* القاهرة مكتب الجزيرة - عمر شوقي:
ترى إلى أي مدى وصلت حميمية العلاقات الإسرائيلية الأوروبية؟؟!!..
طرح هذا التساؤل بقوة عقب الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الفرنسي دومينيك دو فيليبان إلى إسرائيل أخيراً والتي حظيت باهتمام الإعلام الإسرائيلي بشدة حيث قالت مصادر إعلامية مطلعة إن الجولة الأخيرة ل«دوفيلبان» هدفت إلى رأب صدع العلاقات الإسرائيلية الفرنسية بصورة خاصة والإسرائيلية الأوروبية بصورة عامة.
وأشارت هذه المصادر إلى أن الهدف المذكور قد تحقق فعلاً، منوهة بأن العلاقات بين الطرفين كانت وثيقة أصلاً لكن اعتورتها بعض المطبات، بنتيجة الوقائع التي سبقت ورافقت الحرب الأمريكية على العراق، والمترتبة على موقف فرنسا المعلن بمناهضته لموقف الإدارة الأمريكية.
وذكر مصدر مسؤول في وزارة الخارجية الإسرائيلية أن دو فيلبان «جاء إلى المنطقة مع توقعات منخفضة جداً حيال خريطة الطريق ومع توقعات عالية جداً حيال توطيد العلاقات مع إسرائيل».
وتابع هذا المصدر «بهذا المفهوم فإنه أحرز هدفه وخفف عداء إسرائيل تجاه بلاده بصورة جوهرية»!
وعلى النسق ذاته أشار دانيئيل بين سيمون، أحد أبرز المعلقين في صحيفة «هاآرتس»، إلى أن ما كان بادياً على دو فيلبان أنه «خرج عن طوره لكي يحظى بإعجاب مضيفية الإسرائيليين» موضحاً أنه بعد الحرب على العراق «أرسل رموزاً إلى إسرائيل أن في نيته المجيء لزيارتها. في البداية جعلوه ينتظر حتى يمنح هذا الحق أولاً لوزير الخارجية الأمريكي كولن باول. ومرت عدة أسابيع من المماطلة حتى منحوا له الإذن بالهبوط في إسرائيل».
وقال بن سيمون أيضاً إنه بسبب معرفة دو فيلبان المسبقة بالأجواء المعادية لفرنسا السائدة في إسرائيل فإنه التزم خلال الزيارة «بالسير على رؤوس أصابعه، وطوال الزيارة دأب على إطلاق التصريحات الدافئة. وكانت الذروة لحظة وقع مع نظيره الإسرائيلي على رفع درجة العلاقات وتوطيد التعاون في ميادين مدنية متنوعة».
وتحت عنوان «حوار مع فرنسا» أنشأت «هاآرتس» مقالاً افتتاحياً أكدت فيه أن زيارة دو فيلبان هدفت، أكثر شيء، إلى «إخراج العلاقات بين الجانبين من الجمود العميق الذي طرأ عليها»، معيدة إلى الأذهان أنه لدى تسلم مهام منصبه كوزير لخارجية فرنسا، في شهر يونيو 2002م، هبت من طرفه رياح شديدة تمثلت في غياب المواعظ الأخلاقية تجاه إسرائيل وفي استبدال الاستنكارات الباردة بعد العمليات التفجيرية بلغة صافية وحازمة عادت من خلالها فرنسا إلى الإعراب عن «الغضب» في موازاة الإعراب عن «التضامن العميق مع الشعب في إسرائيل».
كما أعادت إلى الأذهان أن الزيارة الأولى التي قام بها دو فيلبان خارج أوروبا، بعد تسلمه لمهام منصبه، كانت إلى إسرائيل وسط تقديرات «إسرائيلة» بأنه «يسعى إلى بناء منظومة علاقات جديدة لا تكون متأثرة بالمد والجزر المرتبطين بعملية السلام». لكن بعد ذلك - أضافت - انفجر النزاع الحاد بين فرنسا والولايات المتحدة حول الحرب في العراق. وبدأوا ينظرون في إسرائيل إلى هذا النزاع باعتباره مؤشراً إلى «عضوية فرنسا في المعسكر غير المعدود على أصدقاء إسرائيل»!.
وأشار مقال «هاآرتس» الافتتاحي في عددها الأسبوعي الأخير إلى أنه في سبيل إثبات جدية نواياه «عرض دو فيلبان في إسرائيل مجموعة من المبادرات بجوار القيام بخطوات رمزية. فقد وقع مع نظيره الإسرائيلي سيلفان شالوم على اتفاق لإقامة لجنة خاصة غايتها المبادرة إلى مشاريع مشتركة في ميادين العلوم والتجارة والتربية والثقافة. وقد تم انطلاق بعض هذه المشاريع في أعقاب الزيارة. كما أنه أعلن عن نية فرنسا أن تنشئ في تل أبيب «المعهد الفرنسي» - وهو مؤسسة ثقافية عريقة وفريدة من نوعها تنوي فرنسا إقامتها في العالم خلال العقد القريب. والصحافة الفرنسية تعاملت مع زيارة دو فيلبان في الجامعة العبرية في جبل المكبر باعتبارها لفتة متعددة الدلالات، فلم يسبق البتة أن قامت شخصية فرنسية رسمية بزيارة هذا الجبل، الواقع في القدس الشرقية» «المحتلة».
مع ذلك قالت «هاآرتس» إن الموقف الإسرائيلي الرسمي لا يزال متشككاً من أن يكون هذا «الدفء الفرنسي» في ميدان العلاقات الثنائية ذا أثر جوهري على «المواقف الأوروبية المعهودة بإزاء النزاع مع الفلسطينيين وقضية الشرق الأوسط» مؤكدة أن الذي يحسم مستقبل هذه العلاقات «يظل مستقبل المفاوضات مع الفلسطينيين، أي مستقبلها إلى ناحية التقدم نحو إخلاء المناطق والمستوطنات ونحو إقامة دولة فلسطينية.
إيران شوكة أخرى في مسار العلاقات
ولا تعتبر الحرب على العراق أو تطبيق خطة خارطة الطريق العقبة الأولى في مسار جودة ومتانة العلاقات الأوروبية الإسرائيلية بل هناك عدد من المشاكل الأخرى مثل إيران وعلاقتها الوثيقة مع أوروبا وهو ما ضايق إسرائيل بشدة وجعلها تسعى إلى حاولة الإضرار بالمصالح الإيرانية المختلفة بأي صورة وإلصاق الاتهامات بها.
صحيفة «يديعون أحرونوت» قالت في تحليل لمعلقها العسكري أليكس فيشمان نشرته أخيراً أن إيران تطور سلاحها النووي مشيرة إلى أن مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون النووية، جون بولتون، سيزور إسرائيل الأسبوع الحالي في «إطار الحملة الإسرائيلية الشاملة الرامية إلى لجم تطور إيران في المجال النووي والاطلاع على فحوى التأكيدات الإسرائيلية بهذا الشأن ولبحث جدية تلك الاتهامات».
ونقل فيشمان عن مصادر مطلعة في إسرائيل قولها إن زيارة بولتون «مرتبطة بالاجتماع القريب الذي ستعقده الوكالة الدولية للطاقة الذرية في عاصمة النمسا، فيينا، في أواسط شهر يونيو القادم. ففي هذا الاجتماع سيبحث المشتركون فيه في النتائج التي توصل إليها مفتشون قاموا بعمليات تفتيش في إيران قبل حوالي نصف سنة. زاعماً أن المفتشين اكتشفوا أن إيران، خلافاً لتعهداتها، قريبة من تطوير سلاح نووي أكثر بكثير مما قدروا في الغرب».
وتابع فيشمان: «اتهم الأمريكيون رئيس الوكالة الدولية، محمد البرادعي، بتشويش النتائج التي تدين إيران. وفي أعقاب هذه النتائج فإن الولايات المتحدة معنية بأن تفرض الوكالة خلال الاجتماع إجراءات عقابية ضد إيران».
واختتم فيشمان مقاله بالإشارة إلى أن الخبراء في إسرائيل «ادعوا في السنة الأخيرة، وبصورة أكيدة أن إيران قريبة جداً من نقطة اللاعودة في مجال التطور النووي لأغراض عسكرية».
وثمة تقديرات إسرائيلية «رسمية» بأن إيران ستصل إلى هذه النقطة في ذلك التطوير خلال سنة ونصف السنة أو سنتين وستنجز إنتاج سلاح نووي خلال أقل من خمس سنوات.
وبالتالي تظهر العقبات التي تواجه حجم المشاكل في العلاقات الإسرائيلية الأوروبية وهي المشاكل التي لن تهدأ على الإطلاق طالما ظلت الحكومة الإسرائيلية في سياستها المتعنتة إزاء عملية السلام والاتهامات التي توجهها إلى كافة الدول.
|