاً لما سيذكره اي مستثمر تعامل مع بقية الاخوة في الصندوق، فجزاهم الله كل الخير ووفقهم.
ووفق الله الاخ العزيز عبدالله محمد نور رحيمي في منصبه الجديد وعوضنا الله عنه بأحد زملائه الافاضل.
( * ) نائب رئيس مجلس إدارة الغرفة التجارية الصناعية بالرياض
|