احتفى العالم أول أمس باليوم العالمي للامتناع عن التدخين، ويأتي الاحتفاء في هذا العام تحت شعار «سينما بلا تدخين» ولعلها فرصة سانحة في هذا العصر الالكتروني الذي يقذف فيه الشباب من كل جانب برسالات إعلامية متقاربة للتعاون من أجل رسم صورة ايجابية جديدة تعزز جهود مكافحة التدخين بدلا من الدعوة لتعاطي التبغ، ولتصحيح الصورة الخادعة القديمة لمنتجات التبغ التي رسمتها شركات صناعة التبغ وشركاؤها، فلنتكاتف جميعا لدعم هذه الجهود، ولجعل الشخص الممتنع عن التدخين هو البطل.. ومن الجدير ذكره أن مجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية ومكتبه التنفيذي قد ناشدوا منذ المؤتمر التاسع في عام 1980م شركات انتاج المسلسلات والبرامج التلفزيونية في المنطقة بمنع التدخين أثناء التصوير.
إن احتفاء دول العالم باليوم العالمي للتدخين في هذا العام يأتي في ظل قيام 192 دولة من الدول الأعضاء في منظمة الصحة العالمية بالتوقيع على معاهدة تم اعدادها على مدى السنوات الخمس الماضية، حيث ترسخ هذه الاتفاقية التي تعد المحاولة الاولى للمنظمة لاصدار اتفاقية في هذا الشأن قواعد عالمية لعدد من الأنشطة التي تشمل على سبيل المثال تسويق منتجات التبغ والاعلان عنها وترويجها ورعايتها.
وتهدف الاتفاقية الى نشر المعلومات الخاصة باستخدامات التبغ خاصة فيما يتعلق بطبيعته الادمانية ليتمكن كل شخص من اتخاذ القرارات الخاصة بصحته في ضوء ذلك، وحماية غير المدخنين من المخاطر القاتلة للتدخين السلبي، ورفع الالتزام السياسي بمكافحة التبغ في مختلف البلاد بما يؤدي لخفض عدد الوفيات المرتبطة باستخدامات التبغ، كذلك ضمان مشاركة القطاعات المختلفة في مكافحة التيغ بما يضمن التنسيق والنجاح في مكافحة التبغ، وأيضا تقرير مسؤولية شركات التبغ عن الضرر الذي يحدث من منتجاتها سواء للصحة أو للبيئة.
وتشجع الاتفاقية على المنع الكامل للاعلان ورفع قيمة الضرائب على منتجات التبغ ووضع تحذيرات صحية واضحة على علب السجائر ومنتجات التبغ، توفير الامكانيات الطبية والمادية اللازمة للمساعدة على الاقلاع عن التدخين، والقضاء على تهريب التبغ، ومنع بيعه لمن هم دون السن القانونية، وحماية البيئة من الآثار السيئة لاستخدامات وإنتاج التبغ.
وترى منظمة الصحة العالمية أن وباء التبغ الذي يقتل حاليا نحو 5 ملايين شخص في كل عام إنما هو مرض ينتقل عن طريق الاعلانات، وقد دعت المنظمة في عام 2002م الى وضع نهاية لتدخل صناعة التبغ في الرياض، وفي إطار دعوة هذه الاتفاقية الى فرض حظر مماثل على الترويج للتبغ في الافلام ووسائل الترفيه تدعو هذه الاتفاقية الى مراجعة دولية وتحمل للمسؤولية على الصعيد الدولي إزاء منتج يروج له بحرية بالرغم انه مصمم لكي يقتل نصف عدد من يتعاطاه بانتظام.
إن اتفاقية منظمة الصحة العالمية الاطارية بشأن مكافحة التبغ تعتبر وثيقة صحية عالمية هادفة تسعى بكل جدية وبأسلوب علمي متجرد نحو الحد من جائحة التبغ وآثارها السيئة على الفرد والمجتمع صحيا واجتماعيا واقتصاديا وبيئيا.
