الذين يتيهون بين الحقيقة والوهم هم الذين تجري أقلامهم بما يدل على التذبذب وعدم الاستقرار، وهم الذين لا يفرقون بين الثوابت والمتغيِّرات ولذلك ينادون - أحياناً - بما لا يقبل به العاقل الذي يعرف الحدود الفاصلة بين الحقيقة والوهم، وبين الثابت والمتغيِّر، كما نادى بعض المتعصِّبين للتغيير المطلق من الحداثيين إلى إحداث صدمة ثقافيّة للأجيال المسلمة تحطِّم الثوابت المتمثِّلة في العقيدة وتعاليم الشريعة، وتقطع السياق التراثي التاريخي للوصول إلى مجتمعات متحرِّرة - بزعمهم - من كل القيم والمبادئ التي تنظِّم حياة البشر، وتقيم ميزان الأخلاق الفاضلة بينهم، وقد بذل هؤلاء المتعصِّبون جهوداً كبيرة في مجلاَّتٍ أصدروها بعنوان «مواقف» أو «شعر» أو غيرهما، وفي كتبٍ أصدروها، وندوات ومؤتمرات عقدوها، كان يصرف فيها من المال ما لا يتناسب مع حالتهم المادية، تبيَّن فيما بعد من خلال المرايا المقعَّرة والمحدَّبة أن تلك الأموال كانت تدفع من سفارات دول غربية كبرى لدعم مسيرة التغيير «الأهوج» في العالم الإسلامي إلى الأمام.
نعم، إنَّ الاضطراب بين الحقيقة والوهم الذي يؤدي إلى الاستسْلام للوهم والانقياد له، هو الذي يجرِّىء بعض الكاتبين على مصادمة الحقائق الثابتة في المجتمع المسلم.
لقد استوقفتني رسالة كريمة من قارىء متابع بعث بها إليَّ بعد قراءة مقالة «خسر المرجفون» التي نشرت في هذه الزاوية سابقاً، حيث وجدت فيها وعياً بهذه الحالة المتذبذبة بين الحقيقة والوهم، وشعوراً بالخلل فيما تخطُّه بعض الأقلام التي أصيبت بهذا الداء العضال داء التذبذب والاضطراب.
يقول كاتب الرسالة د. صالح بن عبدالله الصقير من كلية الطب بجامعة الملك سعود وهو أستاذ مساعد واستشاري أمراض الباطنة والروماتزم: لقد لاحظتُ أن أصحاب التوجُّه القائم على استغلال الأحداث لطرح آرائهم المضطربة دون موضوعية أو إنصاف، يسلكون الأسلوب نفسه في عرض قضايا كثيرة يتخذون فيها «الموقف» سلفاً ثم يصوغون الوقائع المضخَّمة أو المتخيَّلة بما يخدم أهدافهم، لا بما يخدم الخبر والحقيقة، وهذا بلا شك ينمُّ عن هزيمةٍ داخلية، وضعف حجةٍ وعجز عن إقناع القارئ بما يخالف الواقع، أو بتوجهات فكرية عفا عليها الزمن، وسقطت بسقوط الدول التي كانت تفرضها بالمنجل والنار، وقد نَفَر الناس منها بافتضاح حقيقة الدول التي كانت تتشدّق بها.
إنَّ من يتمعن في سيل الكتابات الذي تجري به تلك الأقلام المضطربة بعد ما يقع من الأحداث في المنطقة، يرى تشابه المسلك في الاستغلال السيِّئ للأحداث من عدة جوانب:
1- استباق نتائج التحقيق الرسمي بفرضيات مصطنعة يتبين كذبها فيما بعد.
2- تضخيم حجم الحدث واختلاق القصص لبلوغ أهداف أولئك الكتاب بلاحق.
3- محاولة إلصاق التهم مباشرة وبدون موضوعية بفئة معيَّنة يستهدفها أصحاب تلك الأقلام.
4- محاولة اختلاق أي رابط أو أية علاقة بين الجاني المفترض وبين التديُّن، سواء مظهر التدين، أو ما له به علاقة كحلقات العلم أو جمعيات تحفيظ القرآن أو الارتباط بجمعيات خيرية.
5- استغلال الحدث للهمز واللمز لجهات دينية أو أشخاص لهم علاقة بها.
6- إثارة الآباء على أبنائهم الملتزمين، وإثارة مشاعر الشك والريبة وسوء الظن بين أفراد مجتمعنا المسلم المتماسك.
ثم يقول د. صالح الصقير في رسالته: إنَّ القصف الفكري العشوائي الظالم يكفي لإثارة الفتنة وجرح مشاعر الناس، وزرع بذرة التطرُّف المضادّ.
وإنني إذ أشكر د. صالح على رسالته لأؤكد أهمِّيَّة النقاط التي أشار إليها وضرورة التنبُّه إلى ذلك من قبل أبناء هذا المجتمع المستقرّ - ولله الحمد - رجالاً ونساءً، ولاة أمرٍ ورعيَّة، حتى لا يحطِّم القصف الفكري العشوائيّ حصون مبادئنا الثّابتة، أو يحطِّم أسوار ثقة بعض أبنائنا بها.
إشارة:
قد يختفي في رَوْعةِ العنوانِ تضليل الفصولِ
|