* القاهرة - مكتب الجزيرة - علي البلهاسي:
23 عاماً من الشد والجذب والتوتر وانعدام الثقة في العلاقات الإيرانية الأمريكية المقطوعة منذ عام 1980م كانت كافية من وجهة نظر الإدارة الأمريكية لإنهاء هذه المرحلة وبداية مرحلة جديدة للتعامل مع الملف الإيراني الذي شكل صداعاً مزمناً في رأس الإدارات الأمريكية المتعاقبة طوال هذه السنوات.. من أجل ذلك كان الاتجاه الأمريكي لتجميد الاتصالات مع إيران وعقد اجتماع رفيع لمسؤولين في الإدارة الأمريكية لإقرار استراتيجية جديدة في التعامل مع إيران تعتمد على تصعيد الضغوط على النظام الإيراني للخضوع للمطالب الأمريكية وإلا فالبديل كما أعلنته مصادر أمريكية مسؤولة هو تبني الإدارة الأمريكية سياسة مواجهة تهدف إلى زعزعة الحكومة الإيرانية واتخاذ إجراءات معلنة وسرية يمكن أن تؤدي إلى الإطاحة بحكومة طهران من خلال انتفاضة عامة.
ويرى المحللون أن الاستراتيجية الأمريكية الجديدة تجاه إيران ترجع في الأساس للتطورات السياسية التي شهدتها المنطقة بعد حرب العراق فالولايات المتحدة ما زالت تعيش نشوة النصر السريع في العراق والإدارة الأمريكية تحكمها غطرسة القوة لا تكف عن ترديد تصريحات بخطوات أمريكية قادمة لتغيير أنظمة أخرى في المنطقة والمخاوف الإيرانية تزداد يوما بعد يوم من أن تكون إيران أحد أضلاع مثلث الشر في استراتيجية بوش هي الهدف الثاني بعد العراق مع تزايد الاتهامات الأمريكية لإيران تارة بسبب تطويرها لأسلحة دمار شامل وأسلحة نووية وتارة بسبب إيوائها لعناصر القاعدة ودعمها لمنظمات تعتبرها واشنطن إرهابية وعلى رأسها حزب الله اللبناني وهو ما زاد المخاوف في طهران من أن يكون النظام الخميني هو التالي على قائمة الولايات المتحدة بعد نظام صدام حسين.
السر في العراق
السبب المعلن لاتجاه الإدارة الأمريكية لتبني استراتيجية جديدة تجاه إيران هو تأكيد إيواء طهران أعضاء من شبكة القاعدة وربما قيادات كانت لهم علاقة بصورة أو بأخرى بتفجيرات الرياض وتكرار الاتهامات الأمريكية لإيران بمحاولة تطوير أسلحة نووية إلا أن بعض المحللين يرون أن هذه الاتهامات ليست بجديدة وتم تكرارها منذ سنوات وبالرغم من ذلك كانت هناك اتصالات أمريكية إيرانية سرية سرعان ما ظهرت للعلن مؤخراً في محاولة لحسم القضايا الخلافية بين الدولتين.
وكشف المحللون عن أن السبب الحقيقي وراء تفجير واشنطن لقضية تجميد الاتصالات وتسريب إيحاءات بمحاولات أمريكية لزعزعة الحكومة الإيرانية هو اختلاف الدولتين في وجهات النظر بشأن العراق والمخاوف الأمريكية من تزايد النفوذ السياسي لإيران داخل العراق الذي يمثل الشيعة حوالي 60% من سكانه في الوقت الذي نحاول فيه واشنطن تشكيل نوع من الإدارة العراقية المؤقتة وتواجه العديد من المشكلات في هذا المجال أصبحت تهدد الوجود الأمريكي في العراق.
