تعقد في أول الشهر القادم في فرنسا قمة الدول الصناعية الثمان وهي قمة الدول الصناعية السبع G7 «أمريكا، بريطانيا، كندا، فرنسا، ألمانيا، إيطاليا، واليابان زائداً روسيا» والأخيرة تصر على تسميتها قمة الدول الثماني ولكن الدول الصناعية كانت تصر على تسميتها مجموعة السبع زائداً روسيا G7/8 والسبب أنها تعتبر الاقتصاد الروسي بوضعه الحاضر ليس كبيراً وتحاول مساومة روسيا على ترقيتها الى مرتبة متقدمة في المؤسسات الدولية حتى تم ذلك الآن.
والدعوة التي وجهتها فرنسا الدولة المضيفة للقمة لصاحب السمو الملكي ولي العهد الأمير عبدالله بن عبدالعزيز لحضور قمة الثماني G8 تأتي تتويجا لمسيرة الاقتصاد السعودي وقوته ودور المملكة وأسواقها الناشئة في الاقتصاد العالمي وتأتي بعد انضمام المملكة عام 1999م الى مجموعة العشرين G20 التي أسستها الدول الصناعية G7 لتضم أكبر عشرين دولة نامية ومديري المؤسسات الدولية يتم من خلالها تبادل الآراء حول الاقتصاد العالمي والأمور المالية والاقتصادية الملحة.
وتتم اجتماعات مجموعة العشرين G20 في جو غير رسمي يسهله تكوين المجموعة وحجمها وعدم وجود سكرتارية دائمة لها كالمؤسسات الأخرى القائمة بل سكرتارية مؤقته تتغير كل سنة بحيث يمكن تبادل حر للآراء والأفكار بشكل غير رسمي بين الدول الصناعية والدول النامية والوصول الى اتفاق حول النقاط الهامة تفاديا لما حصل في اجتماعات 1994م السنوية لصندوق النقد والبنك الدولي في مدينة مدريد الاسبانية حين وقفت الدول النامية بقيادة الهند والصين ضد اقتراحات الدول الصناعية.
ومع ان اقتصاد العالم العربي الحالي وحجمه مقارنة بالدول الصناعية ليس كبيراً إلا أن الامكانات الموجودة فيه هائلة مادياً وبشرياً ولو تم تفعيلها وتطويرها وتمكينها من استغلال طاقاتها المهدرة لأصبحت المنطقة من أقوى اقتصاديات العالم وأنا لا أقول ذلك من باب الحماس والعاطفة الوطنية فقط وإنما من واقع دراسة وعمل وتجربة عملية في هذا المجال لمدة 25 عاماً.
ان حضور صاحب السمو الملكي الأمير عبدالله لهذه القمة G8 ممثلا لبلاده وللعالم العربي والاسلامي الذي يشكل معظم الدول النامية تأتي تلبية لدعوة الرئيس الفرنسي الذي حدد أهداف اجتماعات قمة الثمانية في بلاده بأنها تسعى الى وجود عولمة انسانية تأخذ في الاعتبار مصالح الجميع من دول نامية وصناعية وتناقش أموراً هامة مثل التعاون والنمو، الأمن، الديمقراطية، وكذلك الارهاب والمياه كمواضيع أساسية للنمو والأمن كما جاء في كلمة الرئيس الفرنسي في 25 ابريل 2003م أمام منظمات اتحادات العمال.
