الى الله أشكو حرقة في فؤاديا
شربت لها نهراً ومازلت صاديا
شربت لها نهر الفرات فما روى
ودجلة ما بَلَّت عروقا ظواميا
وجربت في إطفائها كل حيلة
فما زادها التجريب إلا تماديا
وحار بها رأي الطبيب وطبه
فلم يدر عن دائي ولا عن دوائيا
وقال تحسس ما يهيج سعيرها
فلا تقربن أسبابها والدواعيا
وكيف اجتنابي ما يحيق بأمتي
وقد لقيت من شانئيها الدواهيا
فأرخيت للآمال فضل عنانها
لعلَّ لها رأيا وما كنت داريا
فطارت كلمح البرق من حرِّ ما بها
الى «بردى» تطوي إليه الفيافيا
فقال لها بي مثل ما بك فاطلبي
نميراً سواي اليوم برداً وصافيا
فقد كنت قبل اليوم برداً على الحشا
واطفئ ناراً للهوى هي ما هيا
فأما وقد أرصدت من كل جانبٍ
فإن عزائي واجبٌ ورثائيا
فيممتها أرض الكنانة عَلَّني
أصادف نهر النيل براً وحانيا
فقال نهينا أن يكدر صفونا
صديٌّ وإن كان القريب المواليا
وثبطنا عهد ووعد وعيلة
وتقنية اطغت علينا الاعاديا
وسرت إلى «العاصي» أغالب حرقتي
فلما بلا الاحوال رق لحاليا
وقال اصطبر لا تشربنْ منه قطرة
فهذا الذي أبصرت فيض بكائيا
فلبنان ثكلى ليس يرقأ دمعها
فقد عصرت حمى العراق المآقيا
فنحن وهم كالجسم إن عضوٌ اشتكى
رأيت له من كل عضوٍ تداعيا
فلما بلوت الامر عدت الى الحجى
وخلفت احلام الشباب ورائيا
وثبت إلى أم القرى اطلب الهدى
ولبيت صوتا طالما قد دعانيا
فأسقيتها من ماء زمزم شربةً
فكانت لها ريَّاً وللداء شافيا
كذلك علمي بالمياه وطيبها
تخيَّرتُ ازكاها وما كنت عاديا
فزمزم من أرض سمت وتقدست
وشرفها ربي بأحمد هاديا
رسولٌ بنى بالوحي خير حضارة
ثوابتها تحكي الجبال الرواسيا
فآخى بها بين العداة وما وعى
لنا قبله التاريخ هذا التآخيا
وجاء بها بيضاء كالشمس في الضحى
يراها من الأحياء من كان رائيا
تناهت إلينا ليلها كنهارها
ومن زاغ عنها خَرَّ في النار هاويا
ورثنا بها أرضاً وقوماً أعزةً
فلما أضعناها ورثنا المخازيا
وصرنا طعاماً مغرياً بدنوه
فمدَّ إلينا الطامعون الأياديا
وظلنا نسام الخسف من كل شيعة
وما كان تاريخ الجزيرة خافيا
واشرق نجمٌ باتفاق المحمدي
ن قرت به قلباً وعيناً بلاديا
فما نسي التاريخ منهم أئمة
هداة إذا عدّ السنين الخواليا
ومن بعدهم تركي أخمد نارها
وكانت سعيراً يلفح الناس حاميا
وقام بها عبدالعزيز فما ونى
وما كان يوماً ذلك القرم وانيا
فأعقبها بعد التفرق وحدةً
وألبسها ثوباً من المجد ضافيا
وبتنا بها من بعده في سكينة
وفي دعة لا نستريب اللياليا
وسار بها أبناؤه وفق نهجه
يسوسون بالاحلام ما كان بانيا
وما زالت الأرزاء تطحن أمتي
وما زال جرح في فلسطين داميا
فوا رحمتا للقدس قد بحّ صوتها
تنادي ولكن من يجيب المناديا
وبغداد في ثوب من الذل مؤسف
لدن خلعت ثوباً من الضنك باليا
تقاسمها الأعداء قبل احتلالها
وتم لهم ما كان قبل أمانيا
أتوها بدعوى زوروها وما خفت
وحاكوا لها خيطاً من العذر واهيا
لك الله يا شعب العراق فإنما
خلاصكُمُ من ظالم جَرَّ غازيا
فيا قوم لا تعموا عن الحق وانتهوا
فإن لكم فيما ترون مناهيا
فقد يهتدي الأعمى إلى ما يريده
ولا يهتدي راءٍ مشى متعاميا
ومن يكفه الله المساوئ يُكْفها
وليس سوى ربِّ البرية كافيا