نجران تحقيق صالح آل ذيبة
ككل المجتمعات .. نتعرض لبعض الحالات والظواهر التي تجتاح البشرية والتي تشكل ممارسات سلبية لا يرضاها الدين أو القيم النبيلة.
والانتحار الذي أخذ شكل الظاهرة في المجتمعات الغربية هو أحد الإفرازات التي تفاقمت بفعل الخواء الروحي لكثير من الشباب، فكان أن تسربت بعض الحالات الى مجتمعنا حيث تم تسجيل عدد من الحالات التي لم تجد أمامها من سبيل لمواجهة المتاعب سوى الانتحار !!
لا نستطيع ان نسمي ما شهده مجتمعنا من حالات ب «الظاهرة»، ورغم ان بعضاً ممن أخذنا آراءهم فضلوا استعمال تلك الصفة، لكن الواقع يشي بضآلة الأرقام، وبالتالي صعوبة الحديث عن هذه الحالات باعتبارها «ظاهرة».
ترى ما الأسباب الكامنة وراء حدوث مثل هذه الحالات في مجتمعنا المسلم الآمن المطمئن؟ وكيف يمكن محاصرة هذه الأسباب حتى لا نخسر بعضا من شبابنا الذين يلجؤون للانتحار بدلا من المواجهة الإيجابية الشجاعة لمختلف المشكلات؟
هذا ما نحاول تفسيره من خلال هذا التحقيق الذي يغوص في المشكلة ويحدد أبعادها.
جريمة نكراء
في البدء تحدث الأستاذ شريف قاسم عضو رابطة الأدب الإسلامي والمشرف الثقافي بتعليم نجران فقال: إن حياة المرء ملك لله الخالق فلا يحق له أن يتصرف فيها إلا بما يرضي الله والإنسان ما أوجد لنفسه يداً ولا رجلاً ولم يخلق لها قلباً ولم يبعث فيها روحاً ولعل جوارحه أمانات عند نفسه فلا يحق له التصرف في شيء منه إلا بما شرع الله، فالانتحار جريمة نكراء وفعلة شنيعة تخالف الفطرة التي فطر الله الناس عليها فمن فعلها حق عليه غضب الله واستحق العذاب الأليم في جهنم ودخل في زمرة المتمردين الذين أنذرهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال «من تردى من جبل فقتل نفسه فهو في نار جهنم يتردى فيها خالد مخلداً فيها أبدا ومن تحسى سماً فقتل نفسه فسمه في يده يتحساه في نار جهنم خالداً فيها أبداً ومن قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في نار جهنم خالداً فيها أبدا» متفق عليه.. فالمنتحر يستحق هذا الوعيد لينزجر الذين ضعف الإيمان بالله في قلوبهم وهو بالتالي يستحق العذاب بنفس الأداة التي بادر الله بها غمرات النار يوم القيامة، والانتحار محرم في شرائع الله التي أنزلت قبل الإسلام وقد حدث رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه مبيناً لهم فظاعة الانتحار وشدة غضب الله على المنتحر وما أعد له من العذاب فقال: «كان فيمن قبلكم رجل به جرح فجزع فأخذ سكيناً فخر بها يده فما رقأ الدم حتى مات فقال الله بادرني عبدي بنفسه فحرمت عليه الجنة» متفق عليه.
هذه النظرة المتشائمة لهذا المنتحر أماتت أمام ناظريه كل إشراقات الأمل فجلب على نفسه الأذى وساقها الى غضب الله وسخطه فأين الإرادة التي توقف اضطراب النفس عند الشدائد أو عند الفشل وعدم النجاح وأين الإيمان الذي يؤكد ان الحياة الدنيا ما هي إلا ممر حياة أبدية فلا تستحق ان يخالف المخلوق فيها خالقه على هذه الصورة المفزعة فيجب ان يكون للإنسان هدفاً سامياً يسعى إليه بقوة ويتخطى كل العقبات مهما كانت ويتجاوز الفراغ الثقيل بالألم ساعة وقوع المصائب بإيجابية اليقين برحمة الله ولطفه وانتظار ساعة الفرج التي لا بد من إنجلائها بفضل من الله:
ضاقت به نفسه مما ألم بها
فاقتادها سفهاً للموت يرميها
وفاته ان رب العرش خالقها
وانه جل لا يرضى ترديها
وإننا لنرى ان نسبة المنتحرين في غير المسلمين كبيرة ومرتفعة لانحسار القيم الإسلامية والروحية عن عقائدهم ولسوء التربية في نشأتهم فقد ذكر المتابعون لحالات الانتحار في الغرب ان معظم حالات الشباب الذين يقومون بقتل أنفسهم كانت لأسباب تافهة، فكثيراً ما تجد الى جانب المنتحر ورقة يذكر فيها انه انتحر لأن التي أحبها خانته أو رفضته وآخر يؤكد بخط يده انه شبع من فلذات الحياة حتى سئم ولم يبق له إلا هذه التجربة المتميزة.. حسب زعمه وهكذا يقدم هؤلاء وغيرهم لأسباب يرونها موجبة للانتحار فمنهم من ضاقت به السبل وآخر اشتدت به الحاجة وتتنوع الأسباب وتتعدد وسائل الانتحار معها.
ومن هنا تأتي التربية الإسلامية للإنسان لتمنحه قوة الإيمان وقوة اليقين بالله فلا تغلبه مشاكل الدنيا ولا مصائبها العالية عند الله ووضع الإسلام صوراً كريمة للتكافل والتضامن الإجماعي لسد حاجة المعوزين وهيأ العلماء لمعالجة الحالات النفسية الشاذة على منهج من السمو بالنفس الإنسانية على هيئة عيادات متخصصة فمنها المساجد والمدارس وبيوت العلماء لاستئصال الضغوط النفسية التي تحاصر الإنسان المبتلى ولتوسيع دائرة الأمل الممزوج بالفرح الروحي حيث يجد هذا الإنسان دوره الذاتي في التغلب على وساوس نفسه وشيطانه تلك الوساوس التي تسوق له فعلته الشنيعة على أنها الذروة ولكنها في الخسران المبين والوصول الى أول عالم العذاب الأبدي.
من أعظم الذنوب
وقال مدير الدعوة والإرشاد بمنطقة جازان الشيخ صالح بن سليمان خليفة ان الله تعالى أعز النفس البشرية وأكرمها وفضلها على كثير من خلقه فقال سبحانه {وّلّقّدً كّرَّمًنّا بّنٌي آدّمّ وّحّمّلًنّاهٍمً فٌي البّرٌَ وّالًبّحًرٌ وّرّزّقًنّاهٍم مٌَنّ الطَّيٌَبّاتٌ وّفّضَّلًنّاهٍمً عّلّى" كّثٌيرُ مٌَمَّنً خّلّقًنّا تّفًضٌيلاْ} بل جعل الروح التي هي أصل الحياة وسبب البقاء سراً لا يعمله أحد غير سبحانه فقال {وّيّسًأّلٍونّكّ عّنٌ الرٍوحٌ قٍلٌ الرٍَوحٍ مٌنً أّمًرٌ رّبٌَي} ولقد عظم قدر هذه النفس البشرية وسمت مكانتها أكثر من أي زمن مضى في شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، إذ جعل للنفس قيمة لا تكاد تساويها قيمة وجعل إزهاق النفوس بغير حق من أعظم الذنوب وأشد الموبقات فقال صلى الله عليه وسلم «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دماً حراماً».. وقال في ذكر أنواع الكبائر والموبقات قتل النفس بل أخبرنا صلى الله عليه وسلم ان الأصل في النفس العصمة والحماية والحياة وأنه لا يجوز بأي حال أن تتغير هذه السنة وهذا الحكم إلا في حالات قليلة محدودة ألا وهي المتزوج من المسلمين إذا زنى ومن قتل نفساً معصومة بغير حق فانه يقتل بها ما لم يعف أهل المقتول ومن خرج عن دينه وارتد عن الإسلام وثبت ذلك عنه فانه يقتل لاجماع ذلك في قوله صلى الله عليه وسلم «لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة».. وعلى ما تقدم فان قتل الرجل لنفسه والذي يسمى في أيامنا هذه بالانتحار من أعظم الذنوب التي يلقى بها الإنسان ربه وقد جاء الوعيد العظيم والتهديد الأكيد لمن تعجل الموت مللاً من دنياه أو ضيقاً من حاله أو لفوات مطلوب أو وقوع مكروه وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به ...» وقال عن رجل قتل نفسه ان الله تعالى قال في الحديث القدسي «بادرني عبدي بنفسه أشهدكم أني قد أدخلته النار» والعياذ بالله فلا هو ظفر هذا الخاسر بدنياه ولا هو ارتاح في آخرته بل انه قد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم انه لم يصل على رجل قتل نفسه وإنما ترك الصلاة عليه مع انه يصلى عليه ولم ينه أصحابه عن الصلاة عليه لزجر الناس عن هذا العمل ولبيان عظمته وخطورته.
والمتأمل في حال الناس اليوم يلاحظ كثرة الانتحار وانتشار هذه العادة السيئة في كثير من الأوساط وعند التأمل تظهر الأسباب التالية:
1 خلو القلب من الإيمان بالله تعالى مما يجعله لقمة سهلة للشيطان ووساوسه وإنما يردع المرء خوفه من ربه ورجاء ما عنده فإذا خلا القلب من ذلك لم يكن من الرادع ما يمنعه من قتل نفسه.
2 الفراغ هو من أكثر الأسباب التي تجعل قلب الإنسان خالياً فيسهل دخول أي مبدأ أو رغبة ساقطة في قلبه ومع كثرة الفراغ وعدم إشغال الإنسان وقته فيما ينفعه يكون سهلاً مع مرور الوقت ان يمتلأ قلبه بمثل هذه الأفكار الضالة.
3 الإعلام: مما لا شك فيه ان للإعلام دوراً مهماً في صناعة المبادئ أو هدمها ولا ريب ان الحال هذه الأيام يشهد دون الأول فكم يرى شبابنا وفتياتنا من أفلام ساقطة تدعو الى مثل هذه الحالة النتنة وهو في غمرة الشباب وسكر الهوى فيرى مشهداً لحبيب حرم حبيبته فانتحر أو حرمت حبيبها فانتحرت أو يعرض على أجمل صورة .. وكأنه مبدأ سام عاش لأجله ومات في سبيله فيتأثر هذا المسكين لجهله وقلة دينه ولخداع هذا الإعلام الخاسر له فيكون ضحية له.
4 المخدرات وقد يستغرب القارئ لذكر هذه المسألة وانها من أسباب الانتحار وأقول إن المتأمل في حال المدمن للمخدرات يجده يسير في طريق آخر مغلق أو مظلم ليس له مخرج في نظر المدمن إلا الموت فهو نتيجة طبيعية ان يكون آخر حال المدمن الموت لأنه يصل الى آخر الطريق وقد خلا قلبه من كل إيمان أو مبدأ أو هدف وتصبح الحياة في نظره عبثاً لا يطاق ومللاً لا يحتمل فيقدم الموت عليها.
5 الصحبة والصاحب له تأثير كبير على صاحبه في صلاحه أو فساده وإذا كان ذلك علم ان الصاحب قد يزين في قلب صاحبه الباطل والموت والخروج من الدنيا ويجعلها في قالب جميل وكأنها شرف يقطنه ومبدأ يناله والعياذ بالله.
ومن أثار هذا العمل المشين على المجتمع انه يفقد الأمة جزءاً لا يعوض من أبنائها ولا سيما وان المعروف والمشتهر ان الانتحار لا يكون في الغالب إلا في طبقة الشباب من المجتمع فيحرم المجتمع من أعظم مصادر قوته وأسباب بقائه.. وأيضا فإن من آثاره السلبية أنه عادة مقيتة جاءت إلينا من الغرب لأنهم قوم لا مبدأ لهم ولا هدف يعيش أكثرهم لأجله وليس وراءهم ما يردعهم عن ذلك فإذا انتشر هذا في أوساطنا كنا مثلهم نتلقف ما عندهم من غير رؤية ولا دراية أو مبدأ يمنعنا.
وأخيراً أرى أن هذه الموانع تمنع أو على الأقل تقلل من هذه الظاهرة:
1 التركيز على إحياء وغرس الإيمان في قلوب الناس وربطهم بربهم وتعريفهم بقيمة النفس وقدرها عند الله تعالى.
2 بيان الوعيد الشديد لمن قتل نفسه في الدنيا والآخرة وانه قاتل نفسه أراد النجاة فوقع في الهلاك وأراد الربح فخسر خسراناً مبيناً.
3 منع كل ما يدعو ويمهد لمثل هذه الأمور في جميع وسائل الإعلام سواء المرئية أو المسموعة أو المقروءة.
4 إشغال أوقات الشباب بالأمور التي تعود بالنفع على الشاب وعلى دينه وأمته وبلده من الأمور السامية أو على الأقل من الأمور المباحة كالرياضة وركوب الخيل والدورات العلمية في أنواع العلوم.
5 تكثيف دور المستشفيات النفسية والرعايات الاجتماعية من أجل تقليص ظاهرة الأمراض النفسية والمشاكل الاجتماعية والتقليل من عدد تلك النفوس التي يصل بها المرض الى حال لا ترى معه للحياة نفعاً ولا للبقاء قيمة.
الحل واضح
وتحدث مدير عام تعليم البنات بمنطقة نجران .. الدكتور رشيد بن حويل البيضاني فقال: كانت ظاهرة الانتحار وما زالت إحدى الإفرازات التي ينتجها الفراغ الروحي بكثرة في المجتمعات المتحضرة في شتى بقاع العالم .. ولكن الغريب ان هذه الظاهرة بدأت في الانتشار التدريجي في مجتمعنا المسلم المحافظ الذي يملأ بداخل الفرد المؤمن ذلك الفراغ الروحي الذي يفتقده غير المسلمين.. والسؤال هنا لماذا وكيف تفشت هذه الجريمة البشعة بحق النفس الإنسانية التي كرمها الله في بلادنا المسلمة .. وكيف نعالجها ونحد منها؟.
الجواب على هذا السؤال يحتاج منا إلى مراجعة دقيقة لأسبابه الرئيسية والفرعية التي نتج عنها.
ومن وجهة نظري أرى أن السبب الرئيسي وراء هذه الظاهرة الدخيلة على مجتمعنا يكمن في ذلك الابتعاد الكبير عن لب عقيدتنا الإسلامية الصحيحة التي جاءت بكل ما يخدم الفرد والجماعة من إشباع كامل للروح وتنظيم دقيق للحياة والمعيشة وحلول كثيرة لكل المشاكل التي نواجهها.. كذلك إيماننا الراسخ بهدف وجودنا وماذا خلقنا من أجله ورضانا بما يكتب لنا من قدر .. والكثير مما لا يسعني حصره من مميزات خصنا الله بها عن غيرها والتي تواجدت في التمسك الصادق بهذا الدين الطاهر الحنيف الذي يجعل منا مجتمعات قوية مترابطة محافظة مميزة عن مجتمعات العالم الأخرى.
أما الحل فهو واضح وجلي وهو القرب من الدين ومحاولة فهمه جيدا والالتزام الكامل بكل ما يمليه علينا وعدم الابتعاد عنه فهو السبيل لمحاربة مثل هذه الظاهرة التي لا يقرها عقل ولا دين..
وفي نهاية مقالي هذا أتوجه لك أخي المسلم لتذكيرك بان روحك أمانة عندك وازهاقها وتعذيبها بأي شيء إثم كبير تعاقب عليه .. فحافظ عليها وصنها .. وفق الله الجميع لما فيه الخير والصلاح.
أين التوكل على الله
وقال المشرف التربوي توفيق بن صالح الغامدي رئيس قسم التربية الإسلامية بالإشراف التربوي بتعليم نجران: ما أكثر الانتحار في أوروبا والبلدان التي تقتدي بها وتستحن من أهلها كل قبيح فيعدون ذلك من الشجاعة. ويرونه استراحة من تعب الدنيا وعنائها ويظنه الطالب الذي إذا سقط في الامتحان كفارة لخطيئته ومبرراً لموقفه حتى كثر فيهم الانتحار وجنوا به على أنفسهم وآبائهم بل وعلى أساتذتهم وبلادهم.
ولم تكن تعرف المجتمعات الإسلامية هذه الجريمة الخطيرة والجرائم كثرت في مجتمعات المسلمين وأسباب ذلك كثيرة جدا وربما تكون عملية الانتحار في السنوات الأخيرة بسبب انفتاح العالم بعضه على بعض وكما يقال أصبح العالم كالقرية الصغيرة فتنتقل بينهم الأفكار الشاذة والغريبة ومن ذلك الانتحار وأقول ان سبب هذه العملية:
أولاً: عدم وجود الإيمان بالله تبارك وتعالى.
ثانياً: ضعف الإيمان بالله تعالى..
ثالثاً: ضعف الإرادة فان ضعيف الإرادة لا يستطيع تحمل الشدائد والصبر على المكاره بل كلما وقع في مصيبة ضاق بها ذرعاً وحاول ردها عنه بما ليس في وسعه فإذا يئس من الخلاص وتيقن الوقوع في الخطر قتل نفسه وانسرع بها الى النار وبئس القرار ظاناً انه سيستريح بفعلته النكراء من الذي كان يعانيه أو يخاف الوقوع فيه.. ومن الأسباب أيضا قلة العبادات فلا تجده يعمل من الطاعات شيئاً فيجد نفسه خاوية من الطاعة فيسقط في هوة سحيقة من غضب الله عليه، وقوعه كذلك في بعض المعاصي والجرائم ويظن انه لا يخلصه من ذلك إلا الانتحار مثل المخدرات وغير ذلك من مهاجمة الشيطان له حتى يوقعه في شر عمله وهذه الجريمة من إفرازات الحياة المعاصرة والتي انتشرت فيها الأمراض النفسية وفشى ضررها فهذا مصاب بأزمة نفسية وذلك مبتلى بأرق وقلق وآخر يعاني من ضيق واكتئاب ومن كان أباً أو أمّاً موظفاً أو مسؤولاً فالشخصية العقلية المضطربة المتوترة المتشنجة ينجر أثرها على الأولاد والزوجة والعمل وما ذاك الا سبب ضعيف الإيمان وبرد اليقين إن حياتهم لا طعم لها ولا مذاق يقول الله تعالى: {وّمّنً أّعًرّضّ عّن ذٌكًرٌي فّإنَّ لّهٍ مّعٌيشّةْ ضّنكْا وّنّحًشٍرٍهٍ يّوًمّ القٌيّامّةٌ أّعًمّى"} تعيش بعض النفوس خوفاً مزمناً وهلعاً دائماً الخوف من المرض ماذا لو أصابه كذا وكيف تكون حاله لو تعرض لكذا ولو أصيب بألم في جسده نزلت بساحته تصورات وأوهام مخيفة.. الخوف على الرزق الخوف على المنصب الخوف من المستقبل وعلى المستقبل الخوف من أحداث الأمس والغد الخوف على الأولاد والأموال فتضعف قواة ويستفز كيانه ويحس بالحصار المرهق الذي يقتل كل جوانب الحيوية في شخصيته أين الإيمان بالقضاء والقدر؟ أين التوكل على الله؟ لم الخوف على الأرزاق وهي في ضمان من لا يخلف وعده ولا يضيع عبده
{ وّكّانّ وّعًدٍ رّبٌَي حّقَْا}.
وأما علاج هذه الأمور فهي باختصار .. العودة الى الله تبارك وتعالى، الفرار الى الله جل وعلا، ولقد غرس النبي صلى الله عليه وسلم في قلب ابن عباس رضي الله عنه قوله: «احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله واعلم ان الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك الا بشيء قد كتبه الله لك ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك الا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف» فأين الصبر والرضا فهما يحصنان النفس من أنين الجراح وقلق الآلام.
قال عليه الصلاة والسلام «عجبا لأمر المؤمن ان أمره كله خير وليس ذلك لأحد الا للمؤمن ان أصابته سراء شكر فكان خير له، وان إصابته ضراء صبر فكان خير له».
فمن كرمت عليه نفسه وعزت عليه حياته صانها عن التلف وابتعد بها عن الموت الا في سبيل الله وحيث يكسب الأجر والشهادة ويخرجها من الدنيا راضية مرضية .. فالله اسأل ان يهدي ضال المسلمين وان يكشف ما بهم من الكروب والضيق وان يشفي ويعافي مرضى المسلمين وان يمن علينا بالتوبة النصوح إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
الفراغ الروحي
وقالت الأستاذة نوال القحطاني .. مديرة مدرسة ثانوية: نحن اليوم بصدد ظاهرة خطيرة ومستجدة في مجتمعنا المسلم.. تبعث على الحزن العميق.. والألم.. وتثير بداخل أدمغتنا الكثير من علامات الاستفهام والتعجب؟! فرغم ما يحدث داخل النفس الإنسانية من حسرة وندم عندما نسمع عن شاب أو شابة في عمر الزهور أقدم على الانتحار فجأة.. إلا أن التفكير فيها يتعاظم ويتشعب وتبدأ في الارتسام الكثير من الأسئلة لسان حالها يقول.. كيف أقدم هذا الشخص على قتل نفسه؟.
وما هذه الدرجة من الإحباط واليأس التي وصل إليها هذا الشخص لتساوى عندها رغبة الحياة والموت وتتغلب الثانية على الأولى؟.
وأي قوة خفية سلبت من داخل هذه النفس لتصبح عارية مكشوفة في مهب الأهواء الشيطانية ولعبة سهلة في يدها تسيرها كيفما تشاء.. من هنا يبدأ التساؤل والبحث الجاد عن الأسباب والعلاج.. لماذا انتشرت بيننا؟ ألم يكن الانتحار وما زال مظهراً من مظاهر الضعف في المجتمعات المتحضرة وإفرازاً طبيعياً لمدنية ساذجة فصلت الدين عن الحياة العامة .. كيف أصبح هذا الداء حراً بلا رادع يوقفه يصيب النفوس فيحطمها ويمزقها بكل سهولة.. هنا يبدأ السؤال المحير والذي لا جواب لديهم عله! رغم ما وصلوا إليه من تقدم وعلم وتطور ودراسة تحليلية للنفس الإنسانية بالذات.. مع ذلك كانت جميع الأجوبة لديهم لا تحمل الجواب الشافي الذي ربما ينقذهم وينقذ شبابهم من نهايات مفاجئة ومؤلمة تضرب مجتمعاتهم الشبه مفككة في الصميم..!.
أما اليوم فنحن أكثر غرابة وحيرة أمام هذه الظاهرة... كيف تمكنت من غزو مجتمعنا المسلم والانتشار بين شباب هذه الأمة العظيمة.. فبعد ان كنا نراقب من بعيد مثل هذه الظواهر المشينة بحق النفس البشرية أصبحت اليوم معنا وبين شبابنا.. من هنا لا بد ان نضع حداً لها .. والسؤال هنا يفرض علينا عرض المقارنة بيننا وبين تلك المجتمعات وما تميزنا به عنهم لنحارب به هذه الظاهرة.. ولعل ما يميزنا عنهم هو ديننا الإسلامي العظيم الذي يسد أمام هذه الظاهرة منفذها الوحيد ألا وهو الفراغ الروحي فديننا يملأ علينا هذا الفراغ ويشعرنا بالأمان والطمأنينة التي يفتقدون إليها.
أما الابتعاد عن الدين فيؤدي الى تغلغل مثل هذه الأفكار الى النفوس الضعيفة والحل يكمن في التمسك بعقيدتنا الإسلامية والاقتراب من الدين وفهمه جيداً والعمل بما يأمرنا به.. فهو السبيل الوحيد للحفاظ علينا من سموم العصر وأفكاره الهدامة.
مخالفة خطرة
وقالت مشرفة وحدة التربية الإسلامية بتعليم البنات بنجران حليمة الوادعي: لا ينتشر الانتحار في قوم الا لبعدهم عن المنهج الديني والسعي وراء من يزعمون أنهم يضمنون لهم الراحة والسعادة وهم في الحقيقة لا يملكون لأنفسهم نفعاً أو ضراً، ان السعادة والطمأنينة متعلقة بالقلب والقلب راحته في أمر واحد وهو طاعة الله وتقواه وهؤلاء حاولوا إسعاده بخلاف الفطرة كما قال الشاعر:
يا متعب الجسم كي تسعى لراحته
اتعبت نفسك فيما فيه خسران
أقبل على الروح واستكمل فضائلها
فأنت بالروح لا بالجسم إنسان
أما الإدارية فلوة حسن من إدارة الإشراف التربوي بتعليم البنات بنجران فتقول: إن الله سبحانه وتعالى هو خالق هذا الكون بما فيه وهو المتصرف بكل موجوداته بمن فيها البشرية الذين خلقهم وجعلهم أمناء على أنفسهم وحرم عليهم دفع هذه النفس الى ما يجلب لها الهلاك لأن الله هو خالقها وهو وحده من حدد لها النهاية وكيفية هذه النهاية. لقد انتشرت في الوقت الحالي بسبب البعد عن تعاليم الدين بعض الظواهر التي تؤلم النفس ومنها ظاهرة الانتحار والتي يدفع الشخص فيها بنفسه الى هاوية الهلاك دون أن يعي عقوبة ذلك العمل وما يعود على فاعله من التخليد والعياذ بالله في نار جهنم لذلك وجب علينا التكاتف للقضاء على هذه الظاهرة وتبين عقوبتها على من يقدم على فعلها.