كذلك أكد وزير المالية والصناعة والاقتصاد الفرنسي السيد/ فرانسيس مير خلال رئاسته لاجتماع وزراء المال والاقتصاد لمجموعة «السبع الثماني» G7/G8 يوم 17 مايو 203م هذه الأهداف بأن أهمها هي المواضيع الاقتصادية والمالية وكيفية الوصول الى شراكة ووحدة عالمية أفضل حول تلك الأهداف وكيفية الوصول الى تأكيد النمو الاقتصادي القوي والمستدام ليس فقط في العالم الصناعي بل العالم النامي أيضا واظهار روح التعاون معه خصوصا أفريقيا. كذلك من أهدافه حث قادة الشركات الكبرى والمالية على اعتماد وسائل تتحلى بروح المسؤولية حول مزيد من النزاهة والشفافية في أعمالهم وكذلك أهمية موضوع الأمن للدول جميعها ومنها محاربة تمويل الارهاب وهذه هي أولويات القمة كما تراها فرنسا والرئيس شيراك حسب ما ذكره الوزير كذلك ذكر الوزير أن القمة تركز على أربعة أهداف رئيسية هي:
1- طرق تحفيز وتيرة النمو المستديم.
2- دفع التنمية في افريقيا.
3- حماية الأسواق المالية.
4- محاربة تهديد الارهاب.
هذه هي أولوياتهم في هذا الاجتماع فماذا يريدون من المملكة والدول النامية وماذا تريد المملكة والدول العربية والاسلامية منهم؟
أعتقد أنهم سوف يحاولون بالنسبة للنمو الاقتصادي الاشارة الى أسعار البترول العالية كما هي عادتهم ولكن باعترافهم هم وحسب تقارير صندوق النقد الدولي ان أسعار البترول لم تؤثر كثيرا في النمو الاقتصادي هناك وان دورها محدود وان الأسباب التذبذب في أسواق المال والأسهم وهي ما كشفته أجهزة الأمن الأمريكية من تلاعب الشركات المالية التي أدت الى تدهور أسواق المال وما جره ذلك على الاقتصاد والنمو لا يحتاج الى دليل.
كذلك سوف يطالبون بفتح أسواق الدول العربية والاسلامية بتحرير الأنظمة وخفض الرسوم وهذه أمور في مصلحة الدول النامية وتسعى اليها والجهود وخصوصا في المملكة العربية السعودية مستمرة كان آخرها الاتفاق في مجلس التعاون على الاتحاد الجمركي حيث أصبحت التعرفة الجمركية موحدة بين دول المجلس وهو ما كانت تطالب به أوروبا الموحدة كذلك تم اصدار العديد من الأنظمة الخاصة بالاستثمار الأجنبي وخفض الضريبة على المستثمرين واصدار نظام سوق المال وتخصيص قطاعات الكهرباء والاتصالات وتهيئة القطاعات الأخرى لذلك.
سوف يشيرون الى ذلك بالتلميح وليس التصريح لأن ما يميز هذه الاجتماعات هو تاريخها الايجابي في العلاقات بين الدول والسعي للتفاهم وتبادل المصالح وكون فرنسا هي أول من اقترح تلك الاجتماعات التي عقد أولها في رامبلوييه عام 1975 لمجموعة من ست دول G6 لتبادل الرأي حول أزمة أسعار البترول ثم تطورت تلك الاجتماعات وانضمت كندا لها لتصبح G7 في عام 1998م وفي كل عام كانت تلك الاجتماعات الودية والغير رسمية تحقق انجازاً جديداً مثل مبادرة أفريقيا وتطوير عمل البنك وصندوق النقد الدولي وانضمام روسيا الاتحادية عام 1998م ثم اقرار مبدأ فصل اجتماع رؤساء دول المجموعة في اجتماع لوحدهم عن الوزراء والمستشارين ليتبادلوا الرأي الحر بشكل غير رسمي وفي عام 2001م تم اقرار مكافحة مرض الايدز والملاريا وفي عام 2002م تم الاتفاق على محاربة الارهاب وعلى اتفاقية المشاركة العالمية ضد انتشار أسلحة ومواد الدمار الشامل وأمن وسائل النقل.
والمملكة العربية السعودية تعطيها مشاركتها في هذه القمة للدول الثمان الكبرى في العالم الفرصة لتعزيز دورها ومكانة دول مجلس التعاون والدول العربية والاسلامية التي لها وجهة نظر ومساهمات ايجابية في الحوار والتفاهم ليس أقلها دعوة المملكة لانشاء منتدى الطاقة العالمية والاتفاق على الأمانة العامة له ودور المملكة ودول الخليج في المساعدات الانمائية وخصوصاً لأفريقيا معروف ومشهود له ويجب علينا ابرازه وفائدته للدول الغربية وليس فقط للدول النامية حيث ان أكثر من 80% من كل دولار من المساعدات يعود للدول الصناعية على شكل مشتريات صناعية كذلك فإن الدول الخليجية والمستثمرين فيها يساعدون الاقتصاد الغربي بما لا يقل عن تريليون دولار من الاستثمارات ولا تحصل الدول العربية على استثمارات تذكر مقابل ذلك وكان أول من أشار الى ذلك الخلل الاستثماري هو رئيس الوزراء الاسرائيلي السابق شيمون بيريز الذي طالب مقابل ذلك باستثمارات في الشرق الأوسط الجديد وهو حق أريد به باطل ولكن الحجة قائمة والحق ما شهدت به الأعداء لذلك كله فإن مطالبنا كسعوديين وخليجيين وعرب ومسلمين هي العدالة في التعامل لبناء اقتصاد عالمي يسوده العدل والنمو والأمن والاستقرار ونحن نحارب الارهاب قبلهم ومنذ عقود وديننا ينهي عنه ولسنا معه ولكن التعاون يحب ان يبنى على أسس من العدل والتفاهم وهناك الآن رغبة من الجميع في ذلك وأهم مطالبنا باختصار هي:
1- حل مشكلة العرب والمسلمين الأساسية في فلسطين وإعطاء الفلسطينيين حقوقهم والحصول من هذه القمة على دعم لمبادرة الدول العربية التي أساسها مبادرة المملكة.
2- فتح الأسواق الأوروبية والأمريكية لنا جميعاً ولصناعتنا وليس فقط للصناعات الاسرائيلية وخفض الضرائب الباهظة على منتجات البترول لزيادة النمو وان تسعير البترول بالدولار يفيد الدول الأوروبية.
3- تشجيع المؤسسات الدولية والبنوك والأفراد في الغرب على الاستثمار في دول المنطقة ومنهم الحوافز الضريبية والتمويلية للمساهمة في تنمية المنطقة.
4- ضم أمانة مجلس التعاون كمراقب لاجتماعات G8 مثل ما هو معمول به مع أمانة الاتحاد الأوروبي.
5- تسهيل دخول المملكة والدول العربية الأخرى في منظمة التجارة الدولية بدون شروط تعجيزية.
هذه مطالب عادلة يحملها أمير كريم يمثل دولة قامت وشيدت على أساس من التقوى والتسامح ووحدت مناطق وقبائل شتى في مجتمع اسلامي يسوده العدل والأمان وهي شريك أثبت فاعليته في التعاون البناء مع كافة الدول وانتهج سياسة خدمت مصالحه بدون الإضرار بمصالح الآخرين ويمثل قدوة ناجحة في التعاون والنمو حيث تحتضن بلاده ما يزيد عن 7 ملايين أجنبي يحولون لبلادهم سنويا 17 مليار دولار وهو ما يفوق مجمل المساعدات التنموية التي تمنحها أو تقرضها الولايات المتحدة للعالم أجمع «2 ،14 بليون» وهذه المبالغ المحولة من المملكة تساهم في نمو تلك البلاد وتساعد في رواج البضائع من الدول الغربية في تلك المناطق وتحول بدون قيود أو شروط.
كل هذه الايجابيات التي ساهمت بها المملكة في رخاء العالم بالاضافة الى أسعار البترول المعتدلة وانتاجه الكبير يعرفها الآخرون أكثر منا ولكن يجب الحرص على ايضاحها وتكرارها حتى نجابه من يحاولون التعتيم عليه باستمرار.
والله الموفق،،،،
د. عبدالعزيز العريعر
عضو مجلس الشورى
|