* تحقيق - فهد الغريري:
تأتي دعوة المملكة ممثلة في شخص ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز للمشاركة في مؤتمر «إيفيان» الذي يضم الثماني دول الأكبر والأغنى انعكاساً لثقل المملكة عالمياً سواء في الجانب الاقتصادي أو السياسي وما تحتله المملكة من مكانة مهمة على المستويات العربية والاسلامية والعالمية، بالاضافة الى تميز المشاركة السعودية في هذا المؤتمر وذلك من خلال توزيع كتيب أصدر خصيصا بهذه المناسبة وشمل العديد من القضايا المهمة اقتصاديا وسياسياً وانسانيا كما قدم رؤية المملكة الخاصة والمتميزة في هذه الجوانب بالإضافة الى القضية الأبرز على الساحة الآن: الارهاب - ووصفه وفق رؤية المملكة بأنه «لا وطن له ولا دين ولا جنسية» كدحض للادعاءات الغير غير الموضوعية التي نالت المملكة بهذا الخصوص، وكتأكيد على أهمية تكاتف الجهود الدولية كافة لمحاربة هذا الارهاب.
و«حين تُختار المملكة ممثلة في قامة كبيرة بحجم سمو الأمير عبدالله للاستماع الى تشخيصه لهذا الذي أصاب العالم بالدوار.. فكأنما يريد هؤلاء القادة الاستماع الى صوت العقل والإصغاء الى الرأي العاقل من عبدالله بن عبدالعزيز لأنه ليس من الحكمة في شيء ان تؤخذ القرارات الدولية الصعبة في غياب دور لدولة بأهمية المملكة العربية السعودية على مستوى الساحة الدولية» كان ذلك رأي الأستاذ خالد المالك الذي نشره في سياق مقالة كتبها من جنيف أثناء مرافقته لولي العهد في رحلته، وفي نفس السياق التقت «الجزيرة» عدداً من الأسماء البارزة في مجالات الاقتصاد والسياسة والفكر لإلقاء مزيد من الضوء على هذا الموضوع فإلى التفاصيل:
رد على الاتهامات
في البداية التقينا د. عبدالرحمن عبدالله العتيبي أستاذ الاعلام السياسي بجامعة الملك سعود حيث قال:
إن مشاركة صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله بن عبدالعزيز في هذه القمة تشير الى دلالتين الأولى: أهمية المملكة من وجهة نظر الدول الكبار، وأخذ رأيها في الاعتبار بصفة رسمية.
الدلالة الثانية: شخصية الأمير عبدالله وعلاقاته المتميزة مع الشخصيات العالمية الأخرى وخصوصاً الرئيس الأمريكي جورج بوش، مما لاشك فيه ان مشاركة ولي العهد رسميا في هذه القمة تدل على ان ما يروج في بعض وسائل الإعلام عن علاقة المملكة بالارهاب هي معلومات وآراء ليست دقيقة بدليل الحضور الدولي للأمير عبدالله ومشاركته في هذه القمة العالمية.
رجل المبادرات
أما الدكتور محمد آل زلفة عضو مجلس الشورى فقد قال:
دعوة الرئيس الفرنسي جاك شيراك لصاحب السمو الملكي الأمير عبدالله الى المشاركة في قمة الثماني تعكس ثقل المملكة في القضايا الدولية المعاصرة كقضية الشرق الأوسط والسلام والارهاب، وهي قضايا ملحة في هذاالمؤتمر وولي العهد صاحب مبادرات كبيرة في هذه القضايا وأبرزها مبادرته حول السلام في الشرق الأوسط التي تعتبر أهم مبادرة في هذا الخصوص حيث قدمت حلاً جذرياً لهذه القضية المزمنة و هو أول مشروع عربي يجمع عليه العرب كافة وتتقبله الأوساط السياسية في العالم، ولا ننسى دور الأمير عبدالله في اقناع صانعي السياسة الأمريكية وعلى رأسهم بوش انه لا أمل في الاستقرار والسلام في منطقة الشرق الأوسط إذا لم تحل قضية فلسطين.
والآن تأتي قمة «إيفان» لتمثل ثقل المملكة بما تحمله من مضامين ذات قيمة عالية للعرب والمسلمين ولأهميتها اقتصاديا وهي مهمة لتخفيف حدة الهجوم على المسلمين ووصفهم أنهم بؤر ارهاب، والأمر الآخر هو لقاء الزعماء العرب مع بوش في شرم الشيخ الذي سيكون هو أيضا خطوة حاسمة ومنعطفاً مهماً في مستقبل السلام في الشرق الأوسط والأمير عبدالله بما يحمله من هم عربي وواقعية في التعامل مع الشأن السياسي حتما سيخرج بنتائج مهمة لوضع الأمل في حل أكبر مشكلة تواجهها الأمة وهي مشكلة الصراع العربي الاسرائيلي.