المخاوف الأمريكية من النفوذ الإيراني في العراق تبرز كل يوم في تصريحات مسؤولين في الإدارة الأمريكية بشكل متكرر ورغم اتخاذ إيران موقفا محايداً من الحرب على العراق إلا أنها تلقت تحذيرات عديدة من واشنطن من التدخل في شؤون العراق في ظل فراغ السلطة بعد صدام. ويبدي المسؤولون الأمريكيون انزعاجاً واضحا من التصرفات الإيرانية في العراق وهناك مخاوف متزايدة من دعم إيران للمنظمات الشيعية في العراق ومن ضمنها جماعات مسلحة تحاول افتعال مشاكل للاحتلال الأمريكي والبريطاني للبلاد بل وتحاول أن تستولي على السلطة في كل العراق. من أجل ذلك ركزت المحادثات الأمريكية الإيرانية الأخيرة على الوضع السياسي الانتقالي بالعراق والتأييد الإيراني للمنظمات الشيعية في العراق وخاصة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية بالعراق الذي ظل يعمل من إيران على مدى أكثر من عقدين ولكن قائده عاد إلى العراق مؤخراً ودعا مباشرة إلى قيام حكومة إسلامية معتدلة.
وتواجه الإدارة الأمريكية هذه الهواجس بمحاولة كسب مزيد من الوقت قبل تشكيل الحكومة العراقية حتى يمكنها السيطرة على الأوضاع بشكل أفضل. وتتصاعد التحذيرات الأمريكية ضمنا وعلانية لإيران من محاولة لعب أي دور في دعم الشيعة في العراق ضد الاحتلال الأمريكي البريطاني أو من أجل تشكيل حكومة إسلامية مماثلة للموجودة في إيران ومن هذه التحذيرات ما ورد مؤخراً على لسان وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد أحد قادة جناح الصقور في الإدارة الأمريكية أصحاب الاتجاه المتشدد تجاه إيران بقوله إن واشنطن لن تسمح لجيران العراق بالتدخل في شؤونه وشدد على أن أي تدخل يهدف إلى إعادة تشكيل العراق في صورة إيرانية لن يسمح به.
مجاهدي خلق
وإذا كانت إيران تستخدم الشيعة كسلاح في وجه الأمريكان في العراق فقد وجدت الولايات المتحدة فيما يبدو سلاحها الذي تواجه به إيران وعلى أرض العراق أيضاً وهذا السلاح يتمثل في منظمة مجاهدي خلق الإيرانية المعارضة الموجودة على أرض العراق التي يرى بعض المسؤولين الأمريكيين أن يتم الاستعانة بها كوسيلة لزعزعة الحكومة الإيرانية.
والمعروف عن منظمة مجاهدي خلق أنها ظلت تعمل تحت حماية الرئيس العراقي السابق صدام حسين لمدة 18 عاماً وقد وفر لها صدام كل الامكانيات في سبيل إسقاط النظام الديني الحاكم في إيران وهذه المنظمة متورطة في اغتيال بعض الضباط الإيرانيين ويعارضها أغلب الإيرانيين لأنها وقفت مع العراق أثناء الحرب العراقية الإيرانية وحاربت من أجل احتواء أي تقدم إيراني وشاركت كذلك في قمع وإجهاض جميع الانتفاضات التي أعلنها الكرد في الشمال والشيعة في الجنوب عقب حرب الخليج عام 1991م وقد ركزت المطالب الإيرانية بعد حرب العراق على أن يقوم الجيش الأمريكي بتسليم آلاف المقاتلين من المنظمة الإيرانية المعارضة.
ويقول المحللون إن الموقف الأمريكي من منظمة مجاهدي خلق مثير للجدل فبعد أن أدرجتها الولايات المتحدة ضمن المنظمات الإرهابية إرضاء لإيران وقع المسؤولون الأمريكيون اتفاقاً معها بعد انتصارهم في العراق لوقف اطلاق النار ثم قامت أمريكا بتجريد أفرادها من يحاولون حالياً حماية المنظمة ومساعدتها باعتبارها منظمة إيرانية معارضة يمكن الاعتماد عليها مع إيران على غرار ما حدث مع المعارضة العراقية بقيادة أحمد الجلبي قبل الحرب العراقية.
وربما كان تحالف أمريكا مع منظمة مجاهدي خلق بهدف استخدامها كقوة دافعة ضد محاولات علماء الشيعة الإيرانيين الرامية إلى بسط نفوذهم على الشيعة العراقيين من شأنه أن يزيد من تأزم العلاقات الإيرانية الأمريكية الملتهبة أساساً لما يمثله من مخاوف أمنية تعقد أية اتصالات مستقبلية بين الجانبين الإيراني والأمريكي.
|