كما قالت المشرفة التربوية جوهرة المطير : تعد ظاهرة الانتحار والمنتشرة في الآونة الأخيرة من الظواهر السلبية الخطيرة والتي يجب على المجتمع بكافة مؤسساته الدينية والاجتماعية الوقوف لمعالجتها ولو نظرنا الى أسباب هذه الظاهرة لوجدنا الوازع الديني هو من أهم الأسباب التي قد تدفع الفرد للتفكير في هذا الأمر يلي ذلك التفكك الأسري وبعد الأمل عن تربية أبنائهم وتوجيههم التوجيه الديني الصحيح.
وقال الأستاذ علي هادي عوير أخصائي اجتماعي ومدير شؤون المرضى بمستشفى الصحة النفسية بنجران: الذي يلجأ الى الانتحار في اعتقادي شخص مريض نفسي أو عقلي فهناك مرضى الاكتئاب وكذلك المدمنون حيث يسعى الشخص لإيذاء نفسه والتخلص من الحياة، فالاكتئاب عندما يكون حاداً تكون أعراضه انه يقلل احترام الشخص لذاته فهو يجعل المرضى يعتبرون ان حياتهم غير محتملة أو لا قيمة لها فيلجأ بعضهم الى تقرير إنهاء حياته بالانتحار وهذا يحصل مع المدمنين الذين ييئسون من الحياة تحت تأثير المخدرات ويكونون مرفوضين من قبل المجتمع المحيط بهم والمرضى الذين يعانون من ضغوط نفسية تفقد الأمل في الحياة ومن الملاحظ ان حالات الانتحار بين النساء أكثر منها في الرجال فالاسلام يرفض تلك الظاهرة رفضاً قاطعاً قال الله تعالى {يّا أّيٍَهّا الّذٌينّ آمّنٍوا لا تّأًكٍلٍوا أّمًوّالّكٍم بّيًنّكٍم بٌالًبّاطٌلٌ إلاَّ أّن تّكٍونّ تٌجّارّةْ عّن تّرّاضُ مٌَنكٍمً وّلا تّقًتٍلٍوا أّنفٍسّكٍمً إنَّ اللهّ كّانّ بٌكٍمً رّحٌيمْا وّمّن يّفًعّلً ذّلٌكّ عٍدًوّانْا وّظٍلًمْا فّسّوًفّ نٍصًلٌيهٌ نّّارْا وّكّانّ ذّلٌكّّ عّلّى اللهٌ يّسٌيرْا}.
وفي الختام أدعو الى التعاون المستمر من خلال برامج تربوية وعلاجية مشتركة بين المؤسسات الصحية والمؤسسات التربوية كالأسرة والمدرسة والمعهد والجامعة والمؤسسات الإعلامية والمساجد والمشايخ هذا وبالله التوفيق.
وقال الأخصائي النفسي ومدير مستشفى الصحة النفسية بمنطقة نجران الأستاذ صالح بن عبدالله الجليل: الانتحار مرتبط بعدة عوامل منها:
عوامل اجتماعية: «كالعمر والدين والحالة الاجتماعية والمهنية والعوامل الصحية».
عوامل نفسية: وهي تشكل نسبة 90% ممن ينتحرون أو يحاولون الانتحار حيث يعانون مثلا من اضطراب نفسي أو يعانون من مشاكل نفسية وقت إقدامهم على الانتحار وأهمها «الاكتئاب والإدمان».
عوامل بيولوجية والتحليل الاجتماعي النفسي لتلك الظاهرة انه مثل الإدمان والعصاب والجريمة هو انعكاس لصورة المجتمع الذي نعيش فيه والحمد لله يقل الانتحار كثيراً في بلادنا وجميع الدول الإسلامية نظراً لتمسك بالدين والتعاليم الإسلامية وما يحثنا عليه ديننا بان النفس معززة مكرمة وأمانة منحها الله لنا نصونها ونحافظ عليها.