من ألطف ما قرأت فيما كتب عن الشاعر الكبير علي أحمد باكثير رحمه الله مقالاً بقلم الأستاذ زهير مارديني تحت عنوان «مات الشاعر بين الكتاب والمحبرة» نشرته له صحيفة «الجزيرة» الغراء ضمن أسبوعياتها وكان في عددها الصادر في 9 محرم 1390ه، وحقاً أحسن الأستاذ الكاتب الوصف تجاه مشاعره الحزينة لوفاة صديقه الشاعر باكثير، ولكن ما راعني في مقاله ان يخطئ خطأ فادحاً عند بداية المقال فقد قال:
«هذه هي قصة المهاجر الحضرمي الذي ترك مسقط رأسه «تريم» بحضرموت عام 1931 إلى القاهرة» والناظر بفحص إلى هذه العبارة سيقف بلا شك على خطأين أولهما ان الكاتب ذكر بأن «تريم» بحضرموت هي مسقط رأس الشاعر الأستاذ باكثير، وهذا خطأ لا تشوبه ذرة من صحة، ولتحقيق هذا الخطأ الأول للكاتب بإمكان كل مطلع الرجوع إلى كتاب «قضايا جديدة في أدبنا الحديث» للدكتور محمد مندور الذي يذكر في الصفحة السادسة والأربعين بعد المائة من كتابه المذكور، في فصل «في المسرح» وتحت عنوان «مسرح باكثير في معهد التمثيل» يذكر الدكتور مندور وهو يتناول الحديث عن بحث تقدم به أحد الطلبة عن مسرح الأستاذ باكثير للحصول على دبلوم النقد والبحوث الفنية، ناسباً القول إلى الطالب الباحث، يذكر ان الأستاذ علي أحمد باكثير ولد في إندونيسيا سنة 1910، وثمة مجلة «الأديب» البيروتية تذكر في عددها الأخير لعام 1969 ضمن برقياتها الأدبية أن الشاعر ولد في إندونيسيا، بل لم نذهب في البحث بعيداً والأستاذ مارديني نفسه يقول في مقاله بالنص: كان باكثير يستلهم مسرحياته من مجريات الأحداث فيخلد كفاح إندونيسيا موطنه قبل هجرته للوطن العربي الخ.. وهو قول يوضح موطن الشاعر قبل هجرته وهو إندونيسيا، فكيف نوفق بين هذا القول والقول الأول في بداية المقال.
أما الخطأ الثاني ولعله أقل فداحة من سابقه استطرد المارديني بقوله: «إلى القاهرة» لقوله «ترك مسقط رأسه «تريم» بحضرموت عام 1931». والواقع وهذا ما وقع ان الأستاذ باكثير نزل بمكة والمدينة شرفهما الله، وأقام بهما وغيرهما حوالي سنتين حسب تاريخ الأستاذ المارديني لترك الشاعر مسقط رأسه على حد قوله قبل ان تطأ قدماه أرض القاهرة، وقد أرخه بعام 1931 لأن وصول باكثير إلى القاهرة كان في سنة 1933 وفي خلال إقامة الشاعر بالحجاز اتصلت بينه وشيجة صداقة وبين بعض أدباء الحجاز كالأستاذين الجليلين ضياء الدين رجب وعبدالقدوس الأنصاري وغيرهما.. ولما نعت الأنباء وفاة الشاعر باكثير تضرمت يراع هذين الشيخين الفاضلين بكلمات اللوعة والمضض على وفاة صديقهما الشاعر، مرددة ذكريات ماضيهم الجميل، وإقامة الشاعر باكثير بالحجاز على هذا النحو من الصداقة الودية الأدبية لا تسيغ للأستاذ مارديني ان يغض النظر عنها وهو يذكر انتقال الشاعر من حضرموت إلى مصر دون الإشارة إليها.
وأقف هنا لانتهي بما ابتدأت به مقالي لطافة الأستاذ مارديني في كتابة مقاله.
|