إن اليوم العالمي للامتناع عن التدخين 2003م يركز على دور الافلام والترفيه في تشجيع وباء عالمي حيث تناشد منظمة الصحة العالمية المسؤولين عن صناعة الافلام وصناعة الترفيه التوقف عن القيام بدور المركبة التي توصل الى الموت والمرض.. إن الأمر يجب الا يتوقف على المناشدة بل يستحق اتخاذ التدابير الصارمة لمنع هذا الداء سواء كان ذلك بتكثيف حملات التوعية الصحية ومنع الترويج والاعلانات وحملات التسويق أو برفع الاسعار وزيادة الضرائب والجمارك على هذه السلعة المهلكة أو بهذه الضوابط مجتمعة، وإن الأمل يحدونا ان يستفيد الجميع من تجارب الدول التي اتخذت الاجراءات الكفيلة بالحد من خطر هذه الجائحة مثل كندا وبريطانيا.. ولنا مثال وقدوة حسنة وهادفة في القرارات والمراسيم الملكية والأميرية التي صدرت بشأن مكافحة التدخين في دول مجلس التعاون الخليجي.
وفي ظل الجهود التي يقوم بها مجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون ومكتبه التنفيذي وذلك في إطار الشراكة الدولية مع منظمة الصحة العالمية والجهود الحثيثة التي تبذل لمكافحة هذا الوباء الخطير فقد اتخذ المجلس العديد من القرارات الملزمة والتي بلغت 34 قراراً آخرها القرار الذي صدر في المؤتمر 54 بأبوظبي خلال شهر يناير الماضي 2003م والذي يؤكد على القرار الصادر من قبل بشأن رفع التعرفة الجمركية الى 150% ومخاطبة الامانة العامة لمجلس التعاون الخليجي بذلك، والعمل على فرض رسوم أخرى لمكافحة جائحة التبغ حسب اقتراح اللجنة الخليجية بمكافحة التدخين، كذلك الموافقة على دعوة اللجنة لاجراء دراسات حديثة حول الاثار التي ترتبت على تفاقم مشكلة التدخين بكافة الأوجه الاقتصادية والاجتماعية والصحية الحالية والمستقبلية.
وكذلك مخاطبة الامانة العامة لمجلس التعاون للعمل نحو وقف نشاط جمعية الشرق الأوسط للتبغ «ميتا» واستمرار مقاطعتها وحظر جميع أنشطتها بدول المجلس، وكذلك توحيد المواقف تجاه الاتفاقية الاطارية لمكافحة التبغ من خلال تبني موقف خليجي موحد يساهم في دعم الجهود الدولية لمكافحة التبغ بما يتفق مع كافة بنود الاتفاقية الاطارية.
ولأهمية التسجيل والتوثيق والرصد لجميع القرارات التي صدرت عن مجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية منذ إنشائه فقد قام المكتب من جانبه باعداد وطباعة كتاب عن هذا الموضوع ليكون سجلا راصدا للجهود الخيرة والمثمرة التي بذلها مجلس وزراء الصحة في هذا المجال.. إن دول المجلس تسعى حاليا الى اقامة نظام وطني وخليجي خاص للمراقبة الوبائية لتعاطي التبغ ورصد المؤشرات الاجتماعية والاقتصادية والصحية ذات الصلة لوضع مبادئ وتوجيهات أو اجراءات عامة وخاصة لتعزيز الاستراتيجيات والخطط والبرامج الوطنية والخليجية لمكافحة التبغ، وتبادل المعلومات والمعطيات الخاصة بالبحوث الوطنية وتشجيع وتنمية القدرات والكفاءات الوطنية العاملة للحد من هذه الجائحة.
إنني أعتقد أن جهود مكافحة التدخين ما زالت قاصرة حيث انها تعتمد على الحملات الصحية البسيطة التي تستغرق وقتا قصيرا ثم تنتهي.. لذا ينبغي ان نركز جهودنا على الشباب في المدارس والجامعات إذ ثبت ان الادمان يبدأ من هناك.. كما يجب ان نتصدى وبكل حزم لأنشطة شركات التبغ بشن الحرب عليها في جميع أنحاء العالم.
(*) استشاري طب الأسرة والمجتمع مدير عام المكتب التنفيذي لمجلس وزراء الصحة لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية
|