Wednesday 4th june,2003 11206العدد الاربعاء 4 ,ربيع الثاني 1424

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

في كلمة أمام المؤتمر الدولي للبترول والغاز في باكو في كلمة أمام المؤتمر الدولي للبترول والغاز في باكو
النعيمي يدعو إلى تنسيق السياسات البترولية بين كبار المنتجين

ألقى معالي وزير البترول والثروة المعدنية المهندس علي بن إبراهيم النعيمي صباح أمس الثلاثاء كلمة المملكة في المؤتمر الدولي العاشر للبترول والغاز في منطقة بحر قزوين، الذي بدأ أعماله في العاصمة الأذربيجانية باكو.
بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته،
أود أن أستهل حديثي بتوجيه جزيل الشكر إلى معالي الدكتور مجيد كريموف، وزير الوقود والطاقة في جمهورية أذربيجان، لدعوتي للمشاركة في المؤتمر السنوي العاشر للبترول والغاز في منطقة بحر قزوين والمعرض المصاحب لهذا المؤتمر.
وإنه لمن دواعي سروري أن أكون معكم اليوم في باكو التي ننظر إليها جميعاً كواحدة من أوائل المدن التي احتلت مكانة بارزة في أعمال البترول في العالم، فكما يعرف الكثيرون منكم، فقد اكتشف البترول في أذربيجان منذ أكثر من مئة وخمسين عاماً، وكانت أذربيجان في فترة زمنية ماضية توفر نصف احتياجات العالم منه، ولذا فإن كل من يعمل في صناعة البترول يكن لهذه المدينة الكثير من الاحترام والتقدير، لما حققته من إنجازات، واليوم يشهد العالم ميلاد صناعة البترول الأذربيجانية من جديد، ويتوقع لها أن تستعيد مكانتها البارزة.وقبل أن أبدأ في تقديم رؤيتي المتفائلة عموماً لمستقبل البترول، اسمحوا لي أن أستعرض معكم، أولاً بعض الخواطر التي تجول في خلدي حول الماضي القريب، عندما حصلت أذربيجان وغيرها من دول منطقة بحر قزوين على استقلالها منذ أكثر من عشر سنوات، وراحت تفتح أبوابها أمام الاستثمارات، وعندما بدأ إنتاج البترول وصادراته في الزيادة، شعرنا، في المملكة العربية السعودية، بسعادة بالغة، لرؤية دولة فتية تحتل مكانة بارزة بين الدول المصدرة للبترول.
وقال البعض ممن يسمون أنفسهم خبراء في ذلك الحين: إن ظهور البترول بكمية كبيرة في منطقة بحر قزوين يمثل تهديداً للدول المنتجة في منطقة الخليج العربي، وقال البعض الآخر. إن هيكل سوق وصناعة البترول العالمية أصبح على شفا تغيير شامل، بحيث تحل الدول المنتجة من منطقة بحر قزوين محل دول الشرق الأوسط، وتتضاءل أهمية أوبك وسياساتها الرامية إلى تحقيق الاستقرار في الأسواق، وتمادى هؤلاء في ادعاءاتهم بالقول: إننا على أعتاب فترة صراع شديد بين الدول المنتجة للبترول، وأن الاستثمارات البترولية ستتدفق على منطقة بحر قزوين وينضب معينها في المناطق الأخرى، وكما نعرف جميعاً، فإذن تلك الادعاءات لم تحدث.
واليوم يسعدني القول: إن الدول المنتجة للبترول تلعب جميعها أدواراً مهمة، وأن العلاقات بين تلك الدول لا تقل أهمية عن ذلك. فالبترول لا يزال هو الوقود الذي لا غنى عنه لعالم اليوم بما يشهده من تنمية صناعية متواصلة، ومن المؤكد أنه لن يتراجع عن هذه الصدارة خلال العقود الثلاثة المقبلة على الأقل. فخلال الفترة الراهنة، وحتى عام 2020م، يتوقع أن يزيد الطلب على البترول بمعدل مليون ونصف مليون برميل في اليوم كل سنة، وستحتاج تلبية هذه الزيادة في الطلب بحلول عام 2020م إلى كمية إضافية من البترول تبلغ نحو 30 مليون برميل في اليوم، أي ما يوازي نسبة 40% من الإنتاج العالمي الحالي. ولا يمكن تطوير هذه الإمدادات الإضافية إلا في ظل أسعار بترول مستقرة، كما أن ذلك سيتطلب توفر استثمارات ضخمة ومتواصلة على جميع مستويات صناعة البترول في مختلف أنحاء العالم.
أيها الحضور الكرام