الموقف الإنساني للمملكة
وقال طلال ضاحي أستاذ العلوم السياسية بجامعة الملك سعود: المملكة بلاشك دولة تعيش في هذا العالم وتتفاعل معه وتتأثر بما يتأثر به الآخرون، ومن هنا فإن هذه المشاركة تقدم رؤية المملكة لحل مجموعة المشاكل التي ناقشها مؤتمر الثمانية وكيف ان هذه المشاكل وخصوصاً الاقتصادية منها ومشاكل الارهاب هي مشاكل عانت المملكة منها كثيرا وبالتالي هي تقدم رؤيتها لحل هذه المشاكل، وهي رؤية لا يمكن إغفالها ولاسيما انها تعيش المشكلة وتحاول ان تحلها من خلال رؤية لها ثقلها وقيمتها.
من ناحية أخرى نأخذ بالاعتبار ان توجيه الدعوة جاء من فرنسا وذلك يعكس عمق العلاقات بين البلدين وفي نفس الوقت لا يمكن تصور توجيه هذه الدعوة دون التنسيق مع باقي الدول مما يعكس موقع المملكة الدولي المهم.
خمس نقاط مهمة
وجاء رأي د. احسان بوحليقة شاملاً ومفصلا حيث قال:
قد يتبادر الى الأذهان ان مشاركة المملكة في هذه القمة تأتي فقط للتطورات الأخيرة النابعة من احتلال العراق من جهة والأعمال الارهابية من جهة أخرى لكن لابد من التذكير بعدد من القضايا الموضوعية التي فرضت حضور المملكة في مثل هذه القمة المتميزة من حيث الحضور والتوقيت وهي كالتالي:
أولاً: المملكة هي في الأساس عضو فاعل في مجموعة العشرين منذ سنوات وهي تمثل أهم الاقتصادات في العالم. ثانياً: المملكة تعتبر الاقتصاد العربي الأكبر بدون منازع إذ يمثل ما تنتجه من سلع وخدمات ربع الناتج المحلي للدول العربية مجتمعة. ثالثاً: للمملكة ثقل واضح في صنع سياسة طاقة عالمية وهي تمارس هذه القوى بكثير من المسؤولية راغبة في استقرار السوق لمصلحة المنتجين والمستهلكين، رابعاً: المملكة بلد لا يعيش لذاته ولها تأثير في محيطها الاقليمي لاعتبارات عديدة تنطلق من عروبتها واسلامها وحرصها الشديد على تنمية الدول الأقل حظاً في الثروة، ومن هذا المنطلق تساهم في نسبة مهمة من ناتجها المحلي الاجمالي على شكل مساعدات للدول الأخرى. خامساً: المملكة لها دور فاعل في السياسة اقليميا ودوليا، وهذا ينعكس حتى في الشأن الحاضر فيما يتعلق بقضية فلسطين وبخارطة الطريق إذ إن الخارطة تقر ان أحد مرتكزاتها الأساسية بالاضافة الى قرارات مجلس الأمن والأمم المتحدة كانت مبادرة الأمير عبدالله وجاءت هذه الاشارة نصاً في الخارطة.
هذه النقاط تجعل مساهمة المملكة ضرورية ونوعية اضافة الى ان التحديات الحاضرة هي تحديات للدول بما في ذلك المملكة والعالم ككل وذلك يوجب تفاهماً بين القوى في المنطقة وفي مقدمتها المملكة بالاضافة الى أمريكا والدول الكبرى في سبيل الوصول الى صيغة تتمكن من استيعاب المتغيرات الاستراتيجية الناتجة عن أفول النظام العراقي السابق وغزو العراق بلداً محتلاً يسعى للاستقلال، وتأجج نشاط الارهاب المسلح في المنطقة، وتقدم ملف اقامة دولة فلسطينية بضغط أمريكي واضح تدفعه رغبة أمريكا الملحة لتحقيق انجاز في الملف الفلسطيني على ذلك يمنحها شيئا من المصداقية بسلامة نواياها تجاه المنطقة كما أنها تدرك جيدا ان نجاح مبادرتها الاقتصادية في اطلاق منطقة تجارة الشرق الأوسط لن تبرح مكانها دون مساندة من الاقتصاد السعودي الذي يربو تبادله التجاري مع العالم الخارجي سنويا على مائة مليار دولار، وغني عن القول ان المبادرة التجارية الأمريكية يكتنفها الكثير من الأسئلة الحرجة تتعلق بموقف اسرائيل من هذا الأمر والى أي مدى ستساهم هذه المبادرة في تنمية الاقتصادات العربية. مما تقدم يجد المتابع ان مشاركة المملكة ممثلة في الأمير عبدالله هي تنبع من صيغة تبادل منافع، فالعالم بحاجة للدور الفاعل للمملكة بقدر حاجة المملكة لهذا العالم.
|