Thursday 5th june,2003 11207العدد الخميس 5 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

أنت أنت
أيهما نريد التغيير أم التطوير؟
م. عبدالمحسن بن عبدالله الماضي

مقالة هذا الأسبوع يفترض أن تكون امتداداً لمقالتي الأسبوعين الماضيين عن «التغيير حاجة وحضانة».. إلا أن الاتصالات التي وردتني بخصوص الاستفتاء الذي ختمت به مقالة الأسبوع الماضي .. جعلتني أحبذ تبادل الرأي معكم حول اللبس بين مفهومي التغيير والتطوير..
دعونا أولاً نتفق ونقول ان المشكلة البشرية دائماً ليست في حوادث الأمور التي تحصل للإنسان.. بل في كيفية إدراكه لها.. ونتفق أيضاً على أن كلاً منا يفسر الأمور استناداً إلى مرجعياته من اعتقادات وقناعات ومعارف وتجارب.. ونتفق أخيراً على أن هناك من هو رقيق مسالم يؤثر على نفسه ولو كان به خصاصة.. فيختار الإجراء أو العمل أو الكلمة الأسلم والأرق حتى لو لم تصل به إلى ما يريد تحقيقه.. على الرغم من بعد ذلك عن الحزم وما قد يجره إلى قصور وفشل. ودعونا نبتعد عن المكابرة، ونعترف بأننا في زمن لا يجوز فيه أن يكون المعنى في بطن الشاعر ولا الكاتب ولا المسؤول ولا المواطن.
يقول صاحبي إن كلمة التغيير سلبية ومسكونة بالتعميم مثل كلمة الإصلاح.. فكلتاهما تشيران إلى أن هناك خطأ يجب تغييره وإصلاحه وهذا يقلل من شأن الإنجازات الوطنية الكبيرة التي تحققت لبلادنا برجالاتها ومؤسساتها.. في ظروف اجتماعية صعبة وزمن سياسي كسير ومنطقة جغرافية مضطربة.
قلت لصاحبي: كلنا نريد التطوير فهو الفعل الأنسب والأصلح لوضعنا.. فنحن لا نريد أن نقطع جذورنا ونهدم ما تم بناؤه.. بل نريد أن نثبت تلك الجذور ونعزز النمو.. وان نمتد ونكبر ونتقدم للأفضل.. لكن مشكلة هذه الكلمة انها من كثرة تكرارها فقدت معناها.. وتذكرني تماماً بكلمة «الأمانة».. «فكل يدعي وصلاً بليلى وليلى لا تقر لهم بذاكا».. لذلك يا صاحبي لم استخدم كلمة التطوير.
فقد اختطفنا معناها من قديم حتى فقدنا حس الأسى عليها.. وما إصراري على استخدام كلمة التغيير إلا استجابة للأسى الذي أعيشه حيث لم يمض سوى عامين على اختطاف معنى كلمة التغيير.. لذلك مازال الأسى رطباً في قلبي وعقلي.
ثم إن ربنا جل وعلا ذكر التغيير في قوله تعالى:
{إنَّ اللّهّ لا يٍغّيٌَرٍ مّا بٌقّوًمُ حّتَّى" يٍغّيٌَرٍوا مّا بٌأّنفٍسٌهٌمً }.
وهذا ما يؤكد أن التطوير ينطلق من التغيير .. وأي تغيير؟ إنه تغيير ما بالنفس... تغيير المواقف والاتجاهات والميول تجاه كل أمر أو قضية .. والذي يترتب عليه التغيير على أرض الواقع.
ان الزمن الذي نعيشه يا صاحبي.. بأحداثه الجسام يحتاج إلى أكثر من عملية تطوير.. نحن نعيش في مرحلة حرجة خطيرة .. وان النفس فطرت على استدناء الخير واستبعاد الشر.. لكننا الآن على خط المواجهة الأول.. والذي يقول بغير ذلك أما أنه يعلم ما لا نعلم أو أنه لا يعلم.
التغيير يجب أن يطول أنفسنا أولاً.. كأن نغير بؤرة تركيزنا تجاه الوطن نتساءل ماذا قدمنا له بدل أن يكون سؤالنا ماذا قدم لنا الوطن؟.. ثم تطول تعاملاتنا مع الآخرين .. فنقبل الآخر ونتفاعل معه ونقبل ذلك الاختلاف كحقيقة .. فالاختلاف في الشرائع والمناهج والتعددية والتيارات سنة إلهية:
{وّلّوً شّاءّ رّبٍَكّ لّجّعّلّ النَّاسّ أٍمَّةْ وّاحٌدّةْ وّلا يّزّالٍونّ مٍخًتّلٌفٌينّ إلا من رحم ربك} .. وأخيراً يطول التغيير أنظمتنا الإدارية والاقتصادية والاجتماعية.. وكافة قطاعات العمل الحكومي والخاص والنفع العام.. وهو ما رأينا بوادره والحمد لله في التشكيل الوزاري الجديد.
التغيير حاجة ملحة قائمة فمن لا يتقدم يتقادم.. فالعالم من حولنا يسير بسرعة هائلة بفعل أنظمته الإدارية والاقتصادية المرنة المحفزة مما هيأ له قدرة تكنولوجية هائلة ساهمت في مضاعفة سرعته.. إننا في سباق مع الزمن .. ونحن في بلد حباه الله بكل الثروات الطبيعية التي تشكل قاعدة صلبة للريادة والقيادة.. ولابد لنا من اغتنامها قبل أن نفقدها.
وطننا هو سفينتنا التي نجوب بها المستقبل.. ونريدها أن تكون مواكبة للركب العالمي على الأقل إن لم تسبقه.. هل لاحظت يا صاحبي أننا صرنا لا نشكو من تأخرنا.. ولا نطالب بتقدمنا.. بل نطالب بحماية السفينة من الغرق حتى لا نغرق معها؟.. ألا ترى أن التطوير في ذهن كثيرين هو أن نطفو فقط؟.. إن أمامنا رحلة عمل طويلة حتى نصل إلى مرحلة المطالبة بالسير.. ناهيك عن المطالبة بالإسراع.
الأمور يا صاحبي لم تعد تحتمل التأخير أو المجاملة.. وشاعرنا القديم قال:


ووضْعُ الندا في موضع السيف في العلا
مضر كوضع السيف في موضع الندا

هكذا أرى الأمور وقد أكون مخطئاً.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved