Thursday 5th june,2003 11207العدد الخميس 5 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

كل ذنوب الأرض تتضاءل أمام الخيانة كل ذنوب الأرض تتضاءل أمام الخيانة
عبد الله بن ثاني

هل سمعتم أيها السادة بدويبة الرتيلا التي يأكلها أبناؤها وهي تحملهم على ظهرها؟ وهل سمعتم بطائر القطرس القطبي الذي يخرج كل يوم إلى الصيد فإذا ما عاد خالي الوفاض فتح جناحيه لفراخه الصغار لتأكل من صدره حتى تشبع، ثم يتهاوى ميتاً بين يديها؟ وهل سمعتم بوطن أشبه في مسؤولياته بما ذكرنا يدفعه أبناؤه في عقوقهم إلى الاعياء والاحراج، أمام العالم في صورة عبثية بحيث يصبح فيها كل شيء مباحاً لا يمكن أن تثبت نظرياتها أي رياضيات سياسية أو لوغاريتمات أيديولوجية تؤمن بوحدة التجربة الإنسانية، والذي تولى محاولة اثبات خطواتها جاهل لا يفهم من علمه سوى الاقعاء على ضحيته ليمتص نخاعها بأنيابه ويمزق جسدها بمخالبه بعد أن استدرجها إلى دهاليز كهفه المظلم في ظل غياب قناديل التمدن والحضارة، فأي محنة وطنية تلك التي تبرر التدمير والارهاب والفتك والقتل، تؤمن بالسيطرة وتعطيل الحوار، وتنفر من الثنائية المشرقة التي تقوم على مبدأ: إن كنا نختلف في بعض وجهات النظر، فنحن نتفق على وجهات أكثر، يشترك في ذلك كل من برر للعمليات التي أزعجت عاصمتنا الرياض الحالمة والشامخة بتاريخها وحضارتها، بطريق مباشر أو غير مباشر، فيخرج بعضهم في وسائل الإعلام ويقول: إنني أدين هذه العمليات والإسلام لا يقرها ثم يضعون مبررات فهو يعالج من جهة ويدمر من جهة أخرى وظنهم أن الناس لا تفهم طريقتهم تلك إذ يحمّلون البطالة والاصلاحات الداخلية السبب، وهما بريئان وإن كنت لا أدعي خلو مجتمعنا من أضرارهما إلا أن الحكمة ساعية بإخلاص لعلاج البطالة وطرح مبدأ السعودة في الواقع والنتائج تبشر بالخير ولله الحمد وساعية في قضية الاصلاحات ومعالجة الفساد التي جاءت على لسان ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله حفظه الله، كل ذلك يؤكد أن هذا المبرر لا علاقة له بما حصل لأن الذي يستطيع أن يشتري هذا الكم الهائل من الأسلحة والمتفجرات لا يعاني من البطالة والفقر والجوع وإلا لما استبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير والحق يثبت أنه لا دخل للمعاهدين في ذلك، فحضورهم للبلاد بناء على عهد وميثاق مع ولي الأمر يقدمون من خلاله الخبرة والتدريب ثم يرحلون لبلادهم، وكان يجب أن نحسن إليهم ونريهم من محاسن الإسلام ما يؤدي إلى اعتناقهم ديننا الحنيف وليتهم يدركون أن قتلهم لا ينهي مشكلة ولا يفرض حلاً ولكنه فقط يثير الفتنة ويسبب ارتباكاً في أمن المجتمع واستقراره ويسبب احراجاً مع الدول التي يتبعها هؤلاء المعاهدون، كما أن المناهج لا علاقة لها بتبني ذلك الفكر الحركي، إنما القضية تتعلق بمن يقوم على تدريس ذلك المنهج والترويج له على يد أكاديميات وأساتذة لا يفهمون من الواقع ما يتجاوز أرنبة أنوفهم، ومن الظلم أن توصف هذه المناهج بذلك، والسواد الأعظم من أبناء المملكة المتمدنين قد تعلموا على يديها قياساً على عدد قليل يؤمن بالخروج والاساءة وقتل المعاهدين من الشباب الذين تعلموها في أفغانستان وعلى يد بعض الرموز الحركية التي تحمل شهادات في الهندسة والطب ورصف الطرق وبناء الجسور وهي أبعد ما تكون عن المنهج الرباني الذي فهمه الأئمة من أمثال هيئة كبار العلماء وغيرهم السائرين على منهج السلف الصالح في فهم الواقع فهماً يتفق مع المصلحة العليا للأمة، وبكل أسف باعهم الأفغان في النهاية بثلاثة آلاف دولار لغوانتانامو وسبوا نساءهم وذراريهم، فأين الجهاد وأين قيم الجهاد وأين هم من الإسلام الذي يؤكد أن المسلمين يحبون هداية الناس ويفضلون ذلك على سواه، والدليل على ذلك أن عمر بن عبد العزيز أمر الجيش الإسلامي بالخروج من سمرقند لما جاءه أهلها يشكون دخوله دون إنذار، وكان ذلك سبباً في دخول الناس في دين الله أفواجاً. لم يكن مفتوناً ذلك المسلم بجمع مزيد من الأراضي، ولم يكن مهتماً بإكراه الناس على الدخول في الإسلام بالقمع والقوة والاستبداد.
وقد ذكر ابن كثير في البداية والنهاية أن الفرنج دخلوا الاسكندرية فأحرقوا أبواباً كبيرة منها، وعاثوا في أهلها فساداً يقتلون الرجال ويأخذون الأموال ويأسرون النساء والأطفال وأقاموا بها الجمعة والسبت والأحد والاثنين والثلاثاء وتركوها يوم الأربعاء بعد قدوم قوات المقاومة المصرية، وأخذوا معهم أربعة آلاف من النساء وذهباً وحريراً وبهاراً وغير ذلك ما لا يحد ولا يوصف، وسمع للأسارى من العويل والبكاء والشكوى والجأر إلى الله والاستغاثة بالسلطان وبالمسلمين ما قطع الأكباد وذرفت له العيون وأصم الأسماع، وبلغ ذلك أهل دمشق وشق ذلك عليهم، وذكر ذلك الخطيب يوم الجمعة على المنبر فتباكى الناس كثيراً، وجاء المرسوم الشريف من الديار المصرية إلى نائب السلطنة يمسك النصارى في الشام جملة واحدة وأن يأخذ منهم ربع أموالهم لعمارة ما خرب من الاسكندرية ولعمارة مراكب تغزو الفرنج، فأهانوا النصارى وخافوا أن يقتلوا فهربوا كل مهرب. قال ابن كثير: «ولم تكن هذه الحركة شرعية، ولا يجوز اعتمادها شرعاً، حتى وإن أفتى بعض فقهاء مصر بذلك».
إن هذه الحادثة التي ذكرها الإمام في أحداث سنة سبع وستين وسبعمائة تبين بوضوح الالتزام الإسلامي تجاه البشرية التي يسعى إلى هدايتها واخراجها من الظلمات إلى النور ومن عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، كما تبين الفقه الذي مكن للإمام ابن كثير من الصدارة والقبول لدى الناس على مر القرون، إذ لا يخلو بيت مسلم من تفسيره وآرائه الواقعية بخلاف أولئك الفقهاء الذين افتوا بجواز سلب النصارى، الفتك بهم انتقاماً في صورة تشبه إلى حد كبير ما تصدر له بعض طلبة العلم في هذا الزمن إذ حولوا خطبة الجمعة والدروس العلمية إلى نشرات أخبار تتميز على بعض القنوات الفضائية ومراسليها، فإن فاتك شيء من الأخبار فقد تسمعه على لسان الخطيب بتحليل وتدقيق يهيج العامة ويخالف تعليمات ولاة الأمر الذين يقدرون لكل مرحلة ما تحتاجه من الخطاب، ولقد آلمنا أن يُمتطى الإسلام لبلوغ مآرب وأهداف على يد مجموعة من الحركيين الذين استباحوا الدماء والأمن والاستقرار بشبه لا يفهم حقيقتها من يقبض عليه بحضرة الباروكات وعلب المكياج والزي النسائي، فمتى كان المسلمون يلجأون الى هذا وبهذه الطريقة المقززة.
أيها السادة الكرام:
ان من ينعم النظر ويمعن الفكر في نتائج صلح الحديبية والتي ذكرها الإمام ابن القيم في زاد المعاد يجد بوناً شاسعاً في فهم طبيعة العلاقة بين المسلمين وغيرهم في الشريعة وبين ما يقرره بعض الجهلة غير مدركين حقيقة الجهاد وقواعد المصالح المرسلة وأساس الولاء والبراء في ديننا الحنيف.
لقد وقعت حادثتان في ذلك الصلح، مع كفار وثنيين وليسوا أهل كتاب أحدهما مجيء أبي جندل ابن سهيل بن عمرو قبل كتاب الصلح فطلبه الرسول صلى الله عليه وسلم من أبيه فرفض إتمام الصلح إلا برجوعه للكفار حتى قال: يفتنوني في ديني يا رسول الله. قال: اصبر واحتسب فرجع وغضب عمر بن الخطاب حتى أفهمه المصطفى أن الله ناصره. يقول عمر: ما زلت أكفر عن تلك المخالفة حتى استشهد رضي الله عنه مع أنه التزم السمع والطاعة بعد ذلك.
والأخرى يستدل بها كثير من الحركيين على شرعية الهجوم والتدمير وهي قصة أبي بصير الذي أمره المصطفى صلى الله عليه وسلم أن يخرج من المدينة وقال: ويلمّه مسعر حرب لو كان معه أحد وهنا نقاط لابد من ابرازها:
1- ان المصطفى لم يخالف العهد الذي بينه وبين الوثنيين الكفار حسب الشرط الذي يأتيه من الكفار يرجعه إليهم والذي يأتيهم من المسلمين لا يرجعونه.
2- ان الرسول أمره بالخروج من المدينة ولم يأمر أحداً من الصحابة أن يرافقه (لو كان معه أحد) ولو أصر على البقاء لسلمه للكفار حسب الشروط.
3- ان قول المصطفى يؤكد على أن المسلم يجب أن يطيع ولي الأمر في غير معصية الخالق، ولذلك التزم أبو بصير بهذه الطاعة فخرج مع أن ظاهر الأمر خذلان ولم يرده ذلك عن دينه ولم يتهم المصطفى بتسليم أتباعه بل عمل على نقض ذلك الشرط الجائر بعمل فردي لم يتحمل المسلمون نتائجه، ولو كانت له نتائج مثل التي نراها اليوم لتوقف أبو بصير عن الضرر بإخوانه.
4- أن هذه الحادثة في ذلك الصلح جرت والمسلمون في منعة وقوة ولا يستطيع الكفار أن يستغلوها للنيل منهم، بخلاف ما عليه المسلمون اليوم من الضعف والهزيمة ومع ذلك يستعجلون النتائج والتمكين بتصرفات تجعلنا نتقدم خطوة واحدة ونتأخر خطوات وتعطي الآخر القوي مبرراً لضربنا وتدمير مدخرات الأمة.
وأخيراً : إن انتشار الإسلام في بلد مثل إندونيسيا أكبر دولة مسلمة هذا اليوم بالأخلاق دليل على نجاح هذا الأسلوب الذي أقره الأنبياء والرسل والآيات والنصوص تشهد بذلك، ولكن العجب أن ترى العملة السيئة والمزيفة تطرد العملة الجيدة من السوق، لكن الزمن يبقى زمن الفئة السلفية الصادقة التي تتكلم كل مئة سنة مرة واحدة تعود بالناس إلى المنهج الصحيح، وحينها تتكلم كما يتكلم البركان الثائر، وما نراه من بعض الجهلة والسفلة الذين يتجاوزون في نقدهم حتى يصلوا عرض العلماء الكبار وجهود المشايخ الفضلاء انما هي عادة الصغار أمام الكبار عندما يكون الإعلام ووسائل الاتصال بأيديهم، فالشمس تبقى حقيقة حتى وإن اخترع الناس أنواع الظلال من أسقف وقبعات ونظارات.. كان الله في عون أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
والله من وراء القصد

(*) الإمارات العربية المتحدة

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved