فإنه مما لا يختلف فيه اثنان من عقلاء الناس وأدبائهم انه متى كانت العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والراعي والرعية، مبنية على المودة والمحبة، والنصح والارشاد، والتوجيه والتعليم، وفتح القلوب والصدور والمكاتب والمجالس للبعيد والقريب، كلما كانت العلاقة قوية، ووشائجها مترابطة سوية، وكانت كالجبال الرواسي، لا تزعزعها الرياح العواتي.
وكلما كانت تلك العلاقة علاقة سطحية، شفافة، وهمية، لا تقوم على محبة ونصح ولا توجيه ولا ارشاد، كلما كانت العلاقة ضعيفة هشة، تهدم صرحها أدنى قشة، وتهز كيانها ادنى هزة، وتشتت شملها ادنى فتنة.
وقد ادرك ولاة امر هذه البلاد - وفقهم الله - اهمية توطيد العلاقة بين الحاكم والمحكوم، والرعية والراعي، وانها مطلب من متطلبات الشريعة والحياة، وضرورة من ضرورات الدين والدنيا، اذ ليس من المعقول ان يعيش الراعي بمنأى عن رعيته، موصدا دونهم بابه، لا يتلمس احوالهم، ولا يتفقد شؤونهم، ولا ينظر في طلباتهم وحاجاتهم، ولا يوجههم، ولا ينصحهم، ولا يرشدهم لكل ما فيه خيرهم وصلاحهم في امر دينهم ودنياهم، نبراسهم في ذلك قوله جل وعلا «وتواصوا بالحق»، وهديهم في ذلك ما اخرجه مسلم وابو داود والنسائي عن تميم الداري ان رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «الدين النصيحة» قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم». فجاء الملك عبد العزيز - رحمه الله - وقرر ذلك أحسن تقرير، وجعل تحقيق هذا الهدف النبيل واقعا ملموسا، ومن اهم اهدافه الاصلاحية، ومن اولى اولوياته الضرورية، للتقريب بين الراعي والرعية، بل انه رحمه الله لم يكتف بهذا في نفسه، بل حتى غرس هذا الغرس في ابنائه البررة، فكانوا خير خلف لخير سلف، فساروا على خطى والدهم حذو القذة بالقذة، فجزاهم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء. ولاشك ان هذه العلاقة تزداد وتتأكد كلما حدثت في الامة حادثة، او وقعت بها واقعة، وما قام وما يقوم به سمو امير منطقة الرياض - جزاه الله خيرا ووفقه - من فتح باب مكتبه بقصر الحكم في كل يوم من ايام الاسبوع، وفتح باب منزله - عمره الله بوجوده وعافيته - في كل يوم اثنين من كل اسبوع الا خير شاهد، واعظم دليل على محبة ولاتنا - وفقهم الله - لافراد شعبهم وامتهم، وتلمسهم لقضاء حاجاتهم، وكشف كرباتهم، والنظر في طلباتهم وشكاويهم، ومحاولة حلها في اسرع وقت ممكن، وهذا الباب المفتوح ليس فقط لقضاءالحاجات، وتلمس ذوي الفاقات والملمات، بل نجد ان الامر تعدى الى ماهو اعلى من ذلك واجل، الا وهو توجيه الناس الى كل ما فيه خيرهم في امر دينهم ودنياهم، ونجد ان هذه الحالة تبرز لنا بوضوح وبجلاء في الباب المفتوح لاثنينية سمو امير منطقة الرياض الاسبوعية.
نعم، لقد اختط سمو امير منطقة الرياض - وفقه الله - في بابه المفتوح، وخاصة لاثنينيته خطا جميلا ينبغي ان يحتذى، ومثالا - في تصوري - يجب ان يقتدى، فهو باب مفتوح لا لاجل الصراعات الفكرية، او للتجمعات الحزبية القبلية، لا والله، بل انه اجتماع على البر والتقوى، يسوده الهدوء، وتغشاه السكينة والوقار، متى ما رأيت صاحبه إلا ورأيت اجمل المعاني الانسانية وألطفها تتجسد واقعا مشاهدا فيه، فسبحان من جمع له بين الهيبة والوقار، والتواضع واللين.
وهو باب مفتوح لمقابلة عموم افراد الشعب، والمقيمين بهذا البلد الكريم على اختلاف مستوياتهم، وتنوع طبقاتهم وهو باب مفتوح لاشعار كل زائر وقادم ان صاحب هذا الباب انما هو جزء لا يتجزأ من هذا المجتمع، وانه لبنة من لبناته، وحلقة من حلقاته، وهو باب مفتوح يترجم معاني الأخلاق الاسلامية النبيلة في نجدة ملهوف، ودفع كربة مكروب، ونصح طالب النصح، وتوجيه مسترشد، وتقويم معوج. وهو باب مفتوح يترجم المعاني العربية الاصيلة، من كرم الضيافة، وحسن الاستقبال، وطيب الكلام.
لقد رسم سمو امير منطقة الرياض - حفظه الله - في هذا الباب المفتوح، واستقبال الناس في الاثنين من كل اسبوع منهجا علميا، ومسلكا تربويا نبويا شريفا، ليس قائما على الوعظ والارشاد في كل مرة، فالنفوس تكل وتمل، بل انه - جزاه الله خيرا - يستغل الفرص والمناسبات لطرح نصيحته وارشاده، مقتديا في ذلك بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، وذلك فيما رواه البخاري في صحيحه في كتاب العلم وفي آخر الدعوات، ومسلم في صفة القيامة من حديث شقيق قال: كان عبد الله بن مسعود يذكرنا كل يوم خميس، فقال له رجل: يا ابا عبد الرحمن انا نحب حديثك ونشتهيه، ولوددنا انك حدثتنا كل يوم، فقال: «ما يمنعني ان احدثكم الا كراهية ان املكم، ان رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتخولنا بالموعظة في الايام كراهية السآمة علينا». وهذا الطرح للتوجيه والارشاد يعرضه - حفظه الله - باسلوب ابوي، ومنهج تربوي، يظهر فيه صدق النصيحة، ومصداقية الناصح.
وهذا الباب المفتوح - بحمد الله - لم يتغير بما جد ويجد على الساحة من تغيرات وتحولات واحداث، بل لا زال - ولن يزال كذلك ان شاءالله تعالى - مستمرا في عطائه المتدفق اللا محدود لكل ما يخدم المجتمع والامة، وان الاوضاع الراهنة التي تمر بها امتنا الاسلامية والعربية، وما يجري على الساحة المحلية والاقليمية والدولية لها حظ وافر، ونصيب جيد في العرض والطرح متى ما سنحت الفرصة، للتأكيد على ثوابتنا ومنطلقاتنا الاساسية التي تقوم عليها دولتنا الرشيدة بقيادة مولاي خادم الحرمين الشريفين حفظه الله.
وان ما جرى في هذه الايام السابقة من احداث، وما تخللها من اعمال ارهابية مشينة، وسلوكيات فردية خاطئة مهينة، جعلت سمو سيدي - حفظه الله - يدلي بدلوه في لقائه المفتوح مع الحضور في اثنينيته على التأكيد على القواعد المتينة، والأسس القويمة، والطرق المستقيمة، المستمدة من كتاب ربنا وسنة نبينا، وهدي سلفنا الصالح، في قيام هذه الدولة، وكم كنت اتمنى وارجو ان تقيد كلماته الشاملة المفيدة، وتوجيهاته النافعة السديدة، بأي وسيلة، ليعم نفعها القاصي والداني، ويستفيد منها من اراد الحق في كل وقت وآن.
وايمانا مني بأن كل ما قاله سمو الامير ليس مقصودا به من كان حاضرا فقط، بل عام للمجتمع والامة، وان ما قاله هو من التوجيه الذي نحن بحاجة اليه، خاصة في هذا الوقت الراهن الواجب فيه الالتفاف حول ولاتنا، لذا جردت القلم من غمده، ورأيت من الواجب علي وعلى امثالي محاولة ايصال هذه الفوائد الموفقة، والجمل المسددة، لاكبر عدد ممكن من المهتمين، واعلامهم بما يدور وراء هذا الباب المفتوح، من الصراحة والوضوح، ومن مصداقية الناصح والمنصوح. ولعل من اهم الثوابت والقواعد التي يمكن ان نستفيد منها كمواطنين من خلال هذا الباب واللقاء المفتوح - خاصة في مثل هذه الايام - ما يلي:
أولا: التأكيد على منزلة الاسلام، والمتمثل في عقيدته الصافية، وان هذه الدولة في جميع اطوارها وعصورها قائمة عليه منذ قيام الامام بن سعود والامام محمد بن عبد الوهاب، وانها لا زالت ولن تزال- بحول الله - قائمة عليه ما تعاقب ليل او نهار، وان شريعة الاسلام هي الشريعة الصالحة في كل زمان ومكان.
ثانيا: التأكيد على رفض مبدأ الغلو في الدين، وانه مبدأ رفضه القرآن والسنة، واهل العلم من هذه الامة، قال تعالى: {فاستقم كما امرت ومن تاب معك ولا تطغوا انه بما تعملون بصير}.
وقال صلى الله عليه وسلم فيما اخرجه أحمد والنسائي والحاكم وصححه عن ابن عباس : «واياكم والغلو في الدين فانما هلك من كان قبلكم بالغلو في الدين»، وان الغلو في الدين جر على الامة ويلات وحسرات لا زالت الى الآن تكتوي بلظاها، وتذوق مرارتها وبلواها، والتاريخ خير شاهد على لأواها.
ثالثا: التأكيد على منزلة العلماء والمشايخ - السائرين على الكتاب والسنة، والمنتهجين لما كان عليه العلماء المعتبرين من هذه الامة، وان لهم من المنزلة والتقدير حيث رفع شأنهم العزيز القدير قال تعالى: {هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون انما يتذكر اولوا الالباب}.
رابعا: رفض اي مبدأ يدعو الى جعل هذا المجتمع فرقا واحزابا، فلا حزبية ولا طائفية مذهبية ولا عرقية، بل نحن مجتمع وامة واحدة تجمعنا مع الجميع شهادة ألا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله، والاتباع لما كان عليه سلف هذه الامة، وان الحق هو غايتنا.
خامسا: التأكيد على حق المواطن في هذا البلد الكريم، وان هذه الدولة سخرت جميع امكاناتها لخدمته من جميع النواحي، وترجوا من الله المزيد في كل ما يحقق الخير والنفع لهذه البلاد وشعبها.
سادسا: التأكيد على مبدأ الاخوة الاسلامية، المقتضية للعدل والمساواة، وان هذا المجتمع مجتمع تجمعه الرابطة الايمانية، وتحمي سياجه الاخوة الاسلامية، القائمة على العقيدة الصحيحة، والطريقة المستقيمة، فالجميع في نظر الدولة سواء حاضرتهم او باديتهم، مواطنهم او مقيمهم.
سابعا: التأكيد على ان الدولة تسعى جاهدة بخيلها ورجلها على حفظ النسل والمال والاهل والولد لكل مواطن ومقيم على ارض هذا الوطن الكريم، وان رجال هذا الاسرة حريصون مع رجال هذه الدولة في المساهمة في توطيد الامن، وارساء قواعده، وتثبيت دعائمه وان الانسان مهما ملك من مال الدنيا ما ملك الا انه لا يستطيع ان يهنأ به ما دام لم يأمن على نفسه وماله، بل حتى لا يستطيع ان يقيم دينه ويتعبد ربه، وصدق الصادق المصدوق: «من اصبح منكم آمنا في سربه معافى في جسده وعنده قوت يومه فكأنما حيزت له الدنيا» رواه البخاري في الادب والترمذي وابن ماجة عن عبد الله بن محصن رضي الله عنه. ثامنا: التأكيد على حق المعاهدين والمستأمنين في هذا البلد، وذلك في حدود الشريعة الاسلامية، والملة الحنيفية، فلا يظلمون ولا يخانون ولا يغدر بهم، وقد اخرج عبد بن حميد وابن جرير: قيل للضحاك: ما الامانة؟ قال: «هي الفرائض وحق على كل مؤمن ان لا يغش مؤمنا ولا معاهدا في شيء قليل ولا كثير فمن فعل فقد خان امانته».
وقد جاء النهي والزجر والوعيد في قتل المعاهد وهو المستأمن من اهل الحرب فروى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا: «من قتل معاهدا لم يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة اربعين عاما» وعن ابي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل معاهدا له ذمة الله وذمة رسوله فقد اخفر بذمة الله فلا يرح رائحة الجنة وان ريحها ليوجد من مسيرة سبعين خريفا» رواه ابن ماجة والترمذي، وقال : حسن صحيح.
تاسعا: التأكيد على عظم المسؤولية التي حملتها الدولة لكل مسؤول بحسبه، وانها من الامانة التي يجب اداؤها على الوجه المطلوب. هذه من اهم القواعد والثوابت التي يمكن ان نستشفها كمواطنين من خلال هذا اللقاء والباب المفتوح مع سمو سيدي امير منطقة الرياض، والتي ماهي في الحقيقة الا استقراء لمقاصد الشريعة، وتأكيد لثوابت هذه الدولة منذ ارسى بنيانها الملك الهمام، الهزبر الامام عبد العزيز بن عبد الرحمن - رحمه الله وطيب ثراه - فنعم الباني، ونعم المبني، ووفق الله القائمين على البناء الى كل ما فيه خير مجتمعنا وامتنا.
د. عبد العزيز بن عبد الله الزير آل حمد
المستشار بامارة منطقة الرياض
|