* القاهرة - مكتب الجزيرة - عثمان انور..علي البلهاسي:
بعد التعامل عن بعد والاكتفاء بدبلوماسية الهواتف اصبحت تتعامل الولايات المتحدة الأمريكية وعلى اعلى مستوياتها السياسية ممثلة في الرئيس بوش وجها لوجه مع الواقع في منطقة الشرق الاوسط وبعد أن كان الرئيس بوش لا يعطي اهتماما بما يكفي لقضايا المنطقة وكانت القضية الفلسطينية لا تحوز مساحة كبيرة في توجهاته وتفكيره أصبح بعد الاحداث الاخيرة اكثر اقبالا وتعاملا معها ومع قضايا المنطقة.
ولعل جولة بوش في منطقة الشرق الاوسط وحضوره قمتي شرم الشيخ والعقبة تمثل نقطة فاصلة في تعامل السياسة الأمريكية تجاه المنطقة حيث تأتي هذه في سياق متغيرات هامة شهدتها المنطقة في الفترة الاخيرة من الحرب على العراق والرغبة في التوصل لتسوية القضية الفلطسينية وقبول اسرائيل لخارطة الطريق والاجراءات التي اتخذها شارون لتخفيف الحصار عن الفلسطينيين هذه المتغيرات حدت بالمراقبين للقول ان هذه الجولة التي يقوم بها بوش وحضوره قمتي شرم الشيخ والعقبة تسعى الى مد جسور جديدة الى قلب العالم العربي كما أنها تختلف عن زيارة الرئيس الأمريكي السابق كلينتون حيث من المأمول هذه المرة احداث تقدم على مستوى القضية الفلسطينية من جراء المتغيرات التي حدثت ويعزز من هذه الآمال قمة ايفان التي بحثت خطة خارطة الطريق حيث أصبح هناك اعتراف وقبول واسع بها خاصة بعد ان قبلها الجانب الفلسطيني كما بحثت قمة ايفيان احلال السلام والاستقرار وقضية الارهاب التي تتعرض له العديد من دول العالم وليس آخرها ماحدث في الرياض والمغرب وأكدت القمة على التصدي لهذه الظاهرة.
تحول نحو العرب
يقول المحللون ان جولة الرئيس الأمريكي بوش في المنطقة تأتي في اطار التحول الجذري في الاستراتيجية الأمريكية نحو العالم العربي بعد حرب العراق ويرون ان الفترة الماضية كان واضحا فيها التواطؤ الأمريكي مع انتهاكات اسرائيل لكل قرارات الشرعية الدولية تحت شعار تحرير العراق الذي كانت ترفعه أمريكا تحسبا للمصداقية بين الشعب العراقي كما وصل الغزو الأمريكي للعراق بكراهية أمريكا بين الشعوب العربية الى مستويات دنيا غير مسبوقة في تاريخ العلاقات العربية الأمريكية وبعد الغزو الأمريكي للعراق ايقنت الادارة الأمريكية ان اخطر ما يهدد مصير الامن القومي والمصالح الحيوية للولايات المتحدة في الشرق الاوسط وعلى الصعيد العالمي هو ان تواصل استراتيجيتها لتحسين صورتها.
ويؤكد المراقبون ان بوش نفسه ادرك ان عدم تنفيذ رؤيته وخطته للسلام بإنهاء الاحتلال الاسرائيلي واقامة الدولة الفلسطينية حسب خريطة الطريق وعدم سحب القوات من العراق وتحولها الى قوة احتلال تحت اي ذريعة لن يولد سوى المقاومة ولن يفرخ سوى الارهاب ضد المصالح الأمريكية وربما ادرك بوش مع المصاعب التي يواجهها في العراق ان سعيه نحو حل الصراع العربي الاسرائيلي ربما يحسن نوعا ما من صورة الولايات المتحدة ويغطي على ما يحدث في العراق ولذلك كانت الجهود الأمريكية المكثفة لانقاذ عملية السلام في الفترة الاخيرة تسير في هذا الاتجاه.
ويقول المحللون ان الرئيس الأمريكي بوش قرر العودة الى المنطقة مرة أخرى بعد اصرار ادارته منذ توليها الحكم على تجاهل القضية الفلسطينية والابتعاد عنها واعلن تأييده لفكرة اقامة دولة فلسطينية.. وظلت الادارة الأمريكية بعيدة عن الصراع حتى عشية حرب العراق وبضغط من رئيس الوزراء البريطاني توني بلير عاد بوش يتحدث عن حتمية قيام الدولة الفلسطينية مرة اخرى ومع تحقيق النصر السريع في العراق بدا ان الولايات المتحدة وادارة بوش مصممة على الوفاء بالوعد الذي قطعته للعالم العربي بأن تضغط من اجل تحقيق انفراج بين الاسرائيليين والفلسطينيين تمهيداً لتنفيذ خريطة الطريق التي يدعمها بوش والتي تبدأ بإنهاء العنف بين الجانبين ووقف نشاطات الاستيطان تمهيدا لاقامة دولة فلسطين عام 2005.
وربما كان الشرط الاساسي للولايات المتحدة لاستئناف علمية السلام هو عدم التعامل مع عرفات الذي لايثق فيه بوش واقامة حكومة فلسطينية تملك صلاحيات واسعة للتعامل معها بدلا من عرفات وكانت حكومة ابو مازن الذي تثق فيه الولايات المتحدة خطوة حقيقة ضمن عدة خطوات للفلسطينيين على طريق الاصلاح لاثبات نيتهم في تحقيق السلام بينما ظل الجانب الاسرائيلي بزعامة شارون على تعنته ولم يقدم الا حدا ادنى من التنازلات ومع وجود تحفظات اسرائيلية على خطة السلام الأمريكية قد تعيق الجهود الأمريكية المبذوله كان لابد من ممارسة الولايات المتحدة الضغوط على الجانب الاسرائيلي للتجاوب مع هذه الجهود ولذلك كانت جولة الرئيس الأمريكي في المنطقة وحضورة قمتي شرم الشيخ والعقبة.
تدخل شخصي
ويعكس تدخل الرئيس الأمريكي بوش المباشر في وضع الشرق الاوسط حسبما قال مسؤلون في الادارة الأمريكية الخوف المتزايد من ان عدم وجود تدخل قوي من واشنطن سيقلل من فرص ايجاد حل للنزاعات الاسرائيلية الفلسطينية وسيفشل جهود السلام المبذولة تاركة وراءها مزيداً من العنف بين الجانبين بينما يرى مسؤلون آخرون ضرورة الا يتدخل الرئيس الأمريكي شخصيا في عملية السلام خوفا من الفشل وملاقاة نفس المصير الذي لاقاه الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون في كامب ديفيد ويقول هؤلاء ان المناخ وفي العالم في المنطقة يحمل قلقا ويأسا بسبب تزايد العنف بين الجانبين الاسرائيلي والفلسطيني وفشل زيارة وزير الخارجية الأمريكية كولن باول الاخيرة في سد ثغرة الخلافات بين الطرفين.
ولذلك كان هناك انقسام في الادارة الأمريكية حول تدخل بوش شخصيا في عملية السلام وقيامه بجولته في الشرق الاوسط واعترف المسئولون الأمريكيون انه سيكون امرا مثيرا جدا ان يتدخل بوش بشكل مباشر في حل المأزق القائم بين الاسرائيليين والفلسطينيين حول من سيقوم بالمبادرة الاولى للتخفيف من العنف والتوتر ومع اصرار الرئيس الأمريكي على اقتحام القضية وحل النزاع كان قراره بزيارة المنطقة وحضور قمتي شرم الشيخ والعقبة والتي استبقها بضغوط على الجانب الاسرائيلي للموافقة على خطة الطريق وتقديم التسهيلات للجانب الفلسطيني مقابل التنازلات الفلسطينية وفك بعض المستوطنات الصغيرة التي لا تهدد امن اسرائيل.
البعد عن الفشل
وتبدو جولة الرئيس الأمريكي في المنطقة خطوة سريعة في طريق الجهود الأمريكية لاحياء السلام وانهاء النزاع الاسرائيلي الفلسطيني لاجلاس الجانبين على طاولة المفاوضات ودفعهم الى تقديم تنازلات لانهاء النزاع عبر مشروع السلام الجديد خريطة الطريق، ولعل بوش يثق في ان ما جاء به الى قمتي شرم الشيخ والعقبة مختلف هذه المرة عن القمم الأمريكية العربية الفلسطينية الاسرائيلية خاصة تلك التي عقدت في عهد سلطة كلينتون والتي لم تحقق أي تقدم نحو اي سلام اسرائيلي فلسطيني عربي بل ادى فشلها الى اندلاع الانتفاضة الفلسطينية ووصول شارون والليكود الى الحكم وما تبع ذلك من تدمير وتنكيل وفظائع اسرائيلية في الضفة وغزة.
لقد كان الرئيس بوش يفضل منذ توليه الرئاسة البعد عن هذه القضية وكان ينتقد في مطلع ولايته اسلوب كلينتون في معالجة النزاع الفلسطيني الاسرائيلي فهل يعني تغيير رأيه والعودة للسير على خطوات سلطة كلينتون انه ادرك أهمية وجود أمريكي حقيقي لحل هذا النزاع الذي اكدت الظروف الاقليمية والدولية الاخيرة ضرورة انهائه، ولكن هل سينجح بوش هذه المرة فيما فشل فيه كلينتون من قبل؟ وهل يستطيع بوش ممارسة ما لم يستطع الرؤساء السابقون له ممارسته من ضغط على اسرائيل خصوصا ان الانتخابات الرئاسية التي اعلن ترشيحه لها باتت قريبة وهل سيقدم شارون تنازلات حقيقية ويتجاوب مع الضغوط الأمريكية..
كل هذه التساؤلات ربما وجدت الإدارة الأمريكية وعلى رأسها بوش اجابات لها بعد ان خاطرت باقحام نفسها في طريق حل النزاع الذي استعصى حله على اطراف كثيرة على مدى أكثر من 50 عاما ويقول المحللون ان عودة المصداقية للموقف الأمريكي سوف يكون الحكم عليها من خلال وقف سياسات العنف والانتهاكات الاسرائيلية واقناع اسرائيلي بأنه لا بديل عن الانسحاب من الاراضي المحتلة اذا كانت راغبة في الامن والاستقرار والسلام واذا كان بوش قد استطاع تحقيق نصر سريع في العراق فهل ستكون معركته صعبه لحل النزاع العربي الاسرائيلي هذا ما تثبته الايام القادمة ولعل ذلك يحصل من جولة بوش نقطة فاصلة في تعامل السياسة الأمريكية تجاه المنطقة.
|