لكي نتمكن من تكوين التوقعات الصحيحة والتخطيط لمستقبل الطاقة في العالم، فإننا نحتاج إلى رؤية واضحة للخيارين المتاحين لنا، الأول مواجهة المستقبل بدون تنسيق، وهو ما يسميه البعض بخيار «السوق الحرية»، أما الخيار الثاني فيتمثل في تنسيق السياسات البترولية بين كبار المنتجين، لضمان الإبقاء على الامدادات والمخزونات التجارية عند مستويات تناسب جميع الأطراف، منتجين كانوا أم مستهلكين، وبما يحافظ على توازن العرض والطلب.
وفي ظل خيار ما يسمى «السوق الحرة»، بما ينطوي عليه من تقلبات، فإن هناك احتمالات كبيرة لهبوط الأسعار إلى ما يقارب 10 دولارات للبرميل، مما يؤدي إلى توقف الإنتاج من الحقول منخفضة الربحية، أي الحقول ذات التكاليف الإنتاجية المرتفعة، أو التي تحتوي على زيوت خام منخفضة الجودة. ويقدر الخبراء إنه في حالة انخفاض الأسعار إلى 10 دولارات للبرميل، فإن العالم سيفقد ما يتراوح بين 5 و 10 ملايين برميل من الإنتاج اليومي. مما سيؤدي إلى ظهور موجة جديدة من الأسعار المرتفعة، وبروز محاولات مستميتة لجني الأرباح، وهذا بدوره يؤدي إلى انخفاض الأسعار مرة أخرى، وتضاؤل الزيادة في الإمدادات.
ومن الجدير بالذكر أيضاً أنه في ظل التصور المسمى ب«السوق الحرة»، فإن الاستثمارات المطلوبة لزيادة الطاقة الإنتاجية أو المحافظة على مستوياتها الراهنة ستنضب، في وقت تتسابق فيه اقتصاديات الدول للاستفادة من البترول رخيص الثمن.
وهكذا، يمكن أن يؤدي ذلك خلال سنتين أو ثلاث سنوات إلى أزمات اقتصادية ومالية في أكثر من ثلاثين دولة يصل عدد سكانها إلى حوالي مليار نسمة، وتعتمد اقتصادياتها بدرجة كبيرة على قطاع البترول. ومثل هذه الأزمات الاقتصادية تؤدي في الغالب إلى حدوث اضطرابات سياسية واجتماعية. كما أن انخفاض الاستثمارات ونقص الامدادات قد يؤدي إلى ارتفاع الأسعار بشكل حاد مما قد يقود بدوره إلى حدوث أزمة اقتصادية عالمية.
أما في ظل الخيار الثاني، فإن المنتجين يختارون بمحض إرادتهم تنسيق سياساتهم الإنتاجية بما يضمن المحافظة على استقرار الإمدادات والمخزون عالمياً عند مستويات تناسب المستهلكين والمنتجين على حد سواء، ويسمح للسوق في ظل هذا الخيار بأن تلعب دورها المعتاد، مع ضمان بقاء أسعار البترول في نطاق مقبول، الذي يتراوح اليوم بين 22 و 28 دولاراً لسلة زيوت أوبك. إن وضع سعر مستهدف هو الأفضل، حيث يمكننا ذلك من الاسترشاد به، ليس على أساس التقلبات اليومية أو الشهرية، وإنما على أساس المتوسط السنوي المتوقع والمرغوب فيه، ويتيح هذا الخيار تحقيق دخل معقول لمنتجي البترول، وفي الوقت نفسه المحافظة على الإنتاج من الحقول قليلة الربحية، وعلى تدفق إمدادات البترول ذات التكلفة الإنتاجية العالية إلى الأسواق.
وكلمة «تدفق» هي الكلمة الأساس هنا، حيث تحتاج رؤوس الأموال الاستثمارية إلى التدفق بحرية وبدون عوائق إلى مرافق البنية التحتية المرتبطة بالبترول، بهدف المحافظة على الطاقة الإنتاجية الحالية، والتوسع فيها بالدرجة المطلوبة لمواكبة الزيادة في الطلب.
وعندما نضع في اعتبارنا الزيادة في الطلب التي ستبلغ 30 مليون برميل في اليوم بحلول عام 2020م، فإن رؤوس الأموال المطلوب استثمارها لتحقيق ذلك المستوى الإنتاجي والمحافظة عليه، تبلغ نحو 120 بليون دولار في السنة. ولن يتسنى توفير هذه الأموال إذا لم تشعر الصناعة البترولية بوجود أسعار مستقرة ومناسبة.
