متابعة الأزمات الأخيرة التي تمر بها الأمة الإسلامية، وبخاصة الأجواء القاتمة التي نشرتها الأعمال التفجيرية الأخيرة في الرياض والدار البيضاء تدعونا إلى اتخاذ الأساليب الأعمق والأشمل في مواجهة المخططين لها، ومعالجة آثارها، وتوجيه بعض المخدوعين بها، المقتنعين بجدواها، ومشروعيتها، او المتعاطفين معها، فالقضية اكبر من أن نواجهها بخطابٍ واحد يتمثل في الاستنكار الشديد لما حدث، واعتماد اسلوب الوعظ المباشر للتنديد به، والتحذير من الوقوع في حفرة تأييده او التعاطف معه، وإنما نحن بحاجة أيضاً إلى خطاب حكيم هادئ يعتمد على بحث الأسباب الدافعة الى الاقتناع بالتخطيط والتنفيذ لتلك الأعمال الإجرامية، إن اعتماد الخطابين «الوعظي، الإرشادي المباشر والتربوي العلمي القائم على الدراسة والبحث» سيحقق لنا الإحاطة بالقضية من جوانبها المتعددة حتى نتمكن - بتوفيق الله - من المعالجة الصحيحة لها.
وهذان الخطابان مهمان جداً، وهما من أوجب الواجبات على العلماء والدعاة والمفكرين والدارسين الذين ينتظر منهم المجتمع والوطن والأمة ان يقوموا بدورهم المهم في مثل هذه الأزمات.
هنالك خطاب اخر توجهه الجهات المسؤولة عن الأمن يقوم على البحث عن العناصر البشرية التي تخطط وتنفذ مثل هذه الأعمال التخريبية، وهذا جانب تنفيذي رسمي يهدف إلى متابعتهم، للحيلولة دون تكرار الفاجعة، ولاتخاذ الإجراء العقابي المناسب لمثل هذه الأعمال.
وهو خطاب رسمي مستقل تفرضه مسؤولية الحفاظ على الأمن.
اما الخطابان الآخران اللذان اشرت إليهما، فهما يشكلان رافدين مهمين لتحقيق الأمن والاستقرار في المجتمع، وللتوعية والتوجيه والإرشاد لبعض من يُخشى عليهم الاقتناع بهذه الأساليب «العنيفة» من الشباب.
ويجب أن يكون العلماء والدعاة والمفكرون، ومعهم الكتاب والإعلاميون على قدر كبير من الموضوعية في المناقشة، والأمانة في المعالجة، والهدوء في الخطاب الموجه الى فئات المجتمع المختلفة.
كما يجب أن نكون جميعاً على قدر كبير من الوعي بأبعاد هذه القضايا، وأن نبتعد عن «احلامنا» التي نرى من خلالها أن مجتمعنا بعيد عن التأثر ببعض الأفكار المنحرفة، والآراء المخالفة للشرع كالعنف، والتفسيق للناس، والتكفير لهم - احياناً - فنحن نعيش في عالم متواصل، تنتقل فيه الكلمة والفكرة انتقالاً سريعاً مؤثراً في وقت قصير، ولسنا بمنأى عن التأثير والتأثر، لاننا جزء من المنظومة البشرية التي تعيش على هذا الكوكب الارضي.
ان الجامعات، ومراكز البحث والدراسة تحمل مسؤولية كبيرة في دراسة مثل هذه الظواهر بعمق، واستقراء شامل للأسباب والمسببات، مع اهمية امانة الدراسة لان الامر يتعلق بمصير وطن بكامله، وامة اسلامية بكاملها، ويمكن أن يكون لمجلس الشورى دور كبير في هذا الشأن.
ان التفجيرات الأخيرة - مع ما سبق من امثالها - تشكل منعطفاً خطيراً في حياة المجتمعات البشرية، وتشعل فتيل الخطر الكبير على أمن الناس واستقرارهم، وعلى صورة الإسلام والمسلمين - بسبب ارتباطها ببعض المسلمين - كما هو معروف.
ولا شك أن استخدام الخطابين «الوعظي، والبحثي» مهم في وقت صار فيه خطر اقتناع بعض الشباب بمثل هذه الاعمال التخريبية واقعاً.
واذا كانت مسؤولية العلماء والدعاة والمفكرين في توجيه هذين الخطابين مباشرة، فان جزءاً من المسؤولية تحمله الاسرة التي يجب أن تدرك اهمية التركيز في دورها التربوي الكبير لابنائها وبناتها، فهناك ظواهر يمكن أن تبرز لاولياء الامور - آباءً وامهاتٍ - من خلال مناقشتهم الاسرية الهادئة لاولادهم، تلك المناقشة التي يجب أن تتم في اجواءٍ صافية من المودة والحب والاحترام المتبادل بين افراد الاسرة.
ان الجو العائلي المتميز بالتعامل الإسلامي الراقي بين اولياء الامور واولادهم كفيل بغرس الشعور بالثقة بين افراد الاسرة حيث تصبح المصارحة منهجاً متبعاً بينهم، وبذلك تزول مشكلة الحواجز النفسية التي تحول بين الاولاد، وآبائهم وامهاتهم.
كم من اب غافل عن ابنه، لو ناقشه بمودة واحترام لعرف من قناعاته مالم يكن يخطر له على بال، وذلك يصدق على الأم بالنسبة الى ابنتها، إن من ظواهر الميل لدى بعض الشباب إلى أساليب العنف والتشدد ما يحمله بعضهم من الشعور بالاحتقار او الكراهية للعلماء والدعاة الذين يقدمون للناس العلم الصحيح، ولكنهم لا يقدمون ما يرضي رغبات هذا الصنف من الشباب وميولهم.
ربما يكون هنالك تقصير في اسلوب بعض العلماء والدعاة، ولكن وصول الامر الى الاحتقار والكراهية لدى بعض الشباب يعد ظاهرة ذات دلالة تحتاج الى وقفة تربوية من الاسرة، وتوجيهية ارشادية من العلماء والدعاة، وتنبه من المعلمين والموجهين في المدارس ومراكز العلم والجامعات.
خطابان مهمان لابد منهما مع غيرهما من الخطابات الموجهة للشباب بأساليب هادئة قائمة على التفهم لما يريدون، وتحقيق ما يمكن من مطالبهم المعقولة، يمكن أن يسهما في امن المجتمع واستقراره.
إشارة
من لي بآذانٍ إذا ناديتها
سمعت، وقلبٍ لم يزل خفاقا
|
|