طلب مني ثلاثة من طلاب الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة على صفحات جريدة الجزيرة الغراء أن أكتب ترجمة وافية ومفصلة عن صاحب السماحة والفضيلة والدنا وشيخنا وأستاذنا الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ ويعلم الله أنني دائماً وكثيرا ما أتذكر هذا الإمام العظيم وهذا العالم العلامة والحبر الفهامة ابن تيمية زمانه وأبوحنيفة عصره وأوانه فتسعفني ذاكرتي وتحدثني مخيلتي عن عظمة هذا الإمام الكبير والمكانة التي كان يملؤها سماحته رحمه الله وأجزل مثوبته وأنزله منازل الرسل والأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا جزاء ما قدم من علم وتوجيه وارشاد وموعظة وحكم بين الناس بكتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام وأفتى على ضوء الكتاب والسنة المطهرة. لذا أحببت أن أكتب عن هذه الشخصية الإسلامية الكبيرة لأبنائنا الطلاب الذين قد لا يعرفون الكثير عن هذا الرجل العظيم والرجال قليل بل هذا العالم العامل والتقي الزاهد والعلامة الكبير والورع العابد الذي كان بمثل جده الامام المصلح المجدد الأول للعقيدة السلفية في العصر الحديث شيخ الإسلام محمد بن عبدالوهاب خير تمثيل فدعوته رحمه الله جديدة قديمة.
أما أنها جديدة فلأنها جاءت في العصر الحديث وأما أنها قديمة فلأن دعوة الشيخ الإمام محمد بن عبدالوهاب امتداد لدعوة رسول الله محمد عليه الصلاة والسلام ولو سلمت هذه الدعوة الإسلامية السلفية الخالصة من أعداء الدعوة وخصومها ومناوئيها في ذلك الزمن لكان من المرجو جداً أن يوحد الشيخ محمد بن عبدالوهاب العرب على الإسلام في القرن الثاني عشر الهجري كما وحدهم محمد صلى الله عليه وسلم في القرن الأول فقد جاءت دعوة الشيخ محمد بن عبدالوهاب لمحاربة الشرك والبدع والخرافات والخزعبلات والرجوع إلى القبور والأضرحة والتمسح بها والاعتقاء بأنها تضر أو تنفع أو تشفع أو تمنع فهو خليفته في حياته وللحقيقة والتاريخ أقول إن صاحب السماحة والفضيلة شيخ الإسلام الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبداللطيف آل الشيخ إمام العلماء وشيخ الفقهاء واستاذ الاجيال ومفتي المملكة ورئيس قضاتها والمجدد الثالث للعقيدة الإسلامية والدعوة السلفية في العصر الحديث. فإن سير هؤلاء الاعلام تملأ الأجيال المتأخرة روحاً تقدمية ونفسا طموحة إلى العلا. لذلك يسرني أن أقدم هذه السيرة العطرة لنابتة بلادنا العزيزة المملكة العربية السعودية ولشباب الأمة العربية والإسلامية لتكون حافزا لهم للاقتداء بسماحته رحمه الله فقد كان ملء العين والبصر «مالىء الدنيا وشاغل الناس» إذ هو حديث المجالس والمنتديات ففضيلته أمة وحده لما يتمتع به من علم غزير كالبحر وعقل كبير كجبل أحد وبعد نظر وحكمة ودهاء وتدبر وتؤدة وخوف من الله ومراقبته والغضب له سبحانه وتعالى والغضب لرسوله عليه الصلاة والسلام مع رجاحة عقل وقوة شخصية وقول كلمة الحق إذ لا يخاف في الله لومة لائم ففضيلته قدس الله روحه ونوّر ضريحه ورحمه رحمة الأبرار قد كان عالماً جليلاً وقاضياً عادلاً وأصولياً متبحراً وفقيها مجتهداً وداعياً محتسباً في كل أعماله وأفعاله وأقواله ومناصبه العلمية والعملية واستاذاً متمكنا في علوم الشريعة الاسلامية من فقه وحديث وتفسير وتوحيد وأصول فقه وأصول حديث ونحو وفرائض وتاريخ وقال هؤلاء الطلاب وغيرهم من الأصدقاء والأحباء: إننا نسمع ونقرأ عن الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ بعضاً من جوانب شخصيته المتعددة المباركة وعلمه وفضله ومواقفه الاسلامية الشجاعة في الحق وللحق وعلى الحق وحيث إنك من المعاصرين له وقد حدثته شخصياً وجلست إليه وسألته وأخذت عنه واستفدت من علمه وما أكثر فوائده والسائلون لي ممن يهتمون بالعلم والثقافة والفكر والمعرفة وقالوا إنك مهتم بالتأليف والكتابة بالصحف وإلقاء الأحاديث في الاذاعة والتلفزيون والمشاركة في اللقاءات والندوات والمحاضرات عن تراث الإمام الشيخ محمد بن عبدالوهاب وأبنائه وأحفاده وعلماء الدعوة السلفية واستجابة لهؤلاء وأولئك يسعدني ويشرفني أن أقول مترجماً لسماحته رحمه الله وغفر له جزاء وفاقاً لاعماله العظيمة الخالدة:
نسبه:
الإمام الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ أستاذ الأجيال وشيخ العلماء ومفتي المملكة ورئيس قضاتها والرئيس والوالد والشيخ والمرجع لرجال العلم وطلابه، فهو علم من أعلام الاسلام وشيخ من شيوخه المحققين المجتهدين في العلوم والمعارف الإسلامية والراسخين فيها، عالم في التفسير والحديث والفقه والتوحيد وعلم الأصول ومصطلح الحديث والفرائض وعلوم اللغة العربية من نحو وصرف وفقه اللغة العربية فهو صاحب السماحة والفضيلة الشيخ محمد بن الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبداللطيف بن المجدد الثاني للدعوة السلفية الإمام الشيخ عبدالرحمن بن الشيخ حسن بن الإمام المصلح شيخ الإسلام والمجدد الأول للعقيدة السلفية في العصر الحديث الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمهم الله جميعاً فقد كان علماً من أعلام الدعاة المصلحين ومن كبار فطاحل العلم الذين قلما يجود بهم الزمن.
مولده:
ولد في مدينة الرياض في اليوم السابع عشر من شهر محرم سنة احدى عشرة وثلاثمائة وألف من الهجرة وكان مولده في بيت علم وفضل وتقى.
نشأته:
نشأ رحمه الله نشأة دينية علمية كريمة فحفظ القرآن وتعلم القراءة والكتابة وضبط القرآن وجوده فقد أدخله والده العلامة الشيخ إبراهيم بن عبداللطيف وعمره سبعة أعوام بكتاب للمقرىء عبدالرحمن بن مفيريج وكان والده قاضياً لمدينة الرياض ومن أكبر علماء نجد في زمنه وعرف الشيخ محمد بن إبراهيم بالذكاء والنبوغ والتدين العميق وحب المطالعة وسعة العلم وكف بصره ولم يبلغ الرابعة عشرة من عمره كما فقد والده الشيخ إبراهيم أيضا عام 1329هـ وكان لذلك أشد الوقع في نفسه.
أساتذته وشيوخه:
أخذ من شيوخ العلماء في عصره. فقد شرع في قراءة العلم في مختصرات الشيخ محمد بن عبدالوهاب ومبادىء النحو والفرائض وكتاب التوحيد الذي هو حق الله على العبيد ومختصرات شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم كالواسطية والحموية وكذلك عُني بمختصرات النحو والفرائض كالأجرومية والرحبية ودرسها على والده الشيخ إبراهيم وعمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف رحمة الله عليهما وقد شرع في طلب العلم والتحصيل على علماء الرياض زيادة على طلبه العلم على عمه وأبيه فدرس التفسير والحديث وأصولها على الشيخ سعد بن الشيخ حمد بن عتيق فقد لازمه ملازمة طويلة وفي النحو وعلوم اللغة العربية على الشيخ حمد بن فارس وفي علم الفرائض والمواريث على الشيخ عبدالله بن راشد وقد طلب من أخيه الشيخ عبداللطيف بن إبراهيم رحمهم الله جميعا بتحضير المسائل والموضوعات العلمية واعداد الدروس ولم يزل على حاله في الاشتغال بالعلم وصرف جميع أوقاته في تحصيله فأدرك في زمن قصير ما لم يدركه غيره في الزمن الطويل وكان أبرز تلاميذ عمه العلامة الشيخ عبدالله بن عبداللطيف ولما مرض عمه الشيخ عبدالله وأشتد به المرض أشار على جلالة الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود رحمهم الله بابن أخيه الشيخ محمد بن إبراهيم لما يتمتع به من علم وعقل وأخبره بكفاءته العلمية إذ يصلح أن يخلفه بعد مماته في إمامة المسجد والتدريس وحل المشكلات القضائية والفتيا إلى غير ذلك من المهام الجسام. فلما توفي عمه الشيخ عبدالله بن عبداللطيف عام 1339هـ كان الشيخ محمد بن ابراهيم قد بلغ من العلم والتبحر فيه ما يؤهله للمكانة العلمية الكبيرة التي تنتظره فعينه جلالة الملك عبدالعزيز خلفا لعمه في الزعامة الدينية والرئاسة العلمية وتولى ما كان يقوم به عمه من التدريس والقضاء والإفتاء وإمامة الجامع الكبير والخطابة فيه والتصدر في مجالس العلم فالتف حوله الطلاب وشرعوا في القراءة عليه والاستفادة منه وقد رأى منه وفيه جلالة الملك عبدالعزيز الكفاءة والعلم والعقل لملء الفراغ الكبير الذي شغر بوفاة عمه وقد استمر سماحته في هذه الأعمال العلمية الكبيرة الرائدة مدة خمسين عاما من عام 1339هـ إلى عام 1389هـ وقد تخرج على يديه أفواج من العلماء كثيرون شغلوا مناصب القضاء والتدريس والدعوة إلى الله والإرشاد وتلاميذه يعدون بالمئات فلا يحصون عدّاً وحصراً ومنهم:
1 سماحة الشيخ عبدالله بن محمد بن حميد رئيس المجلس الأعلى للقضاء ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس المجمع الفقهي برابطة العالم الاسلامي بمكة المكرمة في حياته رحمه الله.