ومن الأهداف الأخرى التي تحققها سياسة التنسيق بين الدول المنتجة هو إمكانية تطوير طاقة إنتاجية فائضة تتراوح بين 3 و7 ملايين برميل في اليوم، لدى أكبر الدول المنتجة، وبعبارة أخرى، فإن هذا يعني وجود طاقة فائضة تتراوح بين 5% و10% من إجمالي الاستهلاك العالمي من البترول الخام. ويمثل ذلك، الطريقة الوحيدة لتفادي الصدمات الناتجة عن شح الامدادات وما يصاحبها من ارتفاع في الأسعار، نتيجة للإضرابات العمالية، والإضرابات المختلفة، أو الكوارث الطبيعية، أو الحروب، وغير ذلك من الأحداث غير المتوقعة، التي تقع من حين لآخر.
أيها السيدات والسادة:
من الواضح أن عملية الاختيار واضحة وسهلة للغاية. فمن غير الحكمة أن يختار المنتجون، أو حتى المستهلكون، طريقاً يؤدي لا محالة إلى نشوء أوضاع فوضوية، يكون التخطيط في ظلها من قبيل المستحيل. ففي كل مرة يتعذر فيها التخطيط بسبب عدم التنسيق، يفقد منتجو البترول ومستهلكوه الفوائد التي يحققها توازن العرض والطلب. كما أن عدم التنسيق يزيد من صعوبة التخطيط نحو مستقبل يزيد فيه الطلب من سنة إلى أخرى.
ونحن، في المملكة العربية السعودية، قد اخترنا سبيل التعاون في جميع علاقاتنا، سواء مع المنتجين الآخرين أو مع المستهلكين. والجميع يعرف مدى التزامنا وما حققناه من إنجازات في هذا الصدد، وهذا التركيز على التعاون لا يلغي دور المنافسة في السوق بين المنتجين، سواء من داخل أوبك أو من خارجها، فهناك متسع للجميع، كما أن هناك الكثير من العمل الذي ينبغي القيام به.
وفيما تحتفظ منظمة أوبك بدورها القيادي ومسؤولياتها عن توازن السوق، كما فعلت دوماً في السابق، فإنها تواصل التعاون مع المنتجين الآخرين، خاصة في الفترات التي تشهد أوضاعاً خاصة أو ظروفاً صعبة. وقد حققت أوبك نجاحاً كبيراً في هذا المجال، على مدى السنوات الخمس الماضية، كما كان لتعاون عدد من الدول غير الأعضاء في أوبك، مثل المكسيك والنرويج وروسيا وعُمان وأنجولا، أثر كبير في تحقيق الفائدة لكل من المنتجين والمستهلكين.
وفي هذا الشأن فإنه لا بد من الترحيب بالإنتاج الجديد من دول منطقة بحر قزوين، الذي من المتوقع أن يلعب دوراً مهماً في تلبية ا حتياجات العالم من الطاقة في المستقبل وتعزيز ازدهار اقتصاديات هذه الدول، حيث إن نمو هذه المنطقة لا بد أن يؤدي، لا محالة، إلى دعم مكانة الصدارة التي يحتلها البترول باعتباره مصدر الطاقة المفضل في العالم، وقد استطاع العالم استيعاب نحو 18 مليون برميل في اليوم من الإنتاج من خارج أوبك، على مدى السنوات الخمس والعشرين الماضية. وليس ثمة شك في قدرته على استيعاب أية زيادة جديدة من الإنتاج من هذه المنطقة، أو من غيرها من مناطق العالم. والمستقبل يبشر بالخير، حيث يتعاون المنتجون من داخل أوبك وخارجها لتجنب تقلبات السوق وضمان استقرارها.
والأمر بالنسبة لنا في المملكة واضح بشكل تام فنحن لا نعتبر الاحتياطات والإنتاج من منطقة وسط آسيا مصدر تهديد، وإنما نرى فيهما أملاً جديداً بأن إمدادات البترول الوفيرة ستعزز دور البترول كمصدر أساسي للطاقة، وستساهم في قوة الاقتصاد العالمي في المستقبل.
ولا شك أن التعاون بين الدول المنتجة للبترول لن يقل وإنما سيتعاظم بمرور الوقت، لأن عدم التعاون يهدد أموراً كثيرة لا يمكننا المجازفة بها. ومن جانبنا فإننا في المملكة العربية السعودية سنواصل التشاور والتنسيق في سياساتنا مع المنتجين من خارج أوبك.وإنني أرى مستقبلاً مشرقاً لعلاقات قوية ومتنامية بين المملكة العربية السعودية وجمهورية أذربيجان، حيث إن لدينا أهدافاً وتطلعات مشتركة، وهي إقامة صناعة تحقق الفائدة لبلدينا، وتسهم في تحقيق السلام والاستقرار والنمو الاقتصادي في العالم.

 

 

[للاتصال بنا] [الإعلانات] [الاشتراكات] [الأرشيف] [الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الى chief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-janirah Corporation. All rights reserved