أصبحت العولمة في السنوات الأخيرة محوراً لاهتمام العديد من الجماعات والتنظيمات، وثار حولها كم هائل من الجدل الفكري والثقافي عن آثارها ومن المستفيد منها ومن المتضرر، وترتب على ذلك أن انقسم الناس حولها إلى مؤيدين ومعارضين بدرجات متفاوتة لكل فريق. فهناك من يعارض العولمة لأنه يعارض التحرير الكامل للتجارة الدولية وتصدير الرأسمالية والقيم الغربية من خلالها. وهناك من يرى فيها لجعل العالم أكثر تناسقاً وتجانساً عن طريق تحرير التجارة الدولية وحرية حركة رؤوس الأموال والتواصل الثقافي والحضاري مع الآخرين.
والعولمة لا تعني مجرد إعطاء مزيد من الحرية لانتقال السلع والخدمات ورؤوس الأموال، بل هي تعني أيضاً إلغاء الحواجز أمام تدفق المبادئ والأفكار والقيم والأخلاق من دولة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر.
ولعل الوجه الثاني للعولمة هو الأقل وضوحاً ولكنه الأكثر خطورة وأهمية، وربما كان الأول قناعاً يخفي وراءه الثاني. ولذا فربما لا يكون من قبيل السخرية القول بأن المطاعم الأمريكية هي إحدى قنوات العولمة - التي في ظاهرها شكل من أشكال الاستثمار الأجنبي - لكن تعبر من خلالها كثير من القيم والأفكار والأنماط المعيشية والسلوكية.
والاختلاف حول العولمة ليس ناشئاً بالكامل عن الاعتبارات القيمية والأخلاقية بل يرجع جزء كبير منه إلى اعتبارات المنافع المتوقعة من سيادة العولمة وطريقة توزيعها بين الدول وداخل الدولة الواحدة فالمتضررون سواء كانوا دولاً أو جماعات - بغض النظر عن مكان وجودها - لا شك وأنهم سيكونون من المعارضين للعولمة ولما تحمله. والمستفيدون سيكونون عكس ذلك.
ومن الأمثلة التي تبين مدى التعارض والتضارب حول العولمة في جانب المنافع الجدل الدائر حول أثر العولمة في تفاقم مشكلة الفقر أو حلها. فهناك من يرى أن للعولمة أثراً كبيراً في التخفيف من مشكلة الفقر سواء على مستوى الدول أو على مستوى الأفراد، وعلى النقيض من هذا هناك من يرى أن العولمة أي أسباب تفاقم الفقر وانتشاره. ويورد كل فريق أدلته وبياناته الداعمة لرأيه، وبناء على القناعات الشخصية والآثار المباشرة تتشكل المواقف المؤيدة والمعارضة.
مثال آخر، هناك من يرى أن العولمة تعمل على خفض أسعار صادرات الدول النامية والإضرار بقدراتها الإنتاجية والتنافسية، وبالتالي إدخالها في دوامة النمو البائس الذي هو زيادة في كمية الصادرات لكن مع انخفاض في قيمتها.
وفي الجانب الآخر، هناك من يرى أن العولمة وسيلة لانتقال السلع والخدمات بحرية وبتكلفة أقل ووسيلة انتقال لرؤوس الأموال والخبرات والأفكار إلى الدول النامية، الأمر الذي يسهم في قدراتها الإنتاجية والتنافسية.
|