إن مما أنعم الله علينا في هذه البلاد - المملكة العربية السعودية - نعمة العقيدة الصحيحة، وتطبيق احكام الشريعة، والاجتماع بعد الشتات، والامن بعد الخوف، ورغد العيش بعد الجوع، وغير ذلك من النعم التي لا نحصيها كما قال تعالى{وّإن تّعٍدٍَوا نٌعًمّةّ اللهٌ لا تٍحًصٍوهّا إنَّ الله لّغّفٍورِ رَّحٌيمِ } فنشكر الله تعالى بقلوبنا وألسنتنا، وجوارحنا على نعمه، ونسأله المزيد من فضله، وقد قال تعالى{وّإذً تّأّذَّنّ رّبٍَكٍمً لّئٌن شّكّرًتٍمً لأّزٌيدّنَّكٍمً} ومن شكر الله تعالى، شكر حماة العقيدة، والمطبقين للشريعة، والباذلين كل جهودهم في سبيل جمع الكلمة، واستتباب الامن، ورغد العيش، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي «صححه الالباني» «لا يشكر الله من لا يشكر الناس».
وعليه: فإن شكر قادة هذه البلاد، والدعاء لهم سراً وعلناً بالتوفيق والتأييد، والتعاون معهم، والسمع والطاعة بالمعروف لهم، والحذر من الخروج عليهم ولو بكلمة واحدة، يعتبر من الدين الذي يدين به المؤمن لربه. والحفاظ على هذه العقيدة، وعلى امن هذا البلد الطاهر، وعلى دماء المعصومين فيه من المسلمين والكافرين المعاصرين والمستأمنين، واجب شرعي على الجميع، وليس على رجال الأمن فقط، ودليل ذلك قوله تعالى {وّتّعّاوّنٍوا عّلّى البرٌَ وّالتَّقًوّى" وّلا تّعّاوّنٍوا عّلّى الإثًمٌ والًعٍدًوّانٌ} وقوله تعالى {وّلا تّعًتّدٍوا إنَّ اللّهّ لا يٍحٌبٍَ المٍعًتّدٌينّ}.
ولا ريب ان ما حدث في الرياض من تفجير واعمال اجرامية، جريمة كبرى، ومخالفة لكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وفاعل ذلك ومؤيده من الساعين في الارض فساداً والله لا يحب المفسدين.
ومساهمة في بيان الحق، وحيث ان كثيراً من الناس خاضوا بالحق تارة، وبالباطل تارات ابين ما يلي:
1- ايجاد العذر لمن فعل التفجيرات بأن قصدهم الكفار، امر منكر، لان الشريعة كما حرمت الاعتداء على المسلمين، فقد حرمت ايضاً الاعتداء على الكفار المعاهدين والمستأمنين وفي الحديث «من قتل معاهداً لم يرح رائحة الجنة» فهل يحل الإيمان ببعض الشريعة، والكفر ببعضها الآخر {أّفّتٍؤًمٌنٍونّ بٌبّعًضٌ الكٌتّابٌ وّتّكًفٍرٍونّ بٌبّعًضُ }.
والصواب: بأن الخوارج في كل زمان قوم سوء عصاة لله ولرسوله، لا يتورعون عن قتل احد، فقد استباحوا دم الخليفة الراشد عثمان بن عفان رضي الله عنه، واستباحوا قتل المسلمين في حرم الله الآمن قبل عقدين من الزمان، وما فعلوا في الرياض من قتل وترويع هو بسبب فكرهم وفكر اسلافهم المنحرف.