2 سماحة الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز مفتي المملكة ورئيس هيئة كبار العلماء ورئيس المجلس الأعلى لرابطة العالم الاسلامي والرئيس العام لإدارات البحوث العلمية والإفتاء رحمه الله.
3 فضيلة الشيخ عبدالرحمن بن قاسم جامع فتاوى شيخ الإسلام أحمد تقي الدين بن تيمية وصاحب المؤلفات المشهورة رحمه الله.
4 فضيلة الشيخ عبدالله بن محمد القرعاوي الداعية الاسلامي في جنوب المملكة رحمه الله.
5 الشيخ عبدالعزيز بن ناصر بن رشيد رئيس هيئة التمييز بنجد والمنطقة الشرقية رحمه الله وغيرهم مئات.
مؤلفاته:
لسماحته عدة مؤلفات أهمها:
1 مجموعة حديث في الاحكام مرتبة على أبواب الفقه.
2 مجموعة فتاوى تبلغ أربعة عشر مجلداً.
3 رسائل ونصائح ومواعظ كثيرة لا تعد ولا تحصى موجهة للأمة الإسلامية جمعاء داخل المملكة وخارجها وكان سماحته يقرض الشعر فمن شعره بعض من قصيدة في رثائه لعلامة القصيم الشيخ عمر بن محمد بن سليم الذي توفي في السابع عشر من شهر ذي الحجة عام 1362ه بقوله رحمهما الله تعالى:
إن المصيبة حقاً فقدُنا عمرا
أعْظِمْ به رزءا بنا كبرا
قطب القصيم وما دون القصيم وما
خلف القصيم وما مجرى القصيم جرى
عليه دار الهدى والحق بيّنه
كان الحياة وكان السمع والبصرا
أرزقه ياربنا عفواً ومغفرة
وأجبر مصيبتنا يا خير من جبرا
مناصبه:
ومن المناصب التي اسندت لسماحته:
1 رئاسة القضاء في جميع أنحاء المملكة.
2 رئاسة إدارات الإفتاء والدعوة والارشاد.
3 رئاسة الكليات والمعاهد العلمية فقد افتتحت الدولة السعودية وفقها الله اكثر من سبعين معهداً علميا وعدة كليات فهي النواة الأولى لجامعة الامام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض.
4 رئاسة الجامعة الإسلامية التي أسست بالمدينة المنورة عام 1381ه وبعد وفاة سماحته اسندت رئاستها إلى الشيخ عبدالعزيز بن عبدالله بن باز.
5 رئاسة المجلس الأعلى لرابطة العالم الإسلامي.
6 رئاسة المعهد العالي للقضاء.
7 رئاسة المجلس الأعلى للقضاء.
8 الرئيس الأعلى والمشرف العام على رئاسة تعليم البنات.
9 رئاسة دور الأيتام بالمملكة.
10 رئاسة معهد إمام الدعوة.
11 رئيس المعهد الاسلامي في نيجيريا.
12 رئاسة المكتبة السعودية بالرياض التي انشئت بجوار مسجد الشيخ عبدالله بحي دخنة بالرياض عام 1370ه.
13 الخطابة بجامع الإمام تركي بن عبدالله المعروف بالجامع الكبير لصلاة الجمعة وإمامة العيدين.
