في المقال السابق تم التطرق إلى أن فكر تكفير الدول قد ظهر إبان اصطدام الرغبة في اقامة دولة اسلامية محضة وبين قيام دولة تدين بالاسلام عقيدة دون شريعة، مما يثير عاطفة الشباب بالذات فيندفعون بحماس إلى تغيير الأوضاع الحالية عبر القيام بتفجيرات وعمليات انتحارية داخل المجتمعات التي يوجد فيها الأجانب لاصرارهم على فكرة اخراج الكفار من بلادهم دون التفريق بين المحارب والآمن! بحجة أن وجودهم يعارض الشرع وأنهم سبب في جلب العار والهزيمة للشعوب الإسلامية، والواقع ان ما يحصل هو بسبب النظرة السلبية للجهاد على الرغم من وضوح شكله ومعناه في الإسلام، وسمو توجيهاته عليه السلام، والخلفاء من بعده للجنود المسلمين إبان الفتوحات الإسلامية المجيدة، وما يذكره التاريخ من ارشاد الخلفاء للجنود بعدم المساس بالمسالمين، والبعد عن الأعمال التخريبية والتحذير من قطع الأشجار، أو هدم الصوامع!! وعليه فإننا نلوم الشباب الذين يقومون بتلك التفجيرات بأنهم قد عمدوا - بأفعالهم - إلى تشويه صورة الإسلام الجميلة، الزاهية، القائمة على العدل والسلام!! وأنهم - بسوء تصرفهم - قد أخطأوا وأفقدونا حياتهم!! وإذا علمنا أنه لا يزال هناك من يتبنى تلك التصرفات بل ويغذيها، غلواً في الدين وابتداعاً به، وتفسيراً للشريعة دون علم، واتباعاً لهوى، حتى أصبحنا كل يوم بل وكل لحظة نترقب حدثاً، ونفجع بمزيد من الفقد لشباب الأمة الإسلامية، والصفوة والأمل، عماد المستقبل وعتاد التقدم، أكباد الوطن، بل قلوبها النابضة، فإن قلوبنا تهفو لعقلاء الأمة بالسعي لعلاج أخطاء الشباب بالتروي والحكمة، والفهم الصحيح لأحكام الدين.. والفكر المنحرف لا يعالج إلا بفكر مستنير واتخاذ التدابير اللازمة لمواجهته، والدعوة لتوحيد الكلمة والصف، والتمسك بالجماعة، وادراك أن الأمن هو أحد خيارات التمكين في الأرض الذي إن توفر تقام الصلاة وتؤتى الزكاة، ولن يتأتى التمكين إلا بالاستقرار والأمن الذي يعني حفظ الإنسان في دينه وعقله وماله وعرضه ونفسه وبلده! {الذٌي أّطًعّمّهٍم مٌَن جٍوعُ وّآمّنّهٍم مٌَنً خّوًفُ}وينبغي أن نستشعر جميعاً أن استتباب الأمن - لدينا - لم يتحقق إلا بتطبيق الشريعة الإسلامية، عقيدة وشريعة، أركاناً وأحكاماً، دستوراً وقانوناً، وفي ظل هذه الأحكام والقوانين يطمئن الناس على أنفسهم وممتلكاتهم، كما علينا ادراك ان الخيرية التي قال الله عز وجل عنها {كٍنتٍمً خّيًرّ أٍمَّةُ أٍخًرٌجّتً لٌلنَّاسٌ} لن تتأتى إلا بتآزر السياسة مع الشريعة واتفاقهما وتعاونهما على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حيث أكدت الآية الكريمة. فالدولة المسلمة التي تحكم الشرع تمنح شعبها الاطمئنان ورغد العيش، ولأرضها الأمن والاستقرار. وما استمرار هذه الدولة لعدة قرون إلا لكونها تحكم بالشرع الإسلامي وتحتكم إليه، وترعى القائمين على ذلك ممن يجاهدون لتنقية العقيدة من البدع والخرافات التي تعصف بالشعوب الإسلامية الشقيقة، فيظهر اسلامهم مشوهاً بتلك الخرافات التي لا يقبلها عقل ولا يرتضيها فكر، بل ربما تكون سبباً في نفور غير المسلمين من الدخول للإسلام، ولندرك - جميعاً - أننا أمرنا مع العبادة بعمارة الأرض بالتعاون، والأخوة، والتناصح، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بالحسنى، ومعرفة أحوال الناس والاشفاق عليهم وحبهم، وحفظ حقوقهم الانسانية والأدبية، وعلى الأسرة الالتفات لأبنائها وتربية النشء وابعادهم عن الوقوع أو التأثر بالتيارات المخالفة للشرع، وتوجيههم نحو الخير وربطهم بالرفقة الصالحة، وتجنب كل ما يؤدي إلى اثارة الفتن الداخلية سواء بالمناقشات والآراء المتطرفة أو الساخطة التي لا تؤدي إلا إلى فتن متواصلة يدخل الوطن فيها سلسلة من العنف يتوقف فيها الانتاج ويهلك فيها الزرع! ونحن أمة أمرنا بالعبادة، والسعي في مناكب الأرض، والأكل من رزقه، وإليه النشور!! كما ينبغي إعادة تأهيل ممن تعرض للسجن، أومن عاد من مواقع جهادية خارجية تعودت فيها أكتافه على حمل السلاح واعتادت اصابعه على اطلاق الرصاص! فلابد من استقبالهم استقبال الآباء الحانين على أبنائهم وعدم تعنيفهم، وتهيئتهم للتكيف مع الأوضاع السليمة ومساعدة كل منهم على تكوين أسرة يشعر بالخوف عليها، والانتماء لها، لتصبح روحه لديه غالية ولا ترخص لأجل فكرة دخيلة أو فكر منحرف فهو حتماً سيخاف على أولاده وعلى أسرته من ذلك الانحراف الفكري الذي يولد جرائم بشعة يروح ضحيتها أبرياء قد يكونون أولاده الذين هم أغلى من روحه. لذا يحسن بنا احتواء الشباب وحل مشكلاتهم الفكرية، وعدم التضييق عليهم، والتعامل معهم على أساس أنهم ثروة واستثمار مستقبلي ومعالجة أوضاعهم الاقتصادية بفتح قنوات جديدة للعمل وتجنيبهم الباطلة والفراغ الذي يؤدي بهم إلى الفقر أو السجن أو اعتناق مبادئ هدامة، وهم وان كانوا قد أساؤوا التصرف، وأخطأوا في الفهم، فهم أبناؤنا ونحن أهلهم، ونحن الجسد وهم الأعضاء!! وكثيراً ما تلامس اليد العين فتؤذيها! أفنقطع اليد؟! أم نداوي العين..؟!
ص.ب 260564 الرياض 11342
|