2- ما يقال ان العلماء بحاجة الى القوة وصراحة في بيان الحق، وانهم يخشون انفضاض الناس عنهم لو صرحوا، هذا القول غير صحيح، والواقع يكذبه، فها هي بيانات كبار العلماء واضحة وصريحة، وبصفتي احد تلاميذ الشيخ صالح الفوزان حفظه الله فقد سمعته غير مرة في دروسه في مسجده بالملز ينكر هذه الاعمال الاجرامية، ويوضح ان هذا العمل من منهج الخوارج، ويبين الاسس التي قام عليها منهج الخوارج، ويحذر الشباب من الغلو، وهكذا جميع علمائنا الافاضل - حفظهم الله - فكيف يتهمون بعدم الوضوح والصراحة؟
ومن المعلوم ان اصحاب الفكر المنحرف من الخوارج والتكفيريين لا يستمعون الى العلماء، ولا يحضرون دروسهم، ولا يرغبون فيهم، فضلاً ان يعملوا بتوجياتهم {وّمّن لَّمً يّجًعّلٌ اللهٍ لّهٍ نٍورْا فّمّا لّهٍ مٌن نٍَورُ }، وكان الاجدر دراسة اسباب صدود اصحاب فكر الخوارج عن العلماء، بدلاً من اتهام العلماء بعدم الصراحة.
3- ما يدندن حوله كثير من الكتاب حول: قبول الرأي والرأي الآخر، ليس على إطلاقه، فبعض الآراء لا يجوز السماح لها، فضلاً عن قبولها، وإذا كان ليس كل ما يعلم من الحق يقال، فكيف بالآراء التي تشكك في العقيدة وتسبب الفتن، وتجرئ الناس على ولاة امرهم؟
ويعلم اهل العلم ان عمر بن الخطاب رضي الله عنه ضرب صبيغاً لما رآه يتتبع المتشابه، ولم يقل عمر رضي الله عنه لا بأس بالرأي والرأي الآخر، بل ضربه بعراجينه، فما احوج الصبيغيين المعاصرين الى العراجين العمرية.
فإن قيل: ذاك في زمن عمر، ونحن الآن في زمن العولمة والإنترنت ونحو ذلك، فالجواب: لا يصلح آخر هذه الامة الا ما اصلح اولها.
4- تمكين فكر من لديه قصور او تقصير في ضبط الامور، او تساهل مع الحزبيين بحجة الاحتواء ونحو ذلك له آثاره السلبية التي قد لا تحمد عقباه.
5- ما قيل من ملحوظات في بعض الصحف عن النشاط الطلابي والتوعية الإسلامية في بعض ادارات التعليم، وكذا ما قيل عن بعض الجمعيات الخيرية والدعوية، يجب ان نستفيد منه، مهما كان قصد صاحبه، والحق ضالة المؤمن، فلننظر في تلك الملحوظات فان كانت حقاً قبلناها واصلحنا اخطاءنا، وشكرنا من اهدى الينا عيوبنا، واما التشنج والغضب، واتهام الناس في نياتهم، فغير مقبول.
ولما قال اليهودي للرسول صلى الله عليه وسلم:« انكم تشركون، تقولون: ما شاء الله وشئت، وتقولون: والكعبة. فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم اذا ارادوا ان يحلفوا، ان يقولوا: ورب الكعبة، وان يقولوا: ما شاء الله ثم شئت» رواه النسائي وصححه. قال العلامة الشيخ عبدالرحمن بن حسن آل الشيخ فيه: قبول الحق ممن جاء به كائناً من كان. اهـ «انظر: فتح المجيد».
6- على الآباء متابعة ابنائهم، وعدم إطلاق العنان لهم بحجة انهم صالحون، وليعلموا ان دروس العلم وحلقات القرآن مكانها المدارس والمساجد امام الملأ، وليس سراً في الاودية والشعاب ومنابت الشجر والرحلات والاستراحات.
فليحضر الطالب الى حلقة العلم في المسجد، ثم ينصرف الى بيته كما هي طريقة اهل العلم قديماًً وحديثاً.
وفق الله الجميع لما يحبه ويرضاه، وجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن، وحفظ الله بلادنا وولاة امرنا، واعانهم على كل خير.
( * ) المشرف التربوي لمعلمي العلوم الشرعية بمنطقة حائل
|