14 الإمامة بمسجد دخنة الكبير المعروف بمسجد الشيخ عبدالله مدة خمسين عاما من عام 1339ه إلى أن توفي في عام 1389ه رحمه الله.
15 الاشراف على نشر الدعوة الإسلامية بأفريقيا.
16 رئاسة مؤسسة الدعوة الإسلامية الصحفية التي تصدر عنه مجلة الدعوة.
17 رئاسة هيئة كبار العلماء.
18 الاشراف على ترشيح الأئمة والمؤذنين.
19 تعيين الوعاظ والمرشدين.
20 توزيع الصدقات على الفقراء والمحتاجين.
21 - رئاسة دار الحديث في المدينة المنورة. فلهذه المناصب العظيمة والمهام الجسيمة التي تسلمها سماحته فهو حقا شيخ الإسلام والمجدد الثالث للعقيدة الاسلامية والدعوة السلفية في العصر الحديث وإمام العلماء وشيخ الفقهاء واستاذ الأجيال ومفتي المملكة ورئيس قضاتها وقد أفنى عمره ثمانين عاما في التعلم والتعليم.
وفاته
هذا وقد ظل الفقيد الجليل هكذا يفتي ويقضي ويعلم ويعيّن ويوجه ويعظ ويرشد ويدير وينافح عن العقيدة الاسلامية السلفية مناصراً دعاتها مؤيداً دعوة جده الأكبر إلى الدين القويم الإمام المصلح شيخ الإسلام الشيخ محمد بن عبدالوهاب ويفصل في المنازعات على أعلى مستويات المتنازعين ويدعو إلى الله حتى ألم به المرض فانتقل إلى رحمته تعالى بعد الظهر من يوم الاربعاء في اليوم الرابع والعشرين من شهر رمضان عام 1389هـ فصلى عليه بعد صلاة العصر في جامع الرياض الكبير عن عمر يناهز الثمانين عاماً وكان الجمع حاشدا والزحام شديداً حيث خرجت الامة كلها لتشييع الفقيد الغالي وكان على رأس المشيعين جلالة الملك فيصل رحمهم الله جميعا وفيهم الأمراء والعلماء والوزراء والأعيان والمواطنون وقد سارت جنازته في موكب مهيب يحف بها الجلال ويتدافع المعزون بالمناكب يحملون جثمان شيخهم من المسجد الجامع الكبير بالرياض جامع الامام تركي حتى المقبرة وقد كنت ممن شارك في حمل جثمانه وقد رفض المحزونون أن يحمل بسيارة إذ يرون أن حمله على اكتافهم هو آخر حق لشيخهم عليهم بعد الدعاء لسماحته بالرحمة والمغفرة وووري في مقبرة الرياض الواقعة بالعود وحضر إلى بيت الفقيد بعد الدفن صاحب الجلالة الملك فيصل بن عبدالعزيز وأبدى حزنه الشديد وألمه البالغ عليه وظهر أثر ذلك على جلالته وترحم وأثنى وذكر خسارة البلاد بوفاته وواسى أفراد أسرته والحاضرين من العلماء والمواطنين على عادته في تقدير المواقف ومعرفة أقدار الرجال وحقا لقد كان لوفاة الفقيد الكبير رنة حزن عميق وأسى بالغ في نفوس المواطنين جميعا وقد ودعه محبوه المفجوعون فيه خير وداع إذ أخذ الناس يعزي بعضهم بعضا لاشتراكهم في المصيبة وأخذوا يرددون: {انا لله وانا اليه راجعون} يقولونها بقلوب مؤمنة بقضاء الله وقدره فقد هزتهم وفاته وأصيب الناس جميعا بالفزع والهلع لفقده ولقد رأيت هذا بعيني إذ فقدوا شخصية كبيرة غالية عليهم. ولقد ذكرني هذا الحزن المشترك والتأثير العام بالقول المأثور: «أنتم شهداء الله في أرضه. موعدكم يوم الجنائز» وبعد وفاته ظل مكانه الكبير الذي كان يشغله بكل جدارة وكفاءة وأمانة وإخلاص واحتساب لله سبحانه وتعالى شاغراً فقد أسندت مناصبه ومسؤولياته الجسيمة إلى عدد كثير من الوزارات والإدارات والمصالح الحكومية والمسؤولين.. فاللهم اجزه عنا وعن عارفي فضله ومقدري علمه وتلاميذه خير الجزاء وتغمده اللهم بواسع مغفرتك وأسكنه فسيح جناتك آمين.
|