ما كنت في السابق أتأمل في تصاميم السيارات وتصاميم المنازل وتصاميم الأواني وتصاميم الأجهزة حتى قرأت مرة مقابلة مع كبير مصممي سيارات نيسان.. تعلمت كثيراً من تلك المقابلة مع أني لا أهتم كثيراً بالتصاميم ولم أفكر في يوم من الأيام في هذا الاتجاه. أتذكر عندما تخرجت من الثانوية كان يفترض أن أدخل كلية الهندسة «معدلي فوق السبعين» بسبب المخططات على الورق والرسومات التوضيحية وتكسير الحسابات انحشت والتحقت بكلية الآداب.. اليوم بعد تلك السنوات وبعد أن قرأت كثيراً وجربت الحياة أشعر أنني أخطأت بتركي كلية الهندسة والتحاقي بكلية الآداب.. ضحيت بمملكة الملكات الجمالية وورطت نفسي بمملكة الحكي المصفف.
تلك المقابلة علمتني أن الحياة مترابطة أو يمكن أن تكون كذلك إذا أردت، وهي مترابطة بحبال متنوعة تختار منها ما يطوف بك خلالها، تصور أنك مغمض العينين «نولد هكذا» وهناك عدد كبير من الحبال عليك أن تمسك بواحد منها لتسير إلى هدفك.. ان حسن اختيارك للحبل يتوقف على بصيرتك الداخلية قد تمسك حبل الأيدولوجيا أو حبل التجارة أو قد تقودك بصيرتك لتمسك بحبل الجمال.
فالسيارة ومفرمة اللحم والكرسي وجهاز التلفزيون هي كينونة الأشياء المؤنسنة. «آسف على هذا التعبير المتخصص الصعب ولكنه سيتضح بعد قليل» حتى الحصاة الملقاة في الطريق بفعل المطر هي من صنف كينونة الأشياءالمؤنسنة.. السيارة مثلاً ليست مطية للركوب فحسب فأنت لا تذهب إلى معرض السيارات وتمد فلوسك وأنت تقول عطنا سيارة يا ولد، وإنما تبحث عن سيارة تروق لك حتى لو فرق السعر. كلمة الإنسنة هنا تعني أنها صارت جزءاً من الإنسان أسقط عليها الإنسان همه الجمالي. عندما تقرأ أي سيارة أي تشاهدها بتمعن ستلاحظ أن هناك التفاتات كثيرة في اتجاهات متعددة عند مصممي السيارات: مرة إلى التاريخ ومرة إلى الطبيعة ومرة إلى الخيال قد يكون في الكلام مجازفة بلاغية، ولكنه ليس كذلك. حقيقة الأمر ما تشاهده هو النشاط الدؤوب للبصيرة الإنسانية الممسكة بحبل الجمال.
في الماضي كنت أعتقد أن بعض ما أشاهده من مظاهر شهية في الأشياء الغابرة هي مجرد خزعبلات خيال أي إعادة بناء وتركيب الأشياء تحت سلطة أحلام اليقظة. تغيرت الحال الآن، فمثلاً عندما أشاهد امرأة مسنة غادرها الجمال منذ زمن بعيد غصباً تكون جميلة مرة أخرى لسبب بسيط لأني أمسك بحبل الجمال ليقودني في هذا العالم وفي هذه الحياة أستنطق فيها حيوية الشباب الغابر فأعدل من كل مآلاتها إلى أن أصل بها إلى ذلك اليوم الذي كانت فيه امرأة حيوية ونشطة وجذابة كأنك تستعيد شريط فيديو بالتحريك السريع، فالمرأة المسنة هي أغنية ولكنها أغنية قديمة بعض الشيء يمكن أن تُستعاد بعد تجريدها مما آلت إليه ونعيد عزفها من جديد.
امرأة جميلة، فلة جميلة وأغنية جميلة. كان هذا في نظري دلالة على الثراء والسلطان ولكن يعني لي الآن أن الجمال حبل من حبال الحياة تختاره أنت ليربط بين الأشياء.
كان مصمم السيارات الياباني عجوزاً تنذر حياته المهنية بالأفول، فسأله الصحفي سؤالاً تقليدياً أخيراً: بماذا تنصح المصممين الشباب؟ فقال إذا أردت أن تصمم سيارة جديدة فلا تنظر إلى السيارات عليك أن تجرد خيالك من صور السيارات نهائياً، انظر إلى الأشجار إلى النساء إلى النجوم ثم صمم سيارتك.. هذا ما أسميه حبل الجمال الممتد، كل الأشياء تقودك إلى الجمال إذا كنت ممسكاً بحبل الجمال لا غيره.
فاكس: 4702164
|