سمعت مرة أحد المسؤولين يقول في معرض دفاعه عن فكرة طرحها إنه قرأ في منتديات الإنترنت كذا وكذا واستطرد بعد ذلك معتمداً على ما جاء في الإنترنت كجزء من مصادره، ومن الواضح أن هذا المسؤول يدخل بكثرة على الإنترنت ومن قراء المنتديات المتابعين.
تذكّرني منتديات الإنترنت بالشللية عندما تتشكل شلة وتتبلور تتقارب المعارف وتتوحد الأساليب وتحدث تنازلات معينة حتى يصل الجميع إلى حميمية وتواصل فعَّال كما يقولون في علم الإدارة، وفي الأخير تنفصل هذه الشلة عن العالم، وبعد الخروج من العالم تبدأ هذه الشلة بالخروج التدريجي من الواقع لأن تماسك الشلة هو جوهر هدفها وليس الحقيقة. أعطيكم مثالاً بسيطاً: أعرف شلة رجال من متوسطي العمر في الثلاثينات والأربعينات من أعمارهم تعودوا الاجتماع يومياً في استراحة يلعبون البلوت ويشربون المعسل ويتفرجون على مباريات الكرة وما تجود به فضائيات اليسا اللبنانية.. هذي حالهم منذ سنوات.
يبدؤون الاجتماع بعد صلاة المغرب ويعودون إلى بيوتهم منتصف الليل.. عندما تجلس معهم ليلة أو ليلتين تحس أن العالم من المحيط الأطلسي إلى المحيط الهادي مشغول بأنواع المعسل: النكهات واللون وهذا ناشف يشحط الحلق والمعسل بالعلب أفضل بعض الأحيان من المعسل السايب، وهناك تفاصيل لا يمكن أن تحيط بها إلا إذا كنت من الشلة. المهم أنك تحس إذا جلست معهم أن العالم يعاني من مشاكل المعسل والبلوت. هذا المثال الضيق يكشف ما هو أخطر منه في الشلل الثقافية والسياسية.
في الشلل الثقافية تتكون مفاهيم ومواقف وحقائق خاصة مقتصرة على الشلة ويتم التعامل معها على أساس أنها هي الحقائق التي ينتصب عليها العالم القائم.
وعندما بدأت الإنترنت تخيلت كل شيء إلا أن تتكون شلل الكترونية أساسها بشر لا يعرفون بعضهم بعضاً مما يعني أن الثقافة والمزاج هما أساس الشلة لا الحميمية الإنسانية. المواضيع التي تطرح فيها لا تحتاج إلى اختبار وإنما إلى الرغبة، فلكل منتدى من منتديات الإنترنت تعسيلته الخاصة، بمتابعة بسيطة لأحد المنتديات ستصل إلى قناعة أن المقاتلين الشيشان سحقوا الروس وعلى وشك الاستيلاء على الكرملين أما أمريكا فتبحث هذه الأيام عن أفضل الشروط قبل الاستسلام لطالبان في أفغانستان، وهذا الوجه الثيوقراطي يقابله منتديات شلل حداثية يسيطر عليها التفكير القائم على الأوهام (wishful thinking).
عندما تدخل منتديات الإصلاحيين أو الحداثيين ستخرج مقتنعاً بأن الديموقراطية ستعم العالم العربي بعد ثلاث سنوات فإن كثرت فأربع، ومسودة اتفاقية حرية الفكر وحرية الرأي خالصة منتهى منها تنتظر التصديق عليها في مؤتمر القمة العربي القادم.. أما قوانين حقوق المرأة وحريتها وقوانين حماية الطفولة والمسنين فستعلن في أي لحظة الله لا يعوق بشر.
فاكس: 